الصرخةُ الحسينية.. سلاحٌ وموقف .. بقلم/ خلود الشرفي
“بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ”.
الصرخة وَما أدراك ما الصرخة، إنها الكابوس الذي أزعج الأمريكان في عقر ديارهم، وَأقض مضاجعهم، في حين أننا لم نكن نعرف شيئاً عنها بعدُ، وَلا حتى عن صاحبها العظيم الشهيد القائد/ حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه-.
فيا تُرى ما قصة هذه الصرخة الحرة، التي زلزلت عروش المستكبرين، وَأرعبت كيانهم، وَجعلتهم يشنون حرباً شعواء على ثلة مؤمنة، لم تكن لتشكل ربع سكان مدينة صغيرة نائية في بلد هو أفقر البلدان العربية وَالإسلامية حَــدٍّ سواء، ما الذي جعل كُـلّ تلك الدول الكبرى تخاف من شخص واحد أتى من سلالة آخر الأنبياء والمرسلين، وَتحسب له ألف حساب وَحساب، لا لشيء سوى أنه قام بإعلان هذه العبارات الخمس:
“الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
أي شأن كانت تحمله هذه العبارات، وَأي خطر وضعه المستكبرون نصب أعينهم من هذا الرجل الذي أطلق مشروعاً تحرّرياً ضد هيمنتهم..
أيتجرأ مثل هذا السيد الشاب على مواجهة قوى عظمى بحجم أمريكا؟!
أم كيف تمكّن وحده وَمعه ثلة من المستبصرين المؤمنين من مواجهة أكبر الإمبراطوريات في القرن الواحد وَالعشرين، وأعتى طغاة البشرية، وأقسى جلادي العصر، وفراعنة الزمان، والذين يملكون ما لا يملكه قارون نفسه في الزمن البعيد، ويفوق طغيانهم اللامحدود طغيان فرعون وَقومه؟!
أيُّ قلب عظيم كان يمتلكه ذلك السيد الهاشمي الشاب؟!
وأية ثقة بالله تلك التي تزودَ بها هو وأصحابه؟!
وما سرُّ الطمأنينة تلك التي وهبهم إياها الله العليم الخبير؟!
أية شجاعة كان يمتلكها ذلك الرجل العظيم؟!
وأي قلب عظيم كان يحمل بين جنبيه؟!
حقاً.. إن التاريخَ لَيقفُ خاشعاً مذهولاً من هذه الحقائق البسيطة، وَتلك الكلمات النورانية التي أرعبت دولاً كبرى برمتها، وَأسقطت هيبتها الكاذبة في الوحل..
أي تأييد إلهي عظيم ذلك الذي حظي به أُولئك النفر المؤمنون الذين انطلقوا من واقعهم المرير ليس فقط ليُصلحوا ذلك الواقع، وَلكن ليملأوا ذلك الفراغ الروحي الذي كانت تعاني منه الأُمَّــة الإسلامية وَالعربية قاطبة، وَبالأخص مسقط رأسهم اليمن.. تلك القرية البسيطة (مران) الواقعة في بقعة نائية من بلد هو الأكثر فقراً، وأشد البلدان حاجة لبعض المساعدات من صاحبة السمو الملكي الأمريكي المتغطرس المتربع على ثروات الأمم وَعروش الهيمنة وَالاستكبار.
مئات الأسئلة التي تبرز وَتفرض نفسها بالقوة، علّها تجدّ بعض الإجابات الشافية، ومهما كانت النتائج فالحقيقة واحدة لا لبس فيها، إنه التأييد الإلهي، إنها العناية الإلهية، إنه الله وحدة سبحانه وتعالى، الذي بيده مقاليد السموات والأرض.
فلا شك بأن المشروع التنموي العظيم الذي أطلقه الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه- كان يستند على دلائل قوية، وَأسس متينة، جعلت كُـلّ من يحاولون احتواء مسيرته القرآنية يبوؤون بالفشل، وَيتجرعون العار، وَيكتسون الذل، وَإلا فما الخطر الذي يمكن أن يحيق بدول كبرى عملاقة مثل أمريكا وَبريطانيا وَحلفائهما من مُجَـرّد شعار مكتوب على الجدار؟!
مع العلم أنه لم يكن يتبناه ويهتف به في البداية سوى قلة قليلة من الشباب الفقير المسكين الذي لا يكاد يجد قوت يومه؟!
أي شيء يزعجهم من مُجَـرّد كلمات كان يعارضها في البداية أكثر الناس من حول هذا الشاب نفسه؟!
إن الأعداء كما قال الشهيد القائد سلام الله عليه، هم أذكياء وَليسوا أغبياء مثلنا، إنهم يحسبون ألف حساب لأي شيء من المحتمل أن يشكل خطورة عليهم، وَلو كان بعد ألف عام، حتى ولو كانت نسبة الخطورة المحتملة لا تتجاوز الواحد بالمِئة، نعم.. لقد عرفوا سريعاً عواقب هذه الصرخة عليهم، وعلى المدى البعيد، فحاولوا بكل ما يملكون من قوة أن يتلافوا هذا الخطر المحتمل، وَالذي أصبح وشيكاً أن يهدّد مصالحهم، فقاموا بشكل هستيري بشنّ حرب شعواء تمثلت في الحروب الست على مسقط رأس الشهيد القائد (صعدة)، والتي رافقها تعتيم إعلامي رهيب، وحرب نفسية كبيرة.
وَلكن.. وعلى عكس ما يخطط له الظالمون وَالجبابرة في كُـلّ زمان وَمكان، فالله سبحانه وَتعالى مُتمُ نوره وَلو كره الكافرون، فقد كانت هذه الحروب الست الظالمة سبباً في معرفة حقيقة النظام السابق وأدواته العميلة، التي ارتكبت أبشع المجازر بحق المواطنين العزل، لا لشيء، إنما فقط إرضاء لسيدتهم أمريكا، وَربيبتها إسرائيل، وَجبراً لخواطرهم، وَمراعاة لمشاعرهم التي أزعجتها هذه الصرخة، وَآلمها هذا الشعار، فكانت هذه الصرخة بمثابة البراءة من أعداء الله، وَالتي نزل بها القرآن الكريم في أول سورة التوبة لتتبنى موقفاً جديدًا، لا مجالَ فيه لسادات الكفر، ولا وجودَ فيه لعتاولة النفاق، موقف واضح وصريح.