صحيفة “المسيرة” تلتقي عدداً من المرضى المنتظرين على قائمة آلاف المحتاجين للسفر للعلاج: مرضى اليمن بانتظار الأمل المفقود برعاية أممية
المسيرة: إبراهيم العنسي
تعبوا كَثيراً بانتظار أول رحلة كان يُفترَضُ أن تقلَّهم من مطار صنعاء الدولي إلى وجهة العلاجِ خارجَ البلاد المحدّدة سلفاً.
كثيرون هم المنتظرون من مرضى اليمن بحالاتهم الحرجة، المستعصية، الطارئة كما هو حال أمين عامر الذي يعيش مع غيبوبة منذ ثلاث سنوات لم يجد سبيلاً للسفر من مطار صنعاء قبل مع أمل سابق لأولاده في ما كان يعرف بالجسر الطبي الذي أوقفته منظمة الصحة العالمية، واليوم تتفاقم حالة عامر أكثر من ذي قبل، حَيثُ يقول ابنه عبدالسلام: إن مستشفيات الداخل لم تستطع تشخيص حالته بدقة فيما يحتاج للسفر خارج البلاد، حَيثُ الإمْكَانات الطبية الأكثر تطوراً.
يقول عامر بأنهم كانوا يفكرون بسفره عبر المناطق المحتلّة لكن وضعه الصحي وحالته الحرجة لا تحتمل أي سفر طويل على الإطلاق، وهم اليوم بانتظار رحلة علاجية عبر مطار صنعاء وإن كانوا لا يعلمون متى سيأتي الدور عليهم.
مريضة بالعمود الفقري: الأمم المتحدة عصا هشة
نجوى باعلوي، المصابة بانزلاق بعمودها الفقري، تقول إنها تجرعت مرارة آلام سنوات طوالاً، لا تعلم إلى أين سيكون منتهاها، فهي لم تعد تثق بوعود تحالف العدوان وهُدناته التي تقول: إنها لم تكن إنسانية أبداً، فالإنسانية –بنظرها- لا ترتبط بمواجهات الآخرين، والشهامة لا صلة لها بمن يتكئ على جراح المرضى ويستمع بأنين المستضعفين.
تشير باعلوي إلى أن حالتها لا تحتمل الانتظار فهي تعاني من انزلاق في العمود الفقري إلى جانب شد عضلي والتهاب عصبي فهي دائماً مستلقية لا تستطيع الجلوس بانتظار رحلة علاج على أمل ابتسام الحظ لها للسفر والعلاج.
تضيف نجوى: كنت أبحث عن السفر للعلاج منذ سنوات وفكرت في المجازفة بالسفر عبر مطار عدن لكن حالتي لا تسمح البتة فأنا لا استطيع تحمل متاعب السفر، حَيثُ إني أظل مستلقية على سرير طوال الوقت في حين أن أية رحلة سفر لمطار عدن تستغرق ساعات طوالاً، ناهيك عن التوقفات التي تفرضها النقاط الأمنية وغيرها من المتاعب التي قد تواجهُك في رحلتك براً.
وتتابع: مع فرض العدوان شرط إصدار جواز السفر من مناطق الاحتلال قبل الاتّفاق على قبول جوازات صنعاء فقد استغرق تجهيزنا لجوازات سفري وزوجي وقتاً لا بأس به، وقبل أَيَّـام قدمت للحصول على الفيزا من الأردن والتي قد تستغرق حوالي العشرة أَيَّـام، أي أننا سنكون تحت رحمة الأمم المتحدة وقبول العدوان مواصلة رحلات الطيران أَو تعويض الرحلات التي كان يجب إقلاعها من مطار صنعاء منذ بدء الهُدنة، ومع هذا سنرجو ونتمنى الخير من الله.. مع أنه يجب أن يكون للمرضى وضع خاص برحلات الطيران فالمريض ظروفه وحالته غير المسافر العادي، فأنا كمثال لا أستطيعُ الجلوسَ على كُرسي الطائرة بشكل طبيعي؛ لأَنَّي بحاجة للاستلقاء طوال الرحلة، وهكذا حال كثير من المرضى.
السفر الشاق برعاية أممية!
محمد القوزي استعد لأول رحلة بعد أن حجز تذاكر السفر لرحلة كان قد انتظرها مطار صنعاء منذ العام ٢٠١٦ كأول رحلة تجارية لا علاقة لها برحلات الأمم المتحدة.
