الأمين القُطري المساعد لحزب البعث الاشتراكي وزير الثروة السمكية محمد الزبيري في حوار لصحيفة “المسيرة”: صنعاء بعد 8 أعوام من العدوان لن تقبل أي ضغط وأصبحت قوة ذات تأثير على المستويين الإقليمي والدولي
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي
قال الرئيسُ الدوري لأحزاب اللقاء المشترك الأمين القطري المساعد القائم بأعمال حزب البعث ووزير الثروة السمكية بحكومة صنعاء، محمد الزبيري: إن السعوديّةَ أخفقت في عدوانها على اليمن ووضعت نفسها في مأزِقٍ لا مخرج منه.
وتحدث الزبيري في حوار خاص لصحيفة “المسيرة” عن الوضع السياسي لليمن في ظل “الهُدنة” وفي خضم العدوان والحصار والتجاذبات الدولية، حَيثُ ترفع وتخفض حالة التوتر والصراع القائم اليوم مع تكشف الأوراق ومطامع التحالف والقوى التي تُسّيره.
إلى نص الحوار:
– بداية.. نحن اليوم في ظل “هُدنة” هامشية بعد عدوان أمريكي سعوديّ استمر على بلادنا طيلة سبع سنوات مضت.. كيف تنظرون إلى وضع ونتائج هذه الهُدنة؟
الهُدنة -وفقاً لتعريفها العسكري- هي عمليةٌ تستهدفُ بالدجة الأولى الجوانبَ الإنسانية، كتبادُلِ الأسرى ورفعِ الجرحى، وإدخَالِ الغذاء لمنطقة النزاع، وليست إيقافاً للحرب والعدوان، ومع هذا فقد وافق المجلسُ السياسي الأعلى على “الهُدنة”؛ استجابةً لقوله تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)؛ وذلك لإقامة الحجّـة واشترط فتح المطار وميناء الحديدة ووقف إطلاق النار؛ بغرض نقل الجرحى لمعالجتهم بالخارج وتسهيل عودة المغتربين والطلبة والسماح للسفن المحتجزة والمحملة بالمواد البترولية والغازية والغذائية بالوصول إلى ميناء الحديدة للتخفيف من معاناة المواطنين من أثرِ الحِصارِ الاقتصادي الجائر، وَمع ذلك لم يلتزم تحالفُ العدوان لا بالهُدنة في مرحلتها الأولى ولا بالثانية إلا بشكل جزئي ومزاجي واستمر بالخروقات واحتجاز السفن وتقنين الرحلات والتحكم في أسماء المسافرين وتعرُّضهم للمضايقات في المطارات وزيادة الأعباء المالية عليهم.. ولذا فَـإنَّ المؤشراتِ توضحُ أن ما تسعى إليه دولُ العدوان شيءٌ آخرُ لا علاقةَ له بالسلام.
– تقصد أن دولَ العدوان تتخذُ من “الهُدنة” كنوعٍ من التكتيك؟
تماماً، فالعدوانُ يسعى إلى تحقيقِ أهدافٍ تكتيكية يمكنُ تلخيصُها كالآتي:
أولاً: إعادة التموضع في الجبهات العسكرية والسياسية ولململة صفوفها وشتاتها لتكون جاهزة لمعركة قادمة.
ثانياً: تأمين منشآتها الاقتصادية بوسائل وأساليب أُخرى بعد الضربات الدقيقة التي وجهها الجيش واللجان الشعبيّة.
ثالثاً: نتيجةً للصراع الدولي وتأثيراته على سوق النفط، تسعى دول العدوان إلى هُدنة تتمكّن من خلالها من تأمين تدفق النفط والغاز السعوديّ والخليجي واليمني إلى دول التحالف لتعويض النقص الحالي في السوق الدولية ومنشآتها الحيوية.
رابعاً: محاولة استغلال الهُدنه بمعركة هدفها تفكيك الجبهة الداخلية من خلال بث الشائعات وإثارة الخلافات الاجتماعية والقبلية واستهداف مراكز القوى ذات التأثير بالاغتيالات.
ووفقاً لهذه الصورة فَـإنَّ تحالف العدوان ينظر للهُدنة من زاوية مصالحه وتحقيق أهدافه ويعتقد أنه بها سيحقّق انتصاراً ليخرج بماء وجهه، ولم يدرك بأن الذي انتزع النصر العسكري والسياسي والاقتصادي قادر على مواجهة كُـلّ الاحتمالات بقدرات عالية وإصرار شديد وهو الأمر الذي يجعل من الهُدنة شكلاً هشاً، وأمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانصياع لمبادرة المجلس السياسي والسيد العلم المنطلقة من الثوابت الوطنية أَو هي الحرب ومواجهة العدوان.
