نقاشاتُ الهُدنة تعود من عمّان إلى صنعاء بلا تقدم: المزيدُ من المقترحات
المسيرة | خاص
في ظل استمرارِ تعنُّتِ تحالُفِ العدوانِ الأمريكي السعوديّ ومرتزِقته ورفضِهم تنفيذَ بنود اتّفاق الهُدنة، عادت اللجنةُ العسكريةُ الوطنية المشاركة في مناقشات عَمَّان، إلى العاصمة صنعاء قبل أَيَّـام لدراسة المقترحات والنتائج مع القيادة، ووصل برفقتها المبعوث الأممي ليتلقى تأكيدات جديدة من الرئيس المشَّاط على جِديَّةِ صنعاء وحرصِها على إنجاحِ الهُدنة التي يواصلُ العدوُّ الالتفافَ عليها بصورةٍ واضحة تقلِّلُ فُرَصَ الوصولِ إلى حلولٍ حقيقيةٍ تخفّفُ معاناةَ المواطنين، وتدين الأمم المتحدة بالتواطؤ الصريح والعمل على إفراغ الاتّفاق من مضامينه.
خلال لقائه بالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الذي يزورُ صنعاء للمرة الثانية منذ تعيينه، حرص رئيسُ المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، على التذكير بالأهداف الرئيسية للهُدنة: وهي “تخفيف معاناة المواطنين وأن يلمس الشعب انعكاساتها الإيجابية من خلال التنفيذ الكلي لبنودها والعمل على صرف المرتبات”، وهي أمور لم تتحقّق حتى الآن؛ لأَنَّ “أعمال القرصنة وحجز دول العدوان لسفن المشتقات يرفع الغرامات، ما يضاعف من معاناة أبناء الشعب اليمني” كما أن “الإلغاء المفاجئ للرحلات يحرم المواطنين من الاستفادة من هذه الهُدنة ويجعلها شبه معدومة”.
وَأَضَـافَ الرئيس أن: “معاناة موظفي الدولة مُستمرّة جراء توقف المرتبات فيما ثروات الشعب اليمني النفطية والغازية ينهبها اللصوص وبشكل مُستمرّ ومكشوف”.
بالتالي فَـإنَّ الهُدنة لا تحقّق أهدافها، وحتى الآن لم تنعكس على الواقع إلا؛ باعتبَارها حيلةً لكسب الوقت وترتيب الصفوف، ولا يبدو أن الطرف الآخر يريد تغيير ذلك، حَيثُ أبلغ الرئيس المبعوث أن “العدوّ يريد أن تكتمل الهُدنة بدون أن يحصل المواطن اليمني فيها على أي فائدة، أَو يخفف عنه أي عباء، وهذا غير مقبول”.
هذه التأكيداتُ توضح الحجمَ الحقيقي للهُدنة بالنسبة لأهدافها وبنودها، وهو ما يعني أن على المبعوث الأممي عدم الاكتفاء بـ”وهم” سريان الاتّفاق، والتغافل عن تطبيقه على أرض الواقع.
وبرغم أن “غروندبرغ” قد سمع هذا التحذير بأكثر من صيغة منذ إعلان الهُدنة، ولم يكترث له، واستمر بالتواطؤ الواضح مع تحالف العدوان في مسعى تجاهل البنود الصريحة، وإساءة تأويلها، جَدَّدَ الرئيسُ المشاط وَضْعَ خارطة العمل الرئيسية لإنجاحِ الهُدنة أمام الرجل، مؤكّـداً على: “ضرورة وصول السفن إلى موانئ الحديدة دون ابتزاز وقرصنة وحجز ينافي بنود الاتّفاق، وتحديد جدول للرحلات الجوية المقرّرة خلال فترة الهُدنة بشكل كامل وأن يلتزم تحالف العدوان بتنفيذ كافة البنود”.
معنى هذا أن بنودَ الهُدنة واضحة تماماً، ولم تتم الموافقةُ عليها إلا بعد مناقشتها، وبالتالي لا توجدُ مبرّراتٌ لإبقائها معلَّقَةً ووضعِها قيدَ الأخذ والرد، بل إن ذلك يعني تنصلاً واضحًا من جانب العدوّ، وتواطؤاً صريحاً من جانب الأمم المتحدة التي ذكرها رئيس مجلس النواب خلال اللقاء أَيْـضاً بصمتها الفاضح إزاء الخروقات العسكرية التي وصلت إلى أجواء العاصمة صنعاء بدون أن يكون هناك موقف أممي تجاهها.
وبعبارة أُخرى: المشكلة الرئيسية التي تواجه اتّفاق الهُدنة هي سلوك تحالف العدوان والأمم المتحدة، وليس “غموض” الاتّفاق، أَو افتقاره إلى التفاصيل، وخُصُوصاً فيما يتعلق بمطار صنعاء وميناء الحديدة.
