فشلُ مخطّطات إشعال فتيل الاشتباك.. والمقاومةُ تقيّم الوضع
المسيرة / متابعة خَاصَّة
انتهت الجولةُ الأولى من الطقوس اليهودية المقرّرة لما يسمى “يوم القدس” حسب التقويم اليهودي والتي بدأت عند 7 صباحاً وحتى الساعة 11 قبل ظهر اليوم الأحد، وخلالها اقتحم حوالي 1140 مستوطناً باحات المسجد الأقصى وسط تصَدٍّ واسعٍ للمرابطين المقدسيين وإعلان النفير العام؛ دفاعاً عن المسجد الأقصى، حَيثُ من المرتقب أن تزداد أعداد الحشود الفلسطينية القادمة من مختلف المناطق إلى الأقصى.
في الأثناء، أصرَّ رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بنيت، حسب تصريحاته الأخيرة على تمرير مسيرة الأعلام بمسارها الاستفزازي من باب العامود ومُرورًا بالحي الإسلامي في البلدة القديمة “ولو على حساب تصعيد أمني”، حَيثُ تهدّد الفصائل الفلسطينية بإشهار “سيف القدس 2” وتعلن جهوزيتها التامة للمعركة.
ومع انطلاق الجولة الثانية والتي خرجت فيها مسيرة الرقص بالأعلام في تمام الساعة السادسة والربع، أمس الأحد، بتوقيت القدس، باتّجاه حائط البراق، مُرورًا بـ “باب العامود، باب الساهرة” واستمرت حتى انقسمت المسيرة إلى فرقتين إحداهما وسط المدينة القديمة، ولفت وسائل عبرية إلى “مشاركة 25 ألف يهودي في مسيرة الأعلام”.
في السياق، اعتبر الشيخُ عكرمة صبري أن “ما حدث اليوم في الأقصى وباب العامود لم يحدُثْ منذ احتلال القدس عام ٦٧م”.
بنيت يحقّقُ نجاحاً ونتنياهو يتربَّص
في ظل هذا التعنُّت، حاول بنيت، من جهة، إعادةَ ترميم صورة حكومته الهَشَّة التي زعزعتها العملياتُ الفدائية في الداخل المحتلّ، والتطور المطرد لفعاليات المقاومة في القدس والضفة المحتلّتين، بالإضافة إلى تهديدات الفصائل في غزة وصواريخها التي تطال عند كُـلّ حدث مستوطنات غلاف غزّة، كما تعرّضت لسلسلة من الإخفاقات في التعاطي مع المقاومة ومع الضربات الأمنية، (من عملية “نفق الحرية إلى العمليات في الداخل)، وأخفقت في قراءة السلوك الفلسطيني وفي تقديراتها.
كذلك خسر الائتلاف (بنيت –لابيد) الأغلبية في الكنيست مع الاستقالات المتكرّرة من “ايديت سيلمان إلى غيداء ريناوي وتلويح القائمة العربية الموحدة بالاستقالة أَيْـضاً على خلفية ممارسات الحكومة في القدس والمسجد الأقصى”.
ومن جهة ثانية، رأى مراقبون أن رئيس حكومة الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو، في مشاركته، أمس، في مسيرة الأعلام، تصيد الفرص للتحريض ضد بنيت، حَيثُ صرّح عشية مسيرة الأعلام: “ارفعوا العلم، ومعاً سنعيد إسرائيل إلى اليمين”، في إشارة إلى ضعف الحكومة الحالية، وقد اتهمت الكاتبة سيما كادمون في مقالها في صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية “زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو بأنه هو من وضع رئيس الوزراء نفتالي بينت في هذا الامتحان في إطار حملة التنظيف”، وتابعت: “مسيرة الأعلام ليس تحدياً شخصيًّا بسيطاً لرئيس الوزراء، خَاصَّة في ظل صمت المعسكر الذي من المفترض أن يمتدحه لقراره إقامة المسيرة في شكلها التقليدي”، وأضافت: “مسيرة الأعلام التي ستقام يوم الأحد، وهي اختبار للحكومة والائتلاف، وغالبًا هي اختبار لرئيس الوزراء؛ ليس لأن بينيت يفتقد الاختبارات؛ لكن هذا أحد التحديات الكبيرة التي واجهها منذ تشكيل الحكومة، أولاً وقبل كُـلّ شيء؛ بسَببِ المخاطر المباشرة التي تصاحب مثل هذه المسيرة”.