وما أود القول هنا إن الانتصاراتِ التي حقّقها أبطالُ الجيش واللجان الشعبيّة قد ألحقت بالمرتزِقة وتحالفهم هزيمةً شنعاءَ تطلبت منهم -وفقاً للاستراتيجيات العسكرية- إعادة ترتيب أولوياتهم وقياداتهم وأُسلُـوبهم كخيار استراتيجي لهم، حَيثُ بدأت من إعادة تشكيل مجلس قيادة للأطراف العسكرية متعددة الولاءات والمتواجدة في مواقع عسكرية مختلفة، وكانت تأمل بتوحيد الجبهة العسكرية والسياسية لكنها أحيت صراعات المصالح ودفعت للتخندق والتصفيات، وهي أَيْـضاً بهذا الإجراء قد أسقطت ما كانت تسميه “شرعية” وألغت المبرّرَ الذي كانت تتحجج به بالسعي لعودة الشرعية، مما يجعل العدوان غير شرعي، ويثبت شرعية اليمن ونظام صنعاء بحقهم في الدفاع عن أنفسهم، والمطالبة بالتعويض لكل ما ارتكبه العدوان، كما أنه أسقط الطرفَ المفاوِضَ ليصبح محصوراً بين التحالف وبين المجلس السياسي.
– من مصلحة العدوان بهذه الفوضى التي تعيشُها فصائلُه وما لحق به في عمليات كسر الحصار أن يمدّد الهُدنة وأن يتلاعبَ بها بنفس الوقت أملاً في ضرب جبهة الداخل؟
نعم، كان وما زال يضغطُ بكل الاتّجاهات للقبول بالهُدنة لكنَّ هناك أهدافاً أُخرى حاولت تأليبَ الشارع على حكومة الإنقاذ والسعي لبَثِّ الشائعات بأبعادها الخطيرة التي تخلّف الإحباطَ والاضطرابَ، ويفترض أن تكون هناك غرفةُ عمليات مقابلة ترد على الشائعات وتقود معركة مقابلة وقد استخدمت في حروب كثيرة في العالم.
– تحدثتم عن سقوط مبرّرات تحالف العدوان بعودة ما كان يسمى “شرعية”.. ألا يمثل نموذج مصير هادى درساً لما بعده؟ ألا يفترض أن يكون كذلك للمرتزِق العليمي ومن قد يأتي بعده؟
الذي يبيع الوطن لا يبحَثُ عنه، والذي يرتهن للخارج يكون قد باع ضميره، وتنكر لانتمائه، ولا أعتقد مطلقاً أن يكون لديه أي إحساس بالمسؤولية ما دام يتلقى توجيهاتِه من الخارج وينفذ مشروعاً فيه ضرر للوطن والمواطن.
ولو كان يشعُرُ بالمسؤولية لَمَا قَبِلَ بالموقع، خَاصَّة وأن الحقائق تؤكّـدُ استخدامَه لفترة محدودة، ثم يُستغنى عنه، ودليل ذلك كما أشرت ما حدث للخائن هادي، فقد أقيل من موقعه وأصبح في خبر كان ولم يُعرف إلى الآن أين يكون؟ وهي رسالةٌ لكل من يبيع الوطن.
– المناطقُ المحتلّة تعيشُ اليوم فوضى أمنية، منها اغتيالات وَتفجيرات، جوع، انقطاع خدمات، ونهب ثروات.. كيف تقرؤون ما يحدث في تلك المناطق، حَيثُ موارد الدولة الحقيقية؟
ما يحدُثُ في المحافظات الجنوبية والشرقية هو مخطّطٌ دولي تقودُه السعوديّة والإمارات يستهدفُ تفتيتَ اليمن وتجزئته وإضعافه؛ بهَدفِ نهب ثرواته الهائلة والسيطرة على الممر الدولي باب المندب والسواحل الكبيرة واستخدامها في إعادة تموضعهم الدولي، وهناك أهداف لدول إقليمية كالسعوديّة التي عينُها على “الجوف وحضرموت” لتمديد أنابيب نفطها عبر المهرة، ودبي التي عينُها على “شبوة وميناء عدن” الذي بتشغيله يمكن تعطيلُ مركز دبي الاقتصادي.
هذه الأهداف كانت أحد مسببات العدوان والعمل على إيجاد أنظمة هزيلة تتماهى مع هذه الأهداف وترهن قراراتها السيادية للخارج والتفريط باستقلال الوطن وحريته.
