اقرعوا بابَ الكريم بقلوبٍ طاهرة وأرواح نقية .. بقلم/ جهاد اليماني
نمُرُّ خلال هذه الفترة بأيام مختلفة، لم نشهد مثلها من قبل، فالأجواء مغبرة، والأشجار شاحبة، والأرض ميتة هامدة
لقد تعودنا في مثل هذا الموسم من كُـلّ عام أن تنزل السماء بركاتها، وأن تجود الأرض بخيراتها، فيراها الناظر مترعة بالخير مفعمة بالجمال نابضة بالحياة.
وفي غفلةٍ وسهوٍ ونكرانٍ نتفيأ ظلال هذه الرعاية الإلهية والمنح الربانية، غير مستشعرين عظمة هذه النعم وجلالها وها هي السماء في هذا العام تُمسكُ قطرها وتمنع غيثها بأمر ربها، وبتنا نتطلع إليها، باحثين عن نتفٍ من السحب!! وكم نبتهج كلما التفت وتجمعت، وكم تغشانا السكينة كلما خيّمت وتراكمت، وكم تنبض القلوب فرحاً كلما جلل صوت الرعد، هكذا صرنا في ترقبٍ وانتظار لرحمة الله ولطفه وكرمه.
ومع الشدة والجدب يتحدث الجميع عن الذنوب؛ كون هذه مسببةً لتلك، يقول تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}16 [سورة الجن].
ولكن ينبغي أن لا يتركز اهتمامنا وحديثنا عن كبائر الذنوب فقط، كالقتل، الظلم، الجرائم الأخلاقية، العقوق، التعدي على الحقوق، تأييد العدوان، أَو الوقوف من جرائمه ومنكراته موقف الحياد!
وغير ذلك من المهلكات والعياذ بالله، بل يتعين التركيز أَيْـضاً على تلك الذنوب التي قد نراها هينة، دون أن ندرك أن الاستهانة بالذنب أشد من الذنب، وكما ورد في الأثر: (لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت).
وبالتالي ينبغي على كُـلّ فرد منا أن يستشعر في أعماقه أنه هو بعينه سبب هذا القحط، وأن ذنوبه وسيئاته هي التي حبست قطر السماء!
فهذا الاستشعار خطوة ضرورية ومُلحة، حتى نعمل على إصلاح أنفسنا قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}11 [ الرعد].
أيضا على كُـلّ فرد منا أن يستعرض ملفاته وصحائف أعماله بعين الناقد البصير، قال تعالى:{بَلِ الإنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}41 [القيامة]، وَأن يسلك بقلبه وجوارحه نهج الاستقامة، في ظل حربٍ ناعمة، وفضاء مفتوح، وفي ظل مواقع التواصل، التي باتت وكراً ومرتعاً للشيطان، بما توفره من أسباب الخلوة المحرمة!
وعلى هذا الأَسَاس يتحتم على جميع مستخدمي هذه الوسائل، أن يستشعروا رقابة الله عليهم، وأن يضعوه نصب أعينهم، فيما يسمعون، ويشاهدون وينشرون، ومع من يتواصلون!
وهنا نضع علامة استفهام كبيرة وخطاً أحمر تحت سؤال ومع من يتواصلون؟!
وفي هذه النقطة بالذات أخص الفتيات بهذه الكلمات وأقول: عليك عزيزتي الفتاة أن تتعاملي مع هذه المواقع بخوفٍ وحرص، تماماً كما تتعاملين مع أسطوانة الغاز! فأي خطأ في التعامل مع الأسطوانة، قد يجعلها تنفجر في وجهك وتحرقك أنت ومن تحبين!! وعليك حين تنتقلين بين هذه المواقع، أن تكوني كمن يمر بين أسلاك كهربائية مكشوفة، قد تصعقه في أية لحظة!! وكمن يمر في قمة جبل وأية التفاتة يميناً أَو شمالاً، قد تهوي به في مكان سحيق وبهذا الحرص وبهذه المسؤولية امضِ في دروب الحياة كلها، نقيةً عفيفةً طاهرةً، محاطةً بسياجِ التقوى وسور العفاف، فالحياة قصيرة، والدروب شائكة، والخطر كبير، والعاقبة وخيمة قال تعالى: (أفَمَن يُلْقى في النّارِ خَيْرٌ أمْ مَن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ القِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ٤٠ [ الزمر].
مما لا شك فيه أننا إذَا عملنا على إصلاح أنفسنا وعدنا إلى الله بتوجّـه صادقٍ وتوبةٍ نصوح، سيرضى عنا، وسيرفع غضبه وسخطه ونقمته.
وما أعظم خروج اليمنيين لصلاة الاستسقاء وما أجمل أن يتكرّر هذا الخروج، وأن يترافق مع الصلاة الأعمال الصالحة المخلصة، فلعل الله بهذه الشدة يريد منا دوام الالتجَاء إليه قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}94 [ الأعراف].
والتضرع في اللغة العربية يعني: التذلل والابتهال والإلحاح وَالتقرب مع اللف والدوران.
وحول رحمة الله ولطفه وعطفه سنظل نلف وندور، ونبتهل بتذللٍ وانكسار، بقلوبٍ طاهرةٍ وأرواح نقيةٍ ونفوسٍ زاكية بعد أن خلعنا معطف الذنوب وأزحنا ستار الغفلة، وغسلنا أرواحنا وقلوبنا بدموع الندم والحسرة.
سأل أحدهم: إذَا قرعت باب الله بكلتا يدي هل سيفتح لي؟ فأتاه الجواب: بشرط أن تكونا طاهرتين! نسأل الله العظيم الكريم بفضل الصلاة على محمد وآله، أن يرفع عنا مقته وسخطه وغضبه، وأن يشملنا بعفوه ولطفه ورحمته، وأن يغيثنا الغيث الهنيء المدرار، النافع غير الضار إنه سميعٌ قريبٌ مجيب، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.