دورُ الإعلام الوطني في مرحلة الهُدنة؟ بقلم د/ حبيب الرميمة
دعونا نتفِقْ أولاً أن إعلامَنا الوطني بمختلفِ وسائله الإعلامية وخلال السبع السنوات من العدوان استطاع أن يجاريَ إلى حَــدٍّ كبير الأحداث، ويكشفُ زيفَ المطابخ الإعلامية الإقليمية والدولية، قياساً بالفارق الهائل بينهما، بحيث رسّخ في نفوس الكثير من أبناء الشعب -سواءً داخل المناطق المحرّرة أَو في المحافظات والمناطق المحتلّة من بلدنا- مخاطر ومخطّطات العدوان.. وهذا نابعٌ أَسَاساً من صدق وعدالة ومظلومية القضية الوطنية التي يحملها.
لكن ينبغي على إعلامنا الوطني أن يستفيدَ من كُـلّ التجارب السابقة، سواءً سلباً أم إيجاباً، وذلك بتجاوز السلبيات والبناء على الإيجابيات؟
من الملاحظات التي يجبُ أخذُها بعين الاعتبار أن الإعلام الوطني إلى الآن لا يزالُ إعلاماً دفاعياً غالبًا ما ينساق إلى مربعات هي من صنع العدوّ، بل وقد يستخدمُ بعضُ الألفاظ والمصطلحات التي يريد العدوّ تكريسها.
على سبيل المثال مصطلح (الحصار لبعض المحافظات) ينجرُّ البعضُ إلى هذا المصطلح ويناقشون على ضوئه الفكرةَ دون إدراك بمدلول المصطلح، لذلك كانت رسالة السيد قائد الثورة -حفظه الله- في خطابه الذي القاه مؤخّراً بحضور مشايخ وأعيان تعز واضحًا في خلق مفهوم موجّه لما يراد العدوّ تكريسه من مصطلحات بقوله (نحن من نُحاصر لا من نحاصر).
وهذا القول السديد هو ما يتفق ومفهوم الحصار وفقاً لقواعد القانون الدولي، وَالمنظور السياسي والإعلامي.
فالحصارُ هو إطباقُ الخصم على كافة المنافذ بحيث لا يستطيعُ الأفراد أَو السلع الأَسَاسية الدخول إلى الدولة أَو المنطقة المحاصرة أَو الخروج منها إلا بعد إذنه أَو موافقته، (بغض النظر إن كان حصاره مشروعاً أم مخالفاً).
وهذا المفهوم لا ينطبق على أية منطقة من مناطق اليمن، ومع ذلك وللأسف الشديد نجد من يردّده في إعلامنا الوطني بدون فهم كاف، هذا من حَيثُ المصطلح.
من حَيثُ المكان، يريدُ تحالف العدوان ومرتزِقته عرقلةَ الهُدنة -التي تمثل بحد ذاتها انتصاراً كَبيراً لليمن في وجه العدوان- من خلال اختلاق بعض المفاهيم التي تعزز المناطقية وتبُثُّ السم في أبناء الجسد الواحد، من خلال التركيز على منطقة بعينها انها (محاصرة) كما هو المشهد في تعز.
في تكريس للمناطقية والتهرب من الاستحقاقات التي ينبغي تنفيذُها بموجب بنود الهُدنة بتوحيد العملة ودفع مرتبات الموظفين في كافة أنحاء الجمهورية بما يخفف من معاناة الموظفين والمواطنين، هذا من ناحية، وليصرف النظر عن المعاناة التي يعيشها سكان المحافظات الأُخرى مثل مأرب والضالع وأبين وَالبيضاء وشبوة.. والمشقة التي يلاقونها؛ بسَببِ عدم فتح الطرقات.
ومع ذلك يتناسى الكثير من إعلامنا الوطني التركيز على هذه القضايا وينساق بدون قصد إلى التركيز ومناقشة قضية ومنطقة بعينها دوناً عن إيضاحه للرأي العام مخطّط العدوان ومرتزِقته بالتهرب من تلك القضايا سابقة الذكر.
فالموظف سواء داخل المناطق المحرّرة أم بالمناطق التي يحتلها العدوان بدلاً عن أن ينجرَّ إلى مربع إعلام العدوان، ويبقى يتلقى النقاشَ والفعلَ والردَّ المضاد، في دائرة مغلقة هل مدينة ما محاصرة أم لا؟ سيحمل النقمة على من يثير هذه الاشكالات لو أدرك أن القصد هو محاولة مرتزِقة العدوان عرقلة الهُدنة لتأخير صرف مرتبه الذي يعتبر هو من أكبر ضحايا حصار دول العدوان؛ بسَببِ قطع المرتبات.
وسيدرك أن دولَ العدوان تهدفُ من خلال افتعال الإشكالات الصغيرة التهرب من تنفيذ تلك الاستحقاقات التي ستمثل انفراجه على كُـلّ أبناء الشعب اليمني.
الخلاصةُ المطلوبُ من الإعلام الوطني أثناء الهُدنة اتِّخاذ مساراً جديدًا في مواجهة أساليب العدوان، وكشف مخطّطاتهم من خلال إيجاد سياسية إعلامية موحدة ومستقلة لا تقوم على الانسياق وراء الفكرة التي يسعى العدوّ إلى ترويجها، بل تقوم على كشف مخطّط العدوّ، وقراءة ما ورائها، واتِّخاذ الخطوات الكفيلة التي تحبطها، بل وتزيد من نقمة الشعب تجاههم، بما يتناسب والمرحلة التي نعيشها.
في مرحلة قبل الهُدنة كان فضحُ الإعلام الوطني لارتكاب دول العدوان ومرتزِقتهم للمجازر بحق الأطفال والنساء بعملٍ موثقٍ هو بالأَسَاس عملاً تشخيصياً من السهولة إقناع المشاهد بوحشيتهم والنقمة منهم.
في وقت الهُدنة أساليب العدوّ ستتغير في قلب الحقائق، ولبس الحق بالباطل، وهي بطبيعتها تحتاج إلى أساليبَ مماثلة أكثر تخطيطاً وتنظيماً لمواجهتها وكشفها؛ باعتبَار أنها لا تعتمد على الوسائل التشخيصية البسيطة كالكاميرا لفضحها وانما تعتمد على أساليب أشد تنسيقاً وتعقيداً.
وهو ما يحتاجُ من وجهة نظرنا إلى إعادة النظر في العمل الإعلامي -كما أسلفنا سابقاً-وبما يتناسبُ مع طبيعة المرحلة.