– هذه القوى تعتمدُ -كما فعل المحتلّ من قبل- على الفصائل وهي اليوم متعددة الانتماءات والولاءات؟
الصورةُ اليومَ واضحة، فالمحافظاتُ الجنوبية والشرقية يعكسُ شكلها وجود ثمان قوى عسكرية مكونة من السلفيين والدواعش تحمي “مصالحهم” وتقضي على “الجيش”، وقد بدأت هذه المؤامرةُ منذ إعادة هيكلة الجيش والاستغناء عن كثيرٍ من قياداته واستهدافهم في كُـلّ المحافظات والدفع بمن تبقى من الجيش إلى معارك مأرب التي ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، ويؤكّـد ذلك الاستهدافاتُ المتكرّرة للألوية التي تصطفُّ مع العدوان لينشئوا على إثرها ألويةً متعددةَ الولاءات من وقت مبكر تتمركز في المحافظات حسب مصالح الدول، مما جعل بعض المحافظات والجزر تحت الاحتلال وأدواتها من قوى خارجية.
– تتعامَلُ الإماراتُ مع فصيلين بارزين فصيل طارق وفصيل الانتقالي وهذان يُظهِران عِداءً كَبيراً بينهما، حتى قيل إن أبوظبي تدعمُ الفصيلَ الأول أكثر من الآخر؟
الإماراتُ لا تريدُ أن تخسَرَ أحداً، ولكن الذي سيقدم لها الخدمةَ له الأولويةُ في التعامل، وبحسب القضية التي تريدها، فالإمارات لها أهداف تحقّقها عبر الانتقالي فتسخر الإمْكَانيات المادية والعسكرية له وَعند تجاوز حدوده توقفه وكذلك طارق لكنهم بالمفهوم الوطني يخدمون الإمارات ويحقّقون لها أهدافها.
– إلى أين يسير الوضعُ بالمحافظات الجنوبية.. كيف تراه اليوم في ظل كُـلِّ هذه الفوضى؟
الوضعُ سيئٌ رغم سيطرة العدوان على مقاليد الأمور فيها ونهب إيراداتها وثروتها، حَيثُ لا تقدم أدنى الخدمات، لهذا لا يوجد استقرار سياسي ولا اقتصادي وتحكُمُها مليشياتٌ متناحرةٌ شرّدت المواطنين وأضعفت القُدرةَ الشرائية لهم.
– هل أدرك الشعبُ مَن هو عدوه مع انكشاف الأوراق وظهور أهداف وأطماع التحالف والقوى الدولية في ثروات وجغرافية اليمن؟
تؤكّـد المسيراتُ والانتفاضات الشعبيّة أن الحِسَّ الفكري والثقافي قد دفع الناسَ للخروج إلى الشارع معلناً رفضَه لسلطات المليشيات ومطالباً بخروج الاحتلال من المحافظات الجنوبية والشرقية، وقد تأخر خروجُ الشعب إلى اليوم لغيابِ القيادات السياسية التي تملأ الفراغ، ولكن هذا التفاعل وارتفاع الحس الوطني قد جعل الأحزابَ تعودُ للتفاعل وتوجيه الشارع نحو أهدافه الحقيقية.
– كيف نفهمُ دفعَ الإمارات لقواتها إلى حضرموت وإصرارها على السيطرة الكاملة على الجزر اليمنية؟
هناك إعادةُ تموضع دولي وصراع قادم في المحيط الهندي وتسعي دول العدوان البريطاني الأمريكي إلى إعادة تموضعها في الجزر والسواحل اليمنية؛ كونها مفتوحةً وتتحكم بالتجارة العالمية وغيرها والاستحواذ على نفط وغاز السعوديّة والخليج واليمن كداعم لحركته، ولأنه يعرف أن اليمنَ لن تقبل أن تكون أرضَ المعركة قامت بريطانيا بتحريك ملفات السلاطين والدفع للانفصال لتوفير البيئة المناسبة لانطلاق معركتها، وتأتي تحَرّكاتُ السعوديّة بهذه الألوية في محافظة حضرموت وشبوة وغيرهما في إطار تحقيق هذا الهدف.
– كان للرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد تصريحٌ يتحدث فيه عن أولوية خَلاص البلاد من المحتلّ ثم تأتي مسألة الفيدرالية، الكونفدرالية، تقرير المصير فيما بعد.. كيف تنظر إلى رؤية الرجل هذه؟
علي ناصر محمد شخصيةٌ وطنية جامعة، وكلنا في مؤتمر الحوار كنا قد رشّحناه لتولي رئاسة الجمهورية إلا أن العدوان استبق التشكيل الرئاسي بقصف صنعاء.
وأعتقد أن حديثَه بالتركيز على الأولويات وهو طردُ المحتلّ وإيقاف العدوان لتعود اليمن الموحَّدةُ معافاةً يمكن لقواه الوطنية الحوار دون تدخل خارجي وهو رأي صائب وفي نفس الوقت توجيه رسالةٍ لدعاة الانفصال أن الدفاعَ عن اليمن وإخراج العدوان أولوية.