إصابة والده أمين القوزي بجلطة دماغية سببت له انسداداً بشريانين رئيسيين أحدهما بصورة كاملة وآخر بصورة شبه تامة مع تشخيص الأطباء بصعوبة الحالة وضرورة السفر العاجل، إذ أن المتوقع حدوثُ جلطة دماغية أُخرى بأية لحظة قد تودي بحياته، وما بين انتظار أول رحلة مع بدء الهُدنة والحاجة الملحة للسفر تضاربت أفكارُ من حوله هل ينتظرون الموعدَ ثم الموعد التالي بعد أن أُلغي موعد أول رحلة عبر مطار صنعاء، أم يسلكون الطريق الأصعب المحفوف بمخاطر السفر عبر المحافظات المتخمة بإجراءات نقاط التفتيش المرهقة لدى مرتزِقة العدوان والتي لا تعبأ بمريض أَو معافًى، مع ما في ذلك من مجازفة كبيرة قد يفقد معها أبو محمد حياته؛ إرهاقاً من السفر الطويل لمريض مصاب بجلطة دماغية.
وكان لا بُـدَّ مما ليس منه بد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإن كان فيها مغامرة تجاوزت نصائح الأطباء بعدم سفر براً، كما يقول الابن، فالوصول إلى مدينة عدن كان شاقًّا رغم أن الرحلة كانت على أربع مراحل، انتقالاً من مدينة إلى مدينة لأربعة أَيَّـام للوصول إلى صالة مطار عدن والاستعداد للمغادرة صوبَ عمّان الأردنية.
يسرد ابنُ الحاج القوزي بعضَ تفاصيل السفر ويقول: إن “السفر عبر المحافظات للوصول إلى عدن كان مستحيلاً أن يتم دون مرافقة طبيب مع حالتنا المرضية، وهذا الأمر الذي لا قدرةَ لآلاف المرضى عليه، لم يكن ليتسنى لنا لولا توفر الجانب المادي، في رحلة بدت طويلةً جِـدًّا جداً وُصُـولاً إلى عدن مع اعتراض نقاط التفتيش التي لم تكن لتستثنيَ أحداً حتى الحالات المرضية.
ويضيف: لولا أننا جازفنا متوكلين على الله رغم صعوبة الحالة وارتفاع مخاطر فقدان مريضنا للحياة بأية لحظة إلا أن هذا كان صواباً من وجهة نظري إلى حَــدّ ما، فمطار صنعاء لم يُفتح ولم تقلع أية رحلة لشهر ونصف شهر، فيما كانت تنبيهات الأطباء تشير إلى فترة أقل من هذه المدة التي عرقلت فيها رحلات الطيران بمطار صنعاء لحدوث جلطة دماغية لوالدي الحاج أمين.
ويتابع: عند العودة كان حظنا أن غادرنا عمان مع طيران صنعاء، فيما أفكاري كانت تدور حول من رأيناهم بصنعاء من حالات مرضية صعبة جِـدًّا تنتظر من يمد لها يد العون للسفر، وما أكثر أُولئك، بعضهم ينتظرون رحلات القاهرة الأقل كلفة وبعضهم ينتظر دوره بأية رحلة ولأية وجهة وتسألت من سينجو منهم ومن سيرحل بعد أن فقدوا الأمل، وهذا ما أدركته في رحلتنا هذه، فكيف بمن لم نرهم وهم بعشرات الألوف منذ بدء العدوان والحصار على اليمن.
أشباحُ الحصار ونقاطُ المرتزِقة
نزار الشامي، المصاب بالروماتيزم في مراحله المتقدمة، يقول بأنه انتظر تدشين رحلات مطار صنعاء فيما لم يستطع المغادرة عبر مطار عدن أَو سيئون؛ لما في ذلك من مخاطر السفر التي سمع عنها بنقاط المرتزِقة العسكرية والتي قد لا يسلم القاصد السفر شرها حتى وإن ذهب في رحلة علاج.
بعد تدشين أول رحلة لمطار صنعاء إلى عمان قبل أسبوعين كان نزار يأمل أن تقلع رحلات إلى القاهرة كما كان اتّفاق الهُدنة قد أشار، فالإمْكَانات المادية لديه لا تشجّع للسفر إلى الأردن، وبانتظار أية رحلة مماثلة إلى مصر.
يقول مرافقُه الأخ الأكبر لنزار زين العابدين إنهم فرحوا كَثيراً بسماع تأكيد استقبالِ مصر رحلات اليمنية عبر مطار صنعاء، لكن هذا جاء في الوقت الحرج، حَيثُ الهُدنة تلفُظُ أنفاسَها الأخيرةَ، فأية رحلة ستغادِرُ صَوبَ القاهرة في ما تبقى من أَيَّـام الهُدنة ومن سيغادر عبرها والمنتظرون لرحلاتِ صنعاء القاهرة بالمئات.