عندما تتعارَضُ المصالح مع الثوابت .. بقلم د/ شعفل علي عمير
تتعدَّدُ الولاءاتُ تبعاً لتعدُّدِ المصالح، ولكن تبقى هناك ثوابت لا بد أن تطغى على أية مصالحَ، ثوابت دينية وثوابت وطنية، ولكن في عصرنا هذا وجدنا من تجرد من أي ثابت ديني أَو وطني، تجرد من انتمائه ووطنيته إلى الحد الذي وصل به أن يهتفَ لخدمةِ أربابِ مصالحِه الضيِّقة ضد وطنه، وحتى بما يناقِضُ كيانَه السياسي أَو مضمونَه الديني، فوجدنا من يهتفُ في وطنه: لا للعلمانية. وعندما التجَأ إلى أحضان العلمانية أصبح ينعَقُ بما يخدُمُ حُضْنَه العلماني.
تلك الكياناتُ التي تتسمُ بمرونة تشبهُ إلى حَــدٍّ كبيرٍ المطاطَ الذي يتشكَّلُ طبقاً لشكل محتواه المادي، كيانات كانت تتشدق بالعداء لأي محتلّ أَو غازٍ لأرضها ما لبثت أن أصبحت إحدى أدوات المحتلّ وأحدَ رماح الغازي عندما اقتضت مصالحهم، هذا الانحرافُ في ثوابتهم وهذا التناقض الفاضح في ما كانوا يدّعونه من مبادئهم؛ بسببِ أن هذه الكيانات هي الأكثر نفاقاً والأعمق مكاناً في جهنمَ.
ليس الاختلاف فيما يعنيه مشكلةً بحد ذاته، بل ممكن أن تكون هناك رؤًى متباينةٌ يمكن أن تكون لها مساراتٌ للتقارب، لكن أن يكون الاختلاف هو أحد مبرّرات للتخلي عن الثوابت الدينية فهذا هو الانحراف عن المنهج الفكري الذي على أَسَاسه تبلورت الكياناتُ السياسية والدينية.
حتى الانحرافُ عن الفكر السياسي يعد من الجرم الذي تستحق فيه النخب المنحرفة أن تحاكَمَ من قواعدها التي انطلقت بناءً على أهداف ومبادئ وأقسمت بعدم الميل عنها، فما بالك في من ينحرف عن ثابته الديني؟!
أليس هذا ما هو حاصلٌ في ما يسمى بـ “الإصلاح” الحزب الذي تجرَّدَ من كُـلِّ ثابتٍ، أصبح هذا الحزبُ إحدى أدوات العدوان على شعبه وأحد مؤيدي العلمانية، بل إنه أصبح جُزءًا من المنظومة اللا دينية.
والأغرب من ذلك أنهم من مؤيدي العلاقات والتطبيع مع الكيان الصهيوني ليس بصفتهم وإنما بكونهم جزءًا ممن أقام علاقة أَو طبّع مع هذا الكيان الغاصب لمقدسات المسلمين.
لا نسمع لهم ولو همسًا تجاه ما يُحاكُ ضد القدس وفلسطين من مؤامرة، وكانوا قبل هذا أحدَ الأبواق التي تدَّعي مناصَرةَ الأقصى وإحدى قنوات التبرع للشعب الفلسطيني، مستغلين تعطف الشعب اليمني مع إخوانهم في فلسطين، وما أن تكشفت حقائقهم حتى ظهرت مآربُهم الخبيثة في رفد حزبهم بالمال الذي كانت تجمعُه من الشعوب.
تلك الأموالُ والتبرعاتُ ذهبت إلى جيوب نخب “الإصلاح” لتُستثمرَ في بلادٍ هم أصلاً على نقيضٍ فكري معها في الظاهر، تذهبُ لرفد اقتصاد الدولة التركية بعيدًا عن فلسطين، كما هم أصلاً بعيدون عن كُـلّ مبدأ وثابت.
سعوا بكُلِّ جُهْدٍ لانتزاع الحكم في كُـلّ البلاد العربية، استمروا في خبثهم وتصنيف المجتمع طبقاً لطول اللحية وقصر الثوب بعيدًا عن أي معيار آخر فأصبحوا لاحقاً من أكثر الكيانات إفلاساً وأكبرها نفاقاً، عرفتهم كُـلُّ المجتمعات فأصبحوا منبوذين، لم يُجِيدوا السياسةَ ولم يفلحوا في التمسُّكِ بدينهم.