أسرارُ الحرب على اليمن (1).. بقلم/أمة الملك قوارة
أن تكون منطقة جغرافية ذات موقع استراتيجي متميز يطل على بحرين البحر العربي والمحيط الهندي من الجنوب، والبحر الأحمر من جهة الغرب إضافة إلى الجزر المختلفة والتي يمكن أن تكون محطة استراحة للسفن التجارية، الأشد أهميّة من ذلك سيطرة تلك المنطقة الجغرافية على مضيق باب المندب الذي يتحكم في الخطوط البحرية بين قارتي أسيا وأفريقيا ويشمل التأثير على قارات العالم ويمكن من خلاله أَيْـضاً التأثير على قناة السويس، ومن هنا تبرز الأهميّة العظمى لهذه الدولة ذات الموقع المتميز وهذا ما سيجعل أية قوى عالمية معاصرة تطمع في الحصول عليها أَو حتى في استثمار مميزاتها، خُصُوصاً إن لقت ثغرات يمكنها بواسطتها بث سمومها ليتم من خلالها سهولة توظيف أهدافها.
إذن هنا المحدّدات الجغرافية والاقتصادية بالغة الأهميّة، أما عقائديًا فهذه الدولة تحوي طوائف دينية لها توجّـهاتها، وتمتلك إيمَـاناً راسخاً بأهميّة الحرية في إنشاء حياة كريمة، ولم تكن لترضَ بأي احتلال فكري أَو سياسي من قِبل الأعداء يضمن تحقيقاً شكليًّا لبعض متطلباتها وهي بذلك تمتلك وعياً كاملاً ومعرفة حقيقية بخطط الأعداء وأهدافهم في سبيل السيطرة على مجريات الأحداث بل والقرارات المصيرية للدولة، إلا أنه لا يوجد سياج مادي قوي يمكن أن تتمتع به تلك الدولة كي يقيَها من أن تكون لقمة سائغة لمن أراد الوصول إليها فلا قوة عسكرية تحميها وهذا ما فكر به البعض!
وحدث أن تكون دولتنا بكراً بمحتواها الخام، ولم يحدث أن استغل باطنها سوى بالشيء البسيط الذي لا يذكر مقارنة بما تحتوي من ثروات نفطية ومشتقات ومعادن مختلفة إضافة إلى الثروات السمكية والموانئ الذي إذَا تم تفعيلها تفعيلاً صحيحاً فستكون عائداتها كبيرة، أَيْـضاً احتوائها على جبالٍ بركانية ذات تربة خصبة وأراضٍ زراعية شاسعة تؤهل اليمن لأن تكون سلة شبه الجزيرة العربية الغذائية، وتمتلك أيادِيَ عاملةً، لكنها رفدت بها شعوب المنطقة وكان بالإمْكَان توظيفهم لتحقيق ثورة في جميع المجالات محقّقة نهضة كبرى!!،
إن هناك من تعمّد إضعاف تلك الدولة وإعمائها عن ما تمتلكه وما يمكن أن يجعلها دولة قوية مستفيدة من مميزاتها وثرواتها وموظفة للأيْدي العاملة التي تمتلكها غير مرمية بهم في مستنقع البطالة والهجرة!
والسؤال يطرح نفسه لماذا لم تلقِ الدولة آنذاك أي اهتمام لتوظيف الثروات والمميزات المختلفة بما يخدم الشعب ويحقّق نهضة اقتصادية وحضارية للدولة رغم وجود المقومات التي تعين على ذلك؟!
الإجَابَة واضحة فلقد تم استئجار موانئ أثناء فترة حكم صالح منه لتقوم بعملها لكن لصالح دول أُخرى، وتم أَيْـضاً توريد أموال طائلة إلى حسابات أعضاء في الحكومة في بنوك مختلفة في العالم وبقيت اليمن تعاني من تدهور الأوضاع وقد تم إرضاء صوت الشعب المتذمر وإسكاته بالفتات، لكنه شعب زهود رضيَ بالقليل وسكت، إنها السياسات التي كانت قائمة على أوجّها لتمهد استعمار اليمن بعد إضعافه وتجويعه وإنهاكه! ثم يأتي في ما بعد حسن استغلال تخلفه وضعفه، وبما أنها برزت ثورات شبابية كثورة 2011 إلا أنهم استطاعوا التأثير على الممثلين السياسيين لها وتم شراؤهم واستغلالهم واستغلت الثورة بأكملها لتحقيق مآرب أُخرى ولتمزيق أوصال الوطن، ولعل مشروع الأقاليم وهيكلة الجيش كانا أبرز مثالين على ذلك.
مُهد الطريق بعد ثورة 2011 لبسط النفوذ الاستعمارية بطرقٍ وأساليب مختلفة، لكن ما لم يكن في الحسبان أن تظهر ثورة أُخرى والتي من المفترض أنه قد تم استئصال جذورها وإزالة شأفتها، ظهرت الثورة بدافع منع الجرعة لكنها كانت تعلم جيِّدًا ما حدث قبل الجرعة وما سيحدث بعدها وجرم المشاريع الاستعمارية القائمة، وحيث تمخض الحوار الوطني عدة قرارات وطنية من شأنها الحفاظ على السيادة اليمنية وتحقيق التطور والرخاء لكنها في الأَسَاس لامتصاص غضب الشعب وإزالة الاحتقانات الناتجة عن الثورة وعدم تحقيق المطالب لا غير، فبرزت ثورة 21 سبتمبر لتعيد الأمور إلى نصبها ولتفتح الأعين على حقيقية الخطط القائمة ولتظهر الوعي الحقيقي للشعب، وهذا ما جعل أمريكا تتخذ قرار الحرب العسكرية مسيرة أدواتها للقيام بالواجب مجازفة بدماء شعب بأكمله، ورغم أنه قرار غير منطقي حين تضع دولة عظمى نفسها في موقف كهذا وتشن حرباً على دولة ضعيفة لا تمتلك أية مقومات مقابل ما تمتلكه هي بسطوتها وقوتها، لكن كُـلّ ذلك كان نتيجة الفشل السياسي وظهور الوعي الشعبي في اليمن، وهذا ما دفع بهم إلى الحرب العسكرية المباشرة الناتجة عن غضب حقيقي، وهنا هل هدف الحرب هي طائفة بحد ذاتها تمتلك معتقدات معينة؟
لا، فالهدف ما وراء ذلك. إن الهدف دولة تمتلك ثروات كبيرة وهي لا زالت بكراً بمحتوها الخام، وإنما جعلت تلك الطائفة هي الواجهة والأَسَاس لشن الحرب عليها؛ لأَنَّها الحاجز الذي سيمنع أية دولة استعمارية من تنفيذ مخطّطاتها في أرض الوطن وذلك بما تمتلكه من وعي فكان لا بُـدَّ من استئصالها لتنفيذ أهدافهم رغم معرفتهم أن الوعي في حركة مُستمرّة من المد والتمدد لكنهم ظلوا مراهنين على ذلك، ولعلّ الهدف الأسمى لهم الآن هو أن تنقسم اليمن إلى دولتين جنوبية وشمالية كخروج مشرف من الحرب والاستغلال في الجنوب قائم للحظة!! فهل سيتحقّق ما يريدون أم أن الوعي سيصل إلى الجنوب ليكبح آخر محاولاتهم؟!