تردّي مرتزِقة التحالف وهوانُهم .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
ما حدث خلال زمن العدوان على اليمن لم يكن له مثيل مطلقاً، رئيس دولة يظل في عاصمة دولة تغزو بلاده فيباركُ فعلَها، وحكومةٌ تتوزَّعُها العواصمُ والبارات لا تُحسِنُ سوى التقاسم وتكديس الأموال وصرف المستحقات بالعملة الصعبة وهي تدعي السيطرة على 70 % من الجغرافيا الوطنية لكنها عاجزة عن القيام بمهامها الوظيفية في تلك الجغرافيا، بل بالأصح لا تستطيع المكوث إلا إذَا توفرت لها حماية من دول العدوان الذين يبسطون نفوذهم على الأرض ويتحكمون بمقدراتها ومن الغرائب أن يخرج رئيسها مندّداً وشاجباً ومديناً أي عمل وطني يهدف للتحرّر ورفض الوَصاية في ظاهرة ينكرها المنطق السليم، وتنكرها القيم والمبادئ، وينكرها الفكر السياسي القديم والمعاصر، وتنكرها قبل ذاك وذا الفطرة السليمة والدين القويم.
نحن اليوم أمام ظاهرة سياسية جديدة التعامل معها يتطلّبُ نقداً مكثّـفاً حتى لا تتكرّرَ وتجدف ضد تيار القيم والمبادئ والفطرة؛ لأَنَّها ستترك أثراً مدمّـراً على المستقبل وعلى الحياة وعلى التصورات الذهنية، فالذي حدث خلال العقد الماضي كان تدميراً وفوضى غير مبرّرة، حين سقطت الايديولوجيا سقط النظام العام والطبيعي، فالربيع لم يكن ربيعاً بل كان حالة تدمير، هدف المستعمر من خلالها إلى تعويم المصطلحات وبالتالي الوصول إلى مرحلة التيه والضياع التي تشكل بيئة مناسبة تساعده على تحقيق مآربه وأطماعه في السيطرة على مصادر الطاقة والمنافذ وطرق الملاحة الدولية، فالعدوّ الجديد يرى أن السيطرة على مصادر الطاقة يجعل الحكوماتِ خاضعةً، والسيطرة على المنافذ البحرية وطرق الملاحة وعلى الغذاء يجعل الشعوب خاضعة وقابلة لوجوده، لذلك يكثّـف نشاطه في هذا الاتّجاه حتى لا يبقي ضميراً حياً، ولا صوتاً مقاوماً ورصاصة قادرة على مقارعته.
ويبدو أن هذه السياسة فشلت في اليمن، فهو يحاصر اليمن في الغذاء والدواء ويعمق من الأزمات الاقتصادية، ويتحكم في مصادر الطاقة، ويشدّد في إغلاق الموانئ والمطارات آملاً في الخضوع لكن ظل اليمن على مدى سبع سنوات ونيف صامداً مقاوماً قادراً على المقاومة وكلما زاد العدوّ صلفاً وجبناً زاد الشعب اليمني صموداً ومقاومة حتى كاد أن يجن، نلمس ذلك من خلال الأثر في الواقع الذي لم يستثن طفلاً ولا بيتاً ولا عجوزاً طاعنة في السن ولا سوقاً أَو حياً، فالجنون للطيران لم يكن إلا تعبيراً عن فشل مريع وقاتل للكبرياء، في مقابل التريث والصبر والضربات الموجعة التي نفذها رجال الله سواء كان ذلك في الجبهات أم في العمق السعوديّ والإماراتي فقد ظهر الجيش واللجان الشعبيّة كقوة قاهرة وغير قابلة للتدجين تمارس عملياتها العسكرية في روية القادر والواثق والمنتصر.
تغيّرت المعادلة في المنطقة العربية برمتها وكان ظِلالُها واضحًا في عملية سيف القدس في فلسطين، وظهر أثرها السياسي في لبنان وسوريا، وترك الأثر حالة من الهستيريا والقلق على الكيان الصهيوني وقد عبر عن ذلك معظم المفكرين والمحللين السياسيين الصهاينة بل وقادة الكيان الصهيوني من العسكريين والسياسيين، كما أن الأثر المترتب على الصمود اليمني ترك أثراً إيجابياً على ملف التفاوض الإيراني النووي، إذ أصبحت إيران تفاوض اليوم من موقع القوة لا الضعف كما كان الحال عليه في اتّفاق لوزان عام 2015م الذي سارع الأمريكان إلى التنصل منه كي يعيدوه إلى مربع الصفر بغباء من ترامب ورُبَّ ضارة نافعة، كما يقال، فاتّفاق لوزان كان مجحفاً بحق إيران لكن إيران قبلته وبعد ما خرجت أمريكا منه عام 2018م وعاد إلى طاولة الحوار في عهد بايدن فرضت إيران خارطة طريق أوسع من ذي قبل إلى درجة إعلان أمريكا عن طريق خارجيتها إمْكَانية الوصول إلى اتّفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، فالمعادلة تغيرت لصالح قوة جديدة بدأت تفرض وجوداً مؤثراً على المسار العام الدولي والإقليمي.
وبالرغم من هذا التبدل في المعادلة الدولية نجد تيار المرتزِقة اليمنيين في سكرتهم يعمهون، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فصحوة الضمير لم تيقظهم من سباتهم، بل نراهم يزدادون تمادياً وغياً، في مقابل تناقصهم وخروجهم من المعادلة العسكرية والسياسية الوطنية، فهم يفرحون بالصغائر اليوم ويرونها من الكبائر وفي ذلك تردي قيمي وأخلاقي وهوان كبير لم يسبقهم إليه أحد من العالمين.