نتنياهو يقفُ خلفَ الاستفزاز اليميني
عند اليد اليُمنى لنتنياهو تقف الجماعات اليمينية المتطرّفة وأعضائها، وعلى رأسهم ايتمار بن غفير وهو عضو الكنيست في حزب “الصهيونية الدينية” الذي انضم إليه نزولاً عند رغبة نتنياهو لتعقيد الأمور على بنيت، وَ”بتسلئيل سموتريتش” زعيم هذا الحزب، ويعتبر “ابن غفير وسموتريتش” المحركان الأَسَاسيان لضغوط اليمين المتطرّف وجماعاته في تنفيذ المخطّطات الاستفزازية لمشاعر الشعب الفلسطيني والتهويدية للقدس المحتلّة.
هذه الجماعات لا تلتزم في أغلب الأحيان بتوصيات أَو تقديرات المستويات السياسية والأمنية أَو الحكومية في الكيان، بالتالي هي قادرة في فوضويتها و”تهورها” على زجّ الكيان في ما لا لم يكن يتوقعه.
غير أن الوضعَ في القدس، أمس، أظهر أن “إسرائيلَ” حاولت فَرْضَ واقعٍ جديدٍ في المدينة، فقد قام المستوطنون بالاعتداء على كُـلّ ما هو عربي في محيط باب العامود بعد العربدة في البلدة القديمة.
وبالتزامن مع مسيرة الأعلام الصهيونية قمعت قوات الاحتلال مسيرة الأعلام الفلسطينية في شارع صلاح الدين واعتقلت المئات من الفلسطينيين بينهم أطفال وفتيات في مناطق متفرقة، إلى جانب حالات الإصابات إما بالرصاص المطاطي أَو الغاز المسيل للدموع.
“لحماية القدس” قاب قوسين من تدخل “محور القدس”
لقد انتهى زمنُ مقاتلي الشوارع وقاذفي الحجارة والزجاجات الحارقة، فشكل الحرب القائمة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني المؤقت التي انقلبت موازين قوّتها منذ ما بعد الانتفاضة الثانية عام 2000م، بداية مرحلة التصنيع العسكري المحلي، ثمّ انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزّة والذي أمّن البنية التحتية لعمل المقاومة، وبدأ تطور التشكيلات ووحدات الأجنحة العسكرية للفصائل التي خاضت 3 حروب.
وُصُـولاً إلى معركةِ “سيف القدس” المختلفة عن سابقاتها لناحية تفجير قوّة المقاومة المتراكمة وإظهار قدراتها في قيادة المعركة وفقاً لتوقيتها وإيقاعها حتى تحقيق النتائج (معادلات الردع) التي انسحبت إلى متغيرات استراتيجية يُفصل في التحليل السياسي بين ما قبلها وبعدها من تلاحم الساحات الفلسطينية من جهة، وتمدّد التنسيق مع جبهات محور القدس من جهة ثانية.
محورُ القدس سيتدخَّلُ عند تجاوز الاحتلال في عدوانه
اليوم، مع عودة مؤشرات الحرب، حَيثُ مرَّرَ الاحتلالُ مسيرةَ الأعلام في “يوم القدس”، ضمن طقوس ومسار استفزازي لمشاعر الشعب الفلسطيني، أكّـدت مصادرُ فلسطينية أن “قناةَ اتصال دائمة ومتواصلة وفي انعقاد دائم مع قيادة المحور، وفي الحرب المقبلة فَـإنَّ أطراف المحور ستتدخّل حال استمر الاحتلال في عدوانه لأكثر من أسبوع… الحديث عن تدّخل محور القدس بات جدّياً” ويُدخل معادلة “القدس يعني حرباً إقليمية” حيّز التنفيذ الميداني، وبطبيعة الحال يُترك التحديد والتشخيص لأطراف المحور حسب المستجدات أَو المتغيرات التي تطرأ في المعركة.