– ما تفسيرُ نزع السعوديّة للعلامات الحدودية وأهدافها ما تزال حاضرةً كما نتحدث عن ضم وإلغاء… أية مفاوضات مع الرياض برأيك وحول ماذا؟
كان السيناريو السعوديّ يقوم على حسم المعركة في خمسة عشر يوماً باعتمادهم على تحالف 17 دولة لكنهم فشلوا في ظل صمود اليمنيين وأثبتت الأيّام والسنون أن من اتخذ القرارَ في العدوان لم يكن يمتلك المقوماتِ الاستراتيجيةَ لمعركته ولم يدرس تاريخَ اليمن ومقاومته للاستعمار فلحقته الهزيمة من السنة الأولى وأدرك الكثير ممن شارك أن مساهمته كانت خاطئة ففضّل الانسحاب بهدوء فيما انكشف مِلَفُّ العدوان ومشروعه واتضحت أهدافه في السيطرة على الجغرافيا ونهب الثروات والتطبيع مع الكيان الغاصب ضمن المشروع الإبراهيمي في المنطقة، وتسعى السعوديّة لتحقيق أهداف وأطماع إقليمية في المهرة ومأرب والجوف وحضرموت، فيما تسعى الإمارات للاستيلاء على ميناء عدنَ وموانئ شبوة وغيرها.
– المشروعُ الأمريكي كقوة دولية والسعوديّ كان ظاهرًا حتى مع مفاوضاتِ موفمبيك في ظل تجاذبات الولاء للقوى الوطنية؟
القوى الوطنيةُ عاشت حالةَ انقسام مع بداية الأحداث، فعلى الرغم من اتّفاقها على مشروعٍ جامِعٍ في مفاوضات موفمبيك برئاسة ابن عمر ممثل الأمم المتحدة ولم يتبق إلا تحديدُ الرئيس إلا أن ابن عمر تم استدعاؤه من السفارة الأمريكية وتم إبلاغُه بعدم رغبة المملكة بهذا الاتّفاق، وأن أمريكا قد اتخذت قراراً بمغادرة السفارة الأمريكية فيما كانت تحضّر المملكة لمؤتمر في الرياض، وهنا انقسمت القوى السياسية، فمنها من وافق وذهب إلى الرياض لحضور المؤتمر فيما الآخر فضّل البقاء في الداخل، ولقد كانت قراءةُ طرف الرياض خاطئة؛ لأَنَّها كانت تعتمد على الطرف الخارجي لإيجاد حَـلٍّ ما لكنهم قد رهنوا قرارهم بالخارج وظل على هذا المنوال ولا يزال رغم الدمار الذي استهدف اليمن والاحتلال لأجزائه وإسقاط ما كانت تدافع عنه ما يسمى “بالشرعية” فيما أحزاب الداخل اصطفت مع أنصار الله وفقاً للثوابت الوطنية في الدفاع عن الوطن وحريته واستقلاله وطرد المحتلّ والعمل على بناء مشروع وطني جامع للمستقبل يحقّق العدل والمساواة وبناء دولة النظام والقانون والحفاظ على السيادة والاستقلال والاستقرار وترسيخ الوحدة الوطنية واليمنية.
نتفق مع الأنصار أن الخروجَ من الوضع القائم هي المبادرة التي طرحها قائدُ الثورة والمجلس السياسي الأعلى.
– بعد فشل تلك المؤامرة التي أرادت تقسيمَ اليمن دون حرب.. تغيّرت حقائقُ كثيرةٌ على الأرض وصارت صنعاء من تفرض شروطها كقوة لا يمكن تجاوزها؟
بعد ثمانية أعوام تغيّرت معادلةُ التوازن العسكري والسياسي وأصبحت صنعاء فعلاً هي من تفرض الشروط، لقد أصبحت صنعاء قوةً ذاتِ تأثيرٍ على المستوى الإقليمي والدولي ولن تقبل بأي ضغط والمؤشرات تؤكّـد على ذلك.
– هذا ما يعني في ظل تمزُّق فصائل العدوان أن السعوديّة كأَسَاسٍ هي الطرفُ الآخرُ بعد أن أسقطت شرعيةَ الهزيل هادي؟
لم يعد هناك طرفٌ آخرُ غيرُ التحالف، فقد سقطت ما يسمى بالشرعية بتغيير هادي وعيّنت السعوديّة أشخاصاً من ثمانية اتّجاهات لا يملكون أيَّ قرار سياسي، فإذاً لا بدَّ ووفقَ مقتضيات الظروف سيكون التفاوض مع من تبقى من التحالف والمبادرة واضحة.