والوضعُ لا يختلفُ كَثيراً فيما يتعلق بملف الطرق المغلقة والذي سلّم رئيس اللجنة العسكرية اللواء يحيى الرزامي للرئيس المشاط تقريراً تفصيلياً عن المفاوضات التي جرت بشأنه، وعن المبادرات التي قدمتها اللجنة لتنفيذ المقترحات الأممية المتعلقة به، ومن ضمنها مبادرة فتح طريق “الشريجة – كرش – الراهدة” وطريق “الزيلعي -الصريمي -أبعر” وطريق “الدفاع الجوي- الخمسين – الستين” في محافظة تعز.
الرزامي أكّـد أن الجانبَ الوطني مستعد لتنفيذ ما هو أكبر من ذلك لتخفيف معاناة المواطنين في هذا الملف، فقط إذَا توفرت الجدية لدى الطرف الآخر الذي ما زال يتعنت ويحاول فرض شروط يزعم أنها من الاتّفاق وليست منه، وبالتالي فالمشكلة هنا أَيْـضاً محصورة في سلوك العدوّ، وفي تعامي الأمم المتحدة عن نصوص ومضمون الاتّفاق وتشجيعها لمساعي الالتفاف عليه والخروج عنه.
وفيما يتعلق بمِلف المرتبات، والذي تصدّر المشهدَ كمعيار رئيسي لنجاح الهُدنة أَو فشلها بعد إعلان التمديد، أوضح الرئيس المشاط للمبعوثِ الأممي أن طريقةَ معالجة هذا المِلف هي “ممارسةُ الضغط على الطرف الآخر لتوريد كافة الموارد من الثروات النفطية والغازية والرسوم الجمركية والضريبية إلى حساب المرتبات”؛ لأَنَّ صنعاء قد التزمت مسبقًا بتوريد عائدات ميناء الحديدة (التي صنع منها العدوّ ذريعة وهمية لقطع المرتبات).
والحقيقة أن إعادةَ طرح هذا الاتّفاق على طاولة الهُدنة يمثّل تذكيراً بأن العوائق التي يواجهها المِلف الإنساني كانت دائماً ناتجة عن سلوك تحالف العدوان والأمم المتحدة وانعدام رغبتهما في الوصول إلى حلول حقيقة؛ لأَنَّ صرف المرتبات من الإيرادات المشتركة كان ضمن التزامات اتّفاق السويد التي تنصلت دول العدوان عنها بشكل صريح وبتواطؤ أممي معلن، ما يعني أن محاولة المراوغة في هذا الملف لن تكون جديدة ولن تكون نتيجتها سوى إثبات عدم جدوى الهُدنة وعدم رغبة الأمم المتحدة في تغيير أجندتها.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، جدد وكيل البنك المركزي للعمليات المصرفية المحلية، علي الشماحي، التأكيد على استعداد صنعاء للمضي في تنفيذ هذا الاتّفاق إذَا رفع الطرف الآخر يده عن إيرادات النفط والغاز والموانئ.
وَأَضَـافَ أنه “يمكن إنشاء صندوق مؤقت للإيرادات ويحدّد نسب مشاركة كُـلّ طرف فيه لتغطية صرف مرتبات موظفي الدولة”.
وفيما يحاولُ تحالف العدوان صَرْفَ النظر تماماً عن إيرادات النفط والغاز وتركيز الانتباه على إيرادات ميناء الحديدة فقط، كشف وزير المالية رشيد أبو لحوم أن “مبيعات النفط الخام التي ينهبها العدوّ في الوقت الراهن تقدر بـ 300 مليون دولار شهريا وهذه العائدات تغطي فاتورة المرتبات ليس لهذا العام بل لثلاثة أعوام قادمة”.
وَأَضَـافَ أن صنعاء لا زالت ملتزمة بتوريد كافة إيرادات ميناء الحديدة إلى الحساب الخاص بالمرتبات، وفقاً لاتّفاق السويد، مُشيراً إلى أن هذه الإيرادات تستخدم لصرف نصف راتب لموظفي الدول بشكل متقطع؛ لأَنَّ الطرفَ الآخرَ تنصَّلَ عن تغطية فجوة استحقاق الراتب.
في المحصلة يتضح أن كُـلَّ مِلفات التهدئة الإنسانية -من مطار صنعاء إلى ميناء الحديدة إلى فتح الطرق إلى المرتبات- تصطدمُ بعوائقَ صنعها طرفٌ واحدٌ فقط، هو تحالفُ العدوان الذي يُصِرُّ على استخدام هذه المِلفات كأوراق ضغط للحصول على مكاسبَ سياسية وعسكرية؛ نتيجةَ فشله في الميدان، وبدلاً عن أن تمارِسَ الأمم المتحدة دورها المفترض لإزالة هذه العراقيل، تقوم بتبني وجهات نظر دول العدوان وأجندتها التفاوضية، الأمر الذي يعني أن كُـلَّ التصريحات “المتفائلة” بنجاح الهُدنة بعيدة تماماً عن الواقع والتجربة، وتحتاج إلى كثير من العمل لدعمها، وخُصُوصاً من جانب الأمم المتحدة التي بات واضحًا أنها تستخدمُ حتى “التفاؤُلَ” لمساندة دول العدوان!