الضبطُ المروري.. شرطةٌ تستحقُّ التقديرَ والاحترام .. بقلم/ فؤاد القاضي
كنت متحاملاً كغيري من الصحفيين على شرطة الضبط المروري عند بدء إدارة المرور في أمانة العاصمة بالتنفيذ العملي لفكرة إنشائها من خلال الانتشار في عدد من خطوط السير والشوارع والجولات المرورية ومباشرة تنفيذها للمهام الموكلة إليها.
وفي الحقيقة ما جعلني أتحامل عليها بادئ الأمر هو هندام أفرادها المقنعين بالسواد ووضعية وقوفهم وأصابعهم المستعدة للضغط على زناد البندقية، الشبيهة بوضعية الاستعداد لخوض معركة مواجهة شرسة مع خصم لدود.
تلك الصورة الذهنية الآنية، المتعززة بالفهم الخاطئ والنظرة القاصرة لحقيقة أفراد شرطة الضبط المروري، جعلتني أنحاز إلى صف المواطن “سائق المركبة أَو السيارة أَو الدراجة النارية” وأشفق عليه مما يمكن أن يحل به من عقاب حال ارتكابه للمخالفة من قِبل أفراد شرطة مدججين بالسلاح ومقنعين بالسواد أشبه ما يكونون في وضعية وقوفهم ونظرات عيونهم المتيقظة بالأسود الكاسرة.
الزمان المتمثل بإحدى أَيَّـام شهر رمضان المبارك والمكان المتمثل بشارع الستين الغربي الممتد من جولة عصر إلى جولة عمران، كانا كفيلين بتغيير نظرتي الخاطئة والقاصرة وإقناعي بحقيقة أن التصرفات هي دائماً من تقول الحقيقة.
وفي ساعة زمنية تعارف الناس على تسميتها بوقت الذروة “لحظات ما قبل انطلاق صوت أذان المغرب من مكبرات الصوت المعلقة على مآذن المساجد” شاهدت عدداً من تصرفات ومواقف أفراد شرطة الضبط المروري، التي تلاشت معها ظاهرة الازدحام المألوفة بالنسبة لي سابقًا في الجولات وعند مداخل الأسواق والمولات التجارية وفي نهايات الشوارع المرتبطة بشارع الستين الغربي.
وعند مشاهدتي لانضباط سائقي الدراجات النارية والتزامهم بقواعد السير وإشارات رجال المرور في تلك اللحظة الزمنية التي يسابقون فيها الزمن للوصول إلى منازلهم بنفوس هادئة في ظل غياب تام لمفهوم المثل القائل “لا تحاكي صائم بعد العصر” أدركت فعلاً أهميّة تواجد وانتشار شرطة الضبط المروري لتحقيق هدف الانسيابية والسلاسة في حركة السير وتخفيف الازدحام.
وزاد من تعزيز قناعتي بعظمة وارتقاء فكرة إنشاء شرطة الضبط المروري قيام إحدى سيارات الضبط المروري بشحن بطارية سيارة أحد المواطنين، التي توقف محركها بالقرب من جسر السنينة، وما ترتب عن ذلك من حَـلّ سريع لمشكلة الازدحام، وشعور بالارتياح والسعادة في نفوس الجميع، لا سِـيَّـما سائق السيارة الذي ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة.
ذكّرني ذلك الموقف بموقف شبيه له شاهدته عندما كنت في زيارة لإحدى الدول الأُورُوبية، وأدركت حينها أن ما يقدمه وما تتضمنه استراتيجية عمل أُولئك الأبطال من أفراد شرطة الضبط المروري، يحمل الكثير من المعاني الإنسانية، التي تجعل من الطريق والشارع العام صورة تعكس الكثير من القيم والأخلاقيات التي تعمق في نفوس المواطنين مفهوم الاحترام لرجال الضبط المروري ونشوء العلاقة الاجتماعية الإيجابية المتبادلة بينهم.
كل تلك الأمور خلقت في نفسي دافع الاطلاع والبحث عن طبيعة المهام التي حدّدتها إدارة المرور لأفراد شرطة الضبط المروري، وشعرت بالفخر والاعتزاز وأيقنت أن الضبط المروري شرطة تستحق التقدير والاحترام حين علمت أن مهامها تتلخص فيما يلي:
– تعزيز مفاهيم وقناعات الانضباط والالتزام بقواعد السير في الشوارع والجولات والطرقات وترسيخ تلك القناعات والمفاهيم في نفوس السائقين ومستخدمي الطريق حتى تتحول إلى سلوك مجتمعي وثقافة احترام مجتمعية لهيبة رجل المرور في الشارع.
– ضبط المستهترين وغير الملتزمين بقواعد وآداب المرور وخَاصَّة من يعتبرون أنفسهم فوق القانون.
– ضبط المخالفين من سائقي المركبات والسيارات أَو الدراجات النارية، الذين يقومون بالوقوف العشوائي وإلزامهم بالوقوف في الأماكن المحدّدة للوقوف وبشكل طولي.
– تقديم الخدمات الإسعافية العاجلة للسيارات التي تتوقف في الطريق؛ بسَببِ أعطال طارئة كعدم كفاءة البطارية أَو انخفاض كمية الهواء في الإطارات بعمل اشتراك لبطاريات السيارات المتوقفة أَو تعبية الإطارات باستخدام المعدات والتجهيزات الخَاصَّة المتوفرة في سيارات الضبط المروري.
– تنفيذ الحملات المرورية لضبط المخالفين وفقاً لخطط الضبط النوعي لبعض أنواع المخالفات حتى لا تتحول إلى ظاهرة أَو تلك التي أصبحت ظاهرة؛ بهَدفِ الحد منها.
– تنفيذ حملات ضبط المخالفات التي يتعذر ضبطها بالخدمات العادية لعدم وجود قوة كافية وتحقيق هدف تسهيل ضبطها وتهيب المخالفين من المقاومة حتى تتم عملية الضبط بسلاسة ودون مقاومة إلا ما ندر.
– فرض هيبة رجل المرور بالشارع مع ترسيخ مبدأ التعامل الراقي المهذب بين رجل المرور ومستخدم الطريق وترسيخ ثقافة الانضباط والالتزام بقواعد وآداب المرور بالشارع مع الحرص على التصرف الحازم مع المخالفين للوصول للتنفيذ الطوعي لقواعد وآداب المرور.
– تنفيذ حملات ضبط معارض السيارات المخالفة التي تقوم بعرض سيارتها على الأرصفة والشوارع والتسبب بالازدحام وعرقلة حركة السير، إضافة إلى إلزامها بمزاولة عملية البيع والشراء وفقاً لقانون المرور وقانون الجمارك التي تشترط الحصول على رخصة المزاولة لبيع وشراء السيارات، لما لذلك من أهميّة من الناحية المرورية في توفر مواصفات مكان المعرض الذي لا يتعارض مع انسيابية حركة السير، وما لذلك أَيْـضاً من أهميّة من الناحية الأمنية تتمثل في منع بيع السيارات المسروقة والمنهوبة وغير المرسمة أَو المزورة وثائقها وإلزام المعارض بالتقيد بشروط وتعليمات المرور بالترخيص سواء من حَيثُ وثائق السيارة ومدى صحتها لضمان سلامة الإجراءات وصحة التعامل مع المواطنين أَو من حَيثُ ضمان تسجيل السيارات المباعة وترقيمها ونقل ملكيتها.
– تعزيز خدمات رجال المرور خلال تنظيم الفعاليات والمناسبات الرسمية والدينية والجماهيرية وفي المواسم التي تكثر فيها حركة الشوارع والأسواق كشهر رمضان أَو الأعياد الدينية وغيرها.
– التحَرّك السريع كقوة تدخل لتقديم المساعدة لرجال المرور ومعالجة حالات الاختناقات المرورية في حالات الذروة أَو عند الحالات الطارئة التي تقتضي إغلاق أماكن معينة وتحويل حركة السير إلى طرق بديلة والإسهام السريع في تحقيق هدف انسيابية الحركة المرورية.
في الأخير أستطيع القول إنه ما من شك في أن النجاحات التي حقّقتها شرطة الضبط المروري في أمانة العاصمة هو امتداد وتتويج لما حقّقته وتحقّقه الإدارة العامة لشرطة المرور، التي نشد على يديها لاتِّخاذ المزيد من الإجراءات ووضع المزيد من الحلول الناجحة للمشاكل والاختناقات والازدحامات المرورية، وخُصُوصاً في أوقات الذروة.
إن استحداثَ وحدة الضبط المروري خطوة في الطريق الصحيح ومظهر من مظاهر التحديث والتطوير والإبداع الذي شهدته الإدارة العامة للمرور في ظل قيادته، لا سِـيَّـما وقد أصبح الجميع يدرك حقيقة أن عمل هذه الوَحدة “وحدة الضبط المروري” لا يتوقفُ عند حدود ضبط المخالفات المرورية وتنظيم حركة السير فقط، بل تجاوز ذلك إلى القيام بضبط مخالفات رجال المرور أنفسهم وحثهم على تطوير أساليب أدائهم لوظيفتهم والتعامل مع السائقين والمارة بأُسلُـوب راقٍ تتجسد من خلاله ثقافة توثيق العلاقات والروابط الاجتماعية والوطنية بين رجل المرور والمواطنين وتعزيز الوعي المروري واحترام النظام والقانون.