مرتّبات الموظفين: الاختبارُ الرئيسي للمرحلة الثانية من الهُدنة
المسيرة | خاص
أعادت صنعاءُ مِلَفَّ مرتباتِ موظفي الدولة إلى الواجهة مع موافقتها على تمديد الهُدنة، لتضعَ بذلك اختبارًا رئيسيًّا جديدًا من شأنه أن يحدّد مستقبلَ مسار التهدئة والسلام؛ لأَنَّ معالجةَ هذا المِلف يمكن أن تشكلَ تقدمًا حقيقيًّا (ولو أنه في الواقع استحقاق مشروع)، كما أن التعنتَ فيه يمكن أن يشكل برهانًا واضحًا على عدم جدوى الهُدنة، وبالتالي عدم جدوى التحَرّكات الأممية.
لم تكن نتائجُ المرحلة الأولى من الهُدنة “مشجِّعةً”، والكثير من المراقبين رجَّحوا عدم تمديدها، لكن صنعاء أعطت الأولويةَ لاحتمالية تحقيق تقدم في المِلف الإنساني، على واقع تعنت العدوّ، وبرغم أن الأخير قد يعتبر ذلك نجاحًا لمساعي “كسب الوقت” التي يريد تحقيقها من وراء الهُدنة، إلا أن الواقعَ هو أن دولَ العدوان قد وضعت نفسها مجدّدًا في اختبار مهم وحساس ستغطي تداعيات السقوط فيه على كُـلّ فوائد “كسب الوقت”.
بإعادة طرحِ مِلف المرتبات على طاولة الهُدنة، أصبح موقفُ العدوّ من السلام أكثرَ انكشافًا، خُصُوصاً بعد أن أثبتت المرحلةُ الماضية من التهدئة أنه لا ينوي فتحَ مطار صنعاء وميناء الحديدة بل يسعى لاستخدامهما كأوراق للمساومة، الأمر الذي جعل الهدفَ الرئيسي من الهُدنة (وهو الوصول إلى اتّفاق شامل يمهد للحل، بعيدًا عن التحقّق)، وبالتالي فَـإنَّ إضافة التعنت في ملف المرتبات إلى النتائج السابقة، قد تغلق الباب تماماً أمام أي تمديد آخر؛ لأَنَّ الصورة ستكون قد اكتملت.
من خلال تصريح رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، حول المرتبات، عقب الإعلان عن تمديد الهُدنة، يتضح أن صنعاء تتعاملُ مع هذا المِلف كاختبار رئيسي يحدّد نجاح الهُدنة أَو فشلها، وهو ما يجعل خيارات العدوّ ضيقة؛ لأَنَّه الآن بحاجة إلى إظهار جدية حقيقية تضمن فرصة استمرار التهدئة، فتكرار تجربة الشهرين الماضيين والتعويل على “الوساطات” والوعود للتمديد لا يبدو أمرًا مُجْدِيًا في هذه المرحلة، كما أن الرحلات الجوية المحدودة وسفن الوقود التي يتم إدخَالها “بالتقطير” لا تكفي للاستمرار بالتهدئة.
العديدُ من المراقبين يرجحون أن تحالف العدوان لن يوافق على تنفيذ اتّفاق المرتبات؛ لأَنَّه يعتمد على هذا العقاب الجماعي بشكل كبير كورقة ضغط وابتزاز لليمنيين، إضافة إلى أنه يحرص بشدة على استمرار نهب إيرادات النفط والغاز واستخدامها لمضاعفة الحرب الاقتصادية ولتمويل نشاطاته العدائية.
وبحسب تصريحات نقلتها وسائلُ إعلام المرتزِقة عن فريقهم المفاوض، يبدو بوضوح أن هناك محاولةً للالتفاف على اتّفاق المرتبات من خلال محاولة إلزام صنعاء باستخدام إيرادات ميناء الحديدة فقط لصرف الرواتب الموظفين في المناطق الحرة، وعدم تغطية العجز من إيرادات النفط والغاز التي ينهبها العدوّ.
وبالنظر إلى سلوكِ الأمم المتحدة سابقًا فيما يتعلَّقُ باتّفاق المرتبات، إضافةً إلى سلوكها في المرحلة السابقة من الهُدنة، فَـإنَّ النتيجةَ المتوقعةَ هي أن يتماهى المبعوثُ الأممي مع تعنت تحالف العدوان في هذا الملف.
لكن تعثُّرَ هذا المِلف بالذات لن يكونَ أمرًا يسهُلُ التغاضي عنه، خُصُوصاً مع استمرار تعنت تحالف العدوان في بقية الملفات، وهو ما سيجعلُ هذه المرحلة من الهُدنة مختلفةً عن سابقتها؛ لأَنَّ تقييمَ هذه المرحلة سيحدِّدُ بوضوح ما إذَا كانت هناك “احتمالاتٌ” حقيقيةٌ لتحقيق تقدم، أم لا.