الدريهمي.. انتصارُ الدم على السيف (1 – 2) .. بقلم/ مرتضى الجرموزي
ويسألونك عن الدريهمي.. قل هي رقعة جغرافية من أرض تهامة والساحل الغربي أحاط بها العدوّ من أربع جهات طبيعية وخامسة كانت من الجو عبر طائرات المقاتلة وَالتجسسية وأقماره الاصطناعية وسادسة من البحر عبر بوارجه الحربية.
فكان أن ثبت رجالها ومجاهدو الجيش واللجان الشعبيّة كجبالٍ شامخة وحصون مانعة فجعلوا منها أُسطورةً قهرت جحافل العدوّ ومرّغت أنفَه بالتراب وعلى مدى عامين وأربعة شهور وهي تدفن المرتزِقة تحت رمالها المحترقة.
أُطبِقَ الحصار على المجاهدين والأهالي فيها وجاءت جحافل العدوان والارتزاق من كُـلّ حدب وصوب وتداعت على فريستها التي كانت جغرافيا محدودة وعدد لا يتجاوز ثمانين فرداً بأسلحتهم الشخصية والفردية.
ينظر المجاهدون إلى بعضهم وهم يرون الصحراء تغطيها العدة والعتاد العسكري الضخم والمهول يحيطون بهم من كُـلّ مكان وإذ جاءُوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.
أرض تنبعث منها قذائف بعيارات مختلفة.
سماء تسقط عليهم صواريخ فتاكة وقنابل ذكية.
رمال تتحَرّك لمجنزرات ومدرعات جرارة بمختلف أنواعها وفاعليتها وأسماؤها..
قال أُولئك الذين صدقوا مع الله بما عاهدوه ومع الشعب والوطن بما وعدوه هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلَّا إيمَاناً وتثبيتاً.
بفخار واستكبار وغطرسة عدائية ضن الزاحفون أن الأمر بات لهم ولصالحهم ونادوا عبر مكبرات الصوت للمحاصرين: سلّموا أنفسكم أنتم محاصرون، لن ينفعكم الفرار ولن تنفعكم قيادتكم التي خذلتكم اليوم هنا على هذه الجغرافيا المحدودة، سلموا أنفسكم قبل فوات الأون..
قابلهم رجال ذات ولاء صادق مع الله ورسوله والمؤمنين: اخسؤوا ولا تكلمون، ولستم أهلاً للسلام وأنتم من جعلتم من أنفسكم أدوات رخيصة قذرة يعبث بها أعداء الله ويحركونها كيفما شاءوا، كونوا رجالاً وتقدموا إن شئتم.
دعوا ترامب وعملاءَه كي ينقذوْكم من بأس الله الذي يمدنا بتوكل عليه وثبات منه ونصرٌ عليه وعدنا نحن ولم يعدكم أنتم.
ومع مرور الأيّام حصار العدوّ يشتد على المجاهدين من كُـلّ الجهات ولم يعُد هناك مخرجٌ منه إلَّا إلى الله وهو السلام ومنه الأمن.
حاول العدوّ التقدم أكثر عبر أربعة مسارات تسانده نيران المدفعية وصواريخ الطائرات وغيرها ومع كُـلّ محاولة كان يبوء العدوّ بالفشل ويخسر من قطعانه قتلى وأسرى ومصابين وآخرين يفرون بنفسيات منهزمة ومعنويات منحطة.
لم ينجح العدوّ أبداً في محاولاته تلك فابتكر طرق الاستنزاف ومحو الحياة من على مدينة الدريهمي فعمد إلى استهداف خزانات وأبار الماء حتى يموت المجاهدين والمواطنين عطشاً فيرفعوا راية الاستلام.
كثّـف من ضرباته وعملياته الهجومية والإيذائية.. اثنان وسبعون فرداً هم قوام المجاهدين يتناقص عددُهم مع كُـلّ قطرة دم تسقط شهداء أَو جرحى.
لكن المعتمد على الله والوثق به وعرفه حق المعرفة لم تهتز ثقته ولم ترهبه ضربات وَزحوفات العدوّ الذي هو بعيدٌ كُـلّ البُعد عن الله.
ملاحمُ بطولية ونِزالات أُسطورية وثقها المرابطون تنكيلاً بالعدوّ يلقنونه أشدَّ وأعظم الدروس كانت توثق حسب فصولها بالصوت والصورة والحدث الذي أبهر الجميع وخرّت الجباه ساجدة لله على نعيم تأييده للمرابطين الذين زادتهم آيات الله إيمَاناً إلى إيمَانهم وكيف لا تزداد ثقتهم بالله وتوكلهم عليه وهم يرون عاصفة تهبُ تدخلاً من الله لخمسة من المجاهدين كان قد حاصرهم العدوّ في موضع صغير حاولوا استدراجه فحاطت بهم الجموع والرصاص ومختلف الأعيرة فنادوا يا الله كُن لنا خيراً وناصراً لتهب عاصفة الله ملأت المنطقة وتحت رحمة الله وظلاله، عاد الخمسة إلى مواقع رفاقهم يحمدون الله ساجدين مهللين، لم يصبهم أذى أَو مكروه أراده العدوّ لهم، وهو موقف ولحظات تشرئبُّ له الأعناق ويَخِرُّ المؤمنون ساجدين لله.
انتصر الحق وانتصرت الإرادَة الصلبة وانتصر الدم على السيف.