وأشَارَت المصادر إلى أن “التنسيق الأولي سيتم حول كثافة النيران” على أن تُترك الخيارات وساحات الرد والأهداف ودرجة التصعيد لمجريات المعركة وتطوراتها.
طائراتُ “الاغتيال” تحلّقُ في سماء غزّة
ترفعُ فصائلُ المقاومة الجهوزية في غزّةَ وتحضِّرُ أرضيةَ العمل العسكري مع وجود “مؤشرات واضحة ومعطيات شبه مؤكّـدة بجولة تصعيد تبدأها المقاومة إن مرت مسيرة الإعلام حسب المخطّط لها” حسب ما يقول أكثر من المصدر.
وبينما حلقت بالتزامن مع مسيرة الأعلام طائرات “إيه إتش-64 أباتشي” فوق الحدود الشمالية للقطاع لعدد 4 طائرات، وصف مصدر في غزة، إضافة إلى ذلك، أن “الرصد الجوي، رصدوا طائرة استطلاع إسرائيلية لا تكون بالجو إلَّا أثناء خطة الاغتيالات”، بالإضافة إلى تحليق مكثّـف لطائرات الاحتلال الحربية والاستطلاعية في سماء القطاع.
الفعالياتُ الشعبيّة وردودُ الأفعال
كانَ يوم أمس مليئًا بردود الأفعال والانفعالات العاطفية، لكن وفي تقدير موقف فلسطيني آخر يشير إلى أن التصدي الشعبي للمرابطين في المسجد الأقصى قد “أعفى غزّة عن الحرب” ورد مخطّط التهويد عن القدس، حَيثُ أن دعوات شعبيّة وفصائلية دعت إلى “شدّ الرحال نحو المسجد الأقصى” والاحتشاد في باحاته، أمس الأحد، تحت شعار “لن تُرفع أعلامكم”.
كما دعا “الحراك الشعبي في القدس” إلى جعل يوم الأحد، يوم العلم الفلسطيني في إطار مواجهة رفع “الأعلام الإسرائيلية” وذلك عبر وصول مسيرات العلم الفلسطيني إلى باب العامود، ورفعه أَيْـضاً على كُـلّ بيت وشارع في القدس المحتلّة، ورفعت طائرة مسيَّرة فلسطينية العلم الفلسطيني فوق المستوطنين في منطقة باب العامود.
ومن ناحية ثانية، فَـإنَّ كتائب المقاومة في مناطق الضفة الغربية المحتلّة كانت معنية أَيْـضاً في أعمال الإرباك والاشتباك عند الحواجز مع قوات الاحتلال بردع شرطته عن الاعتداء على المسجد الأقصى والشعب الفلسطيني، وهو ما حدث بالضبط، حَيثُ أطلق مقاومون النار صَوْبَ قوات الاحتلال خلال مواجهات على حاجز حوارة.
في النتيجة، كان يوم أمس موعداً فاصلاً واختباراً حقيقياً للطرفين، فلم يتحقّق أن تراجع الاحتلال عن مخطّطه، فضرب بكل الوساطات العربية والدولية عرض الحائط، ووجهت السخط الفلسطيني والعربي على تلك الكيانات المطبعة، ولم يكن للدول التي تسمي نفسها راعية الوساطة غير أن هناك طلباً مصرياً طارئًا ومستعجلاً لاجتماع القيادة العسكرية في القاهرة، في مقابل إدانات عربية مهزومة لا ترقى بثمنِ الحبر عليها، وكادت الأحداثُ تتدحرجُ نحو معركة تبقى أبوابُها التصعيدية مشرعةً أمام العديد من السيناريوهات المحتملة، غير أن الوضع لن ينتهي عند هذا الحد ففي جعبة المقاومة ما سيفاجئ الجميع.