الدُّريهمي.. ثباتٌ حتَّى النَّصر (2) .. بقلم/ رويدا البعداني
لليوم الرَّابع على التَّوالي يشتدُ الحصار على مدينةِ الدُّريهمي، وتغدو الحياة فيها شِبه منعدمة -قاب قوسين أَو أدنى- في خضم ضَّرب جوي تسانده المدفعيات والدبابات من قبل العدوّ ومرتزِقته، علاوة على الرصد الدقيق الذي تُسجله طائرتهم المسيَّرة.
يستديم القصف لساعات وتحلق طائرات العدوّ بين الحين والآخر، ويوماً بعد يوم تستعر ساحة المواجهة بين الثلة القليلة المؤمنة بقضيتها ومظلوميتها والجمع الغفير الظالم المعتدي؛ ولأن النّصر ليس بالقوة الشيطانية وإنما بالتأييد والمعية الربانية لم يتحقّق للعدو ما كان يطمح إليه.
وفي ظِل الحصار الخانق للمدينة من كُـلّ الجهات انقطعت المشتقات النِّفطية، وتفاقم أعداد المرضى والجرحى نظرًا لنفاد الأدوية وديمومة القصف للمراكز الصحية، ومن هُنا تعكر صفو المدينة، وخيم الشجن أروقتها، وللنجاة من هذه الأزمة كان لا بُـدَّ من إنشاء مكان جديد لاستقبال الجرحى والمرضى، ولكن العدوّ ما لبث أن استهدفه، لم يكنُ الهدف الرئيس للعدو قصف المجاهدين وإخراجهم من المدينة، بل سُكان الدُّريهمي وكلّ ما دب على هذه الأرض كان من ضمن الاستهداف الممنهج له، فالمراكز الصحية والمنازل والمستشفيات تم قصفها بالكامل ولم يكتفوا بذلك، بل استفحل العداء في أنفسهم فهرعوا لهدم بيت الله.
السَّاعةُ الثانيةُ ليلًا إلا عشرين رشقة استيقظ المتبقون من أبناء الدُّريهمي على أصوات البوارج وسطو الحريق المتصاعد من أفواه المنازل التي تعرضت للقصف، ورغم دهامة الليل الذي غشي المدينة المتشحة بردائها القاتم استطاع اللهب أن يكشف للعالم قباحة الفعل ودناءة فاعله، وما أن انبلج فجرُ الدُّريهمي وشعشع ضوؤه إلا وتجلى الجُرم بأبشع صوره، فعلى الأرض الخاوية من مقومات العيش، ثكالى وأيتام ومعطوبي حياة، وعلى الضفة الأُخرى أم تجهش بالبكاء تُنادي “يا قاصم الجبارين لا تبقِ من الظالمين دياراً” وأُخرى تحضن طفلها المشلول من الحياة طوراً، وطوراً تلملمُ رفات زوجها الذي تهاوت أجزاؤه أرضاً، وثمة صوت قادم من جهة مجهولة ينادي بصوت أجش “اسعفونا بالأدوية” ويتوعد المنافقين قائلاً “سأشتكي إلى الله”، أية عاقبة هذه يا آل سلول؟!
بعد مرور أربعين يوماً من الحصار ابتكر المجاهدون طرق جمة لإدخَال المدد إلى مدينة الدريهمي وذلك بالطيران المسيَّر الذي بإمْكَانه أن يحمل ما لا يقل عن وزن كيلو، وتم بفضل الله رفد المجاهدين والسكان ببعض الأدوية، ولكن العدوّ عاد بزحفه معتمداً على تكرار الهجوم حتى يفتك بالطرف الآخر ويوهن عزيمته، فعمد إلى قصف المؤونات وخزانات المياه فغدت المدينة خالية من الغذاء والماء فلاقى الغالبية حتفه خَاصَّة الأطفال والكهول، ولكن المعاناة وصلت للقيادة وكالعادة تم ابتكار آلية جديدة لإيصال المدد وهي إرسال المواد الغذائية بالصواريخ، فبفضل الله أرسل المجاهدون ما يقارب ألفين وخمسمئة صاروخ محملةً بالمواد الغذائية المتنوعة للمجاهدين والمواطنين.