السعوديّة: لهيبٌ أمني في القطيف
المسيرة | وكالات
تعجز مسرحيات الانفتاح والترفيه المُستمرّة في السعوديّة عن التغطية على الجوْر المتواصل في القطيف والأحساء، فالانفصام هو المرض الذي يستوطن المسؤولين في المملكة، فيما ولي العهد إبن سلمان يسعى ويجتهد؛ مِن أجلِ تبييض صفحته وصفحة المؤسّسين أمام الرأي العام الغربي، غير أنه يسقط في امتحان الحقوق الإنسانية.
أواخر يونيو الفائت، شنّت أجهزة الأمن حملة مسعورة في القطيف والأحساء والدمام، فجأة بدون مقدّمات، اعتقلت السيدة سارة العلي من الأحساء، وهي من سكان مدينة الدمام، بعد أن كانت قد اعتقلت عالم الدين الأحسائي الشيخ عبد المجيد بن حجي الأحمد، (من قرية الدالوة) وهو أحد أساتذة الحوزة العلمية، والشابيْن حسين رجب وحسين المطوع والناشط الإعلامي موسى علي الخنيزي (من أهالي القطيف).
بحسب مصادر في المعارضة في الجزيرة العربية، القاسم المشترك في هذه التوقيفات هو النشاط الإعلامي لهذه الأسماء، فكلّ من يحظى بمتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي والمحافل الإعلامية ويحمل توجّـها مُخالفًا لسياسة محمد بن سلمان وحاشيته يُصبح هدفًا.
المصادر تقول: إن “النظام لا يكتفي بمطالبة هؤلاء الفاعلين بالصمت، بل يسعى لأن يُجبرهم على التماهي والذوبان الكامل في رؤية 2030م، الاقتصادية تطبيلًا لولي العهد، ليُعيدوا نشر ما يُصاغ في الديوان الملكي، حتى يتحوّلوا إلى ما يشبه آلية لـ”ريتويت” ما يُغرّده الذباب الإلكتروني على وسائل التواصل”.
وتذكّر المصادر، بأن “الإعلاميَّ موسى علي الخنيزي كان قد اختُطف قبل 20 عاماً من مستشفى الولادة بالدمام عام 1999م، لكن احتجازه اليوم قد يعود لحديثه عن كيفية تغذية كره الطائفة الشيعية عندما كان مخطوفًا، وكلامه عن أهالي القطيف بإيجابية وتعرّضهم للاستهداف والتهميش، ولم يمرّ وقت طويل على إبدائه هذا الرأي حتى وجد نفسه مسجوناً”.
تؤكّـد المصادر أن “المعتقلين الجُدد محرومون حتى هذه اللحظة من التواصل مع ذويهم”، وتشير إلى أنهم “يتشاركون التميّز في المحافل الإعلامية في القطيف، ولأجل ذلك صادرت السلطات جميع ما يملكون من أجهزة اتصال وهواتف وحواسيب”.
الاعتقالات إذَاً واقعة، لكن ما يدعو للتساؤل هو الإفراج عن بعض السجناء السياسيين بحجّـة انتهاء محكوميّاتهم، حَيثُ ترى المصادر في الأمر: “إدانة للنظام وليس مكرمة ملكية، فاعتقال أهل الرأي هو الجريمة التي لا تتوقف تداعياتها”، وتُضيف “ليس لآل سعود بيع منحٍ في شرع الله ولا المواثيق الدولية.. ليس هم من يُعطي الحرية، بل هذه الفعلة تستحقّ الإدانة والمعاقبة.. الشرائع السماوية والوضعية ترى أن حرمان أي إنسان من حقّه في العيش بحرية وسلام تصرّف يستوجب التجريم”.
ولأن النظام لا يُقدم على خطوة “سلام” تجاه المعتقلين السياسيين، تضرب المصادر مثلًا عن إخلاء سبيل الشاب مرتجى قريريص، أصغر معتقل سياسي سُجّل في السعوديّة، وهو شقيق لشهيد (علي قريريص) قتلته السلطات عمدًا بالرصاص الحيّ في 23 ديسمبر 2011م، أثناء مُشاركته في مسيرة سلمية مطلبية في القطيف، وابنٌ لمعتقل سابق (الحاج عبد الله قريريص)، فيما لا يزال شقيقاه الآخران قيد الحجز، أحدهما مهدّد بالإعدام وقطع الرأس في أيّة لحظة.
وتشير المصادر، إلى أن “مرتجى اعتُقل قاصرًا وهو على دراجة هوائية وعُذّب وحكم عليه بالإعدام، إلّا أن محكمة الإرهاب قرّرت لاحقًا تحت الضغوط الدولية تخفيضه إلى السجن 12 عاماً ولاسيّما من جانب البرلمان النمساوي الذي أغلق مركزًا لحوار الأديان السعوديّ بعد هذا الحكم، وكلّ ما تقدّم يعني أن السلطات خفّفت الحكم وأفرجت عنه فقط بفعل الإحراج”.
من وجهة نظر المصادر، فَـإنَّ “حقوق الإنسان في المملكة لدى الرأي العام الغربي ليست أولوية بل شعارات، فرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حطّ في الرياض بعد أَيَّـام قليلة على تