الوَحدة اليمنية.. صناعةُ شعب واستحقاقُ وطن لا يقبَلُ التجزئة .. بقلم/ دينا الرميمة
إن كانت الوَحدة بين شمال اليمن وجنوبه ذات يوم حلم يراود اليمنيين فقد سعوا لتحقيقه حتى أصبح واقعاً لامس قلوبهم وبث فيها الأمل أنه بعد اليوم لن يتجرأ عليهم أحد؛ كونهم يعلمون حجمَ الطامعين في أرضهم وَما يتهدّدهم حال فرقتهم التي استمرت لعشرات السنيين بفعل المحتلّين الذين تواردوا على اليمن وعملوا على تمزيقه وتشظيه إلى اثنتي عشرة سلطنة جنوبية إلى جانب الشمال، إلا أن اليمنيين وبحكمتهم استعادوا وحدتهم وتغلبوا على كُـلّ المتآمرين عليها!! بَيْدَ أن النظامين الذين وقعا على وَحدة اليمن فشلا في الحفاظ عليها ولم يؤسسا دولة قوية ما أوجد من يحاول انتزاعها.
ولا يزال إلى اليوم هناك من يتربص بها ويعمل جاهدا لعودة اليمن على ما كانت عليه قبل ١٩٦٤، وهو ما تعمل عليه حَـاليًّا السعوديّة والإمارات من خلال عسكرة القضية الجنوبية وتقسيم الجنوب إلى نخب ومليشيات ونجحتا في إخراج صوت عنصري يفرق بين المدن اليمنية وينادي بالانفصال!!
حَـاليًّا ستجد من مثقوبي الذاكرة من يقول أن السعوديّة رحبت بالوَحدة حينها وباركتها بيد أن هؤلاء يجهلون انها حين فعلت ذلك ليس حباً باليمنيين وهي التي يرعبها جِـدًّا توحد اليمن الذي يعني نهضة اليمن، ولكنها اضطرت لمباركتها في خطاباتها فقط وهي بذلك قد ضمنت أن يكون الجنوب الذي كانت معه في صراع قديم لبسط نفوذها عليه بذلك سيكون تحت تصرفها كما هو حال الشمال بواسطة عميلها المخلص (صالح) الذي سلمها اليمن كاملاً تعبث فيه كيف شاءت، وحَـاليًّا وبعد خروج الشمال عن طاعتها باتت تدعم الصوت المنادي بالانفصال وتسعى لتحقيق حلمها القديم في ضم حضرموت والمهرة إلى خارطتها الجغرافية وهذا الذي لن يكون لها، كون أبناء اليمن لا يزالون متمسكين بوحدتهم وبكل شبر من أرضهم وهذا ما أكّـد عليه الرئيس مهدي المشاط في خطابه الذي ألقاه عشية الذكرى الثانية والثلاثين للوَحدة اليمنية، حَيثُ أكّـد في خطابه أن الوَحدة تعرضت منذ شهورها الأولى للكثير من المؤامرات التي ظهرت على إثرها الكثير من الأعراض المَرضية، واستفحلت هذه الأعراضُ أكثر وأكثر في حرب صيف العام 94م التي وصفها بالخاطئة والظالمة، وأشَارَ المشاط أن نتيجة لذلك فقد تم الإعلان الظالم والخاطئ للانفصال، وأكّـد الرئيس أن هذه الأفعال هي لا شك أخطاء وخطايا صنعها الخارجُ بالتواطؤ مع أدواته الفاسدة والعميلة في الداخل.
وَقد نوّه الرئيس المشاط إلى ما تتعرض له الوَحدة اليوم من خطر الخارج المعتدي الذي يستفحل على نحو أكبر، وذلك من خلال تدخلاته العدوانية السافرة وقيادته المباشرة والعلنية لتلك الأدوات الفاسدة نفسها، ضمن مخطّطات وأهداف عدائية لم تعد غامضةً أَو خافيةً على أحد، وهي في مجملها تتوخَّى في البداية العملَ على وأد مشروع السيادة والاستقلال الذي حملت لواءَه ثورةُ الحادي والعشرين من سبتمبر، وُصُـولاً إلى استئنافِ سياسة الهيمنة والحديقة الخلفية، ومواصلة حرمان اليمن من أي مشروع حقيقي لبناء دولتِه المغيَّبة، مع استكمال ما كانوا قد بدأوه في البواكير الأولى لوَحدة شعبنا وبلدنا من سياسات التمزيق والتفتيت بمختلف الأساليب والعناوين والممارسات الممنهجة التي ضربت التنوُّعَ الإيجابي في الرأي والفكرة، وفرَّخت التعدد السلبي في الأُطُرِ والانتماءات الضيِّقة على حِسابِ الانتماء الواحد للهُــوِيَّة اليمنية الواحدة وعلى حساب الأُطُرِ الواسعة والجامِعة.
وذكر المشاط أنه ومع كُـلّ ذلك، فَـإنَّ الخارجَ وأدواته ينسَون دائماً بأن الوَحدة شأنُها شأنُ بقية الثوابت لم تكُنْ يوماً من صُنعِ أشخاص أَو أحزاب، وإنما كانت وستبقى صناعةَ شعب يستعصي على الانكسار واستحقاق وطن لا يقبل التجزئة، ولذلك قد تجدون في حِقَبٍ مختلفة من التاريخ صراعات مريرة بين أحزاب وأشخاص وجماعات، لكن الشعب اليمني كان في مختلف الأحوال يستمر واحداً وموحَّداً في وجدانه ومشاعره، وفي أحلامه وآماله، وهذا أمرٌ يمكن رصده فعلاً سواء قبل 22 مايو أَو بعده.
وفيما كانت الصراعات والحروب تأتي وتزول، كان الشعب على الدوام جاهزاً لإعادة إنتاج وحدته وكأن شيئاً لم يكن.
وهذا هو ما يؤكّـد عليه كُـلّ يمني حر مستعد لبذل كُـلّ غالٍ ورخيص في سبيل اليمن ووحدته وشعبه.