الاستعمارُ الجديدُ.. بين التاريخِ الأسود وبريقِ التنمية .. بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني
إنَّ التنميةَ المبنيةَ على الخُدَعِ والحِيَلِ والأكاذيب، التي تبناها وروَّج لها المستعمر؛ مِن أجلِ فرضِ سيطرته، وتكريسِ هيمنته ووجوده، على الشعوب المستضعفة، قد تم تقديمها على أَسَاس أن المستعمر هو فعل الضرورة، الذي لا تستقيم حياة تلك الشعوب إلا به، على جميع المستويات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، نظراً لما يمنحه تمركزه السلطوي، ومركزيته السياسية، من أحقية الحضور في المحافل الدولية، والتمثيل الدبلوماسي الفعال – القائم على معيار التفوق العسكري، والترسانة النووية – في عملية الوصاية على شعوب العالم الثالث، وإعادة رسم الجغرافيا السياسية، وصياغة مستقبل المنطقة.
وفقا لمبدأ تقاسم المصالح والثروات والنفوذ، بين أنياب ومخالب تلك القوى الكبرى، سواء في صورتها الاستعمارية الفجَّة، ممثلة بالاحتلال العسكري المباشر، أَو في صورتها التسلطية الحداثية، المنمقة بمسميات الحقوق، وأقنعة الحريات، ومظلة الشعارات الإنسانية المثالية، ممثلة في بطريركية الأمم المتحدة، وأبوية مجلس الأمن الدولي، الذي لا يمثل سوى هيمنة المركزية الإمبريالية، وتسلط واستبداد قوى الأمس الاستعمارية، التي عادت اليوم، لتمارس ذات الدور الاستعماري، من وراء قناع المسميات المثالية، وبريق الخطب والشعارات، وعن موقف ذلك المجلس المشئوم، يقول السيد القائد: “مجلس الأمن كان في الأغلب، يقف مع الجلاد ضد الضحية، مجلس الأمن لا يعرف أن يجتمع، إلا حينما يرى القوى الشريرة والخطرة والمتآمرة والأيادي الإجرامية، في حالة خطر، يجتمع ليتخذ موقفا مساندا لها، متى اجتمع مجلس الأمن ليساند الشعوب المستضعفة؟ ماذا عمل مجلس الأمن لأخوتنا وأعزائنا في فلسطين، على مدى كُـلّ هذه العشرات من الأعوام؟ ما الذي فعل أي شعب مظلوم في العالم؟ هل تحَرّك تحَرّكًا جادًّا، مجلس الأمن هو يخضع في الأَسَاس للقوى الدولية، المعروفة أنها هي من تقود الشر في العالم، من تقود هذه المؤامرات على شعوبنا؟ فكيف يمكن أن يكون من يؤمل منه أن يحل مشكلتنا، أَو يسعى إلى دفع هذا الشر عنا، هو يرعى هذه الأخطار وهذه المؤامرات، ويصبغها بصبغة دولية، ليغطي على تلك القوى الدولية، حتى لا تبرز وهي مكشوفة أمام العالم، فيما ترتكبه من جرائم”.
(السيد القائد – فعاليات ومهرجانات – تدشين التعبئة العامة – ٢٢/ ٣/ ٢٠١٥م).
لكن ذلك البريق، وتلك الأقنعة والمسميات، قد عجزت عن مواراة سوءة ذلك القبح الاستعماري القديم، المتجدد في نموذج الهيمنة المتعالي، وصيغة الاستعمار الحضاري، وطبيعة الإرهاب المنظم، الذي يفرض أبوية القوة (الأمم المتحدة)، ومركزية الهيمنة (مجلس الأمن)، على جميع دول وشعوب العالم، التي يجب أن تقدم قرابين الطاعة والولاء، لآلهة القوة الإمبريالية، التي لم تستطع أسماؤها المنمقة، وأقنعتها المحسنة، إخفاء طبيعتها التسلطية القمعية، وأطماعها الاستعمارية التوسعية، وعقليتها اللصوصية، القائمة على ثنائية السرقة والعبث، في تعاملها مع ثروات ومقدرات، وإرث وثقافة وحضارة الشعوب الأُخرى.
وكل ما يميز استعمار اليوم، هو أنه استطاع إيجاد غطاء لجرائم الإبادة الجماعية، وحروبه الظالمة العدوانية، تحت مظلة الشرعية الدولية، واستطاع فرض مركزيته الإمبريالية، وأناه المتعالية الاستبدادية، من خلال تفرده بامتلاك حق الفيتو، الذي يمنح الصوت الواحد، حق نقض قرارات/ أصوات ما يسمى المجتمع الدولي جميعاً، لتسقط أصوات الإجماع الدولي –جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن– عند أقدام الفيتو الأمريكي، ومن في مستواه من الدول الاستعمارية الخمس الكبرى، حسب توجيهات اليهود، الذين يحركونهم من وراء حجاب، ليصبح مجلس الأمن، عبارة عن عصابة المستعمرين القدامى، الذين يشهد تاريخهم الأسود، على حقيقة التنمية والحضارة، التي يعدون بها، وفي هذا السياق يقول السيد القائد حفظه الله ورعاه: “آتِ إلى مجلس الأمن: أبرز الدول الأَسَاسية التي لها أعضاء دائمون في مجلس الأمن، هي ما يعبَّر عنه بالدول الكبرى، يعني: ذات النفوذ الأوسع في الأرض، في العالم، في الواقع البشري، من حَيثُ قدرتها العسكرية، ومكانتها السياسية، وكذلك إمْكَاناتها الاقتصادية، بنفوذها الواسع، بثقلها السياسي والاقتصادي، بقدرتها العسكرية، تصبح ذات نفوذ كبير في الساحة العالمية، يأتي في الترتيب لهذه الدول: رقم واحد أمريكا، ماذا تنتظر من أمريكا؟! أن تقيم العدل، وهي منبع الظلم، منبع الشر، منبع الإجرام! تأتي لتنتظر الأمريكي ليقنع بقية أعضاء مجلس الأمن، يقنع البريطاني، يأتي البريطاني الذي كان المستعمر ما قبل الأمريكي، وورث عنه الأمريكي دور الاستعمار للشعوب، والاضطهاد للمستضعفين، والتآمر على الشعوب المستضعفة: السيطرة عليها، ونهب ثرواتها، والتلعُّب بأوضاعها، تأتي إليهم: إلى الأمريكي والبريطاني، ومن مع الأمريكي والبريطاني ليقيموا عدلًا هنا!.”.
(السيد القائد – دروس من وحي عاشوراء – ١٤٤٠هـ – الدرس الثالث – النهضة الحسينية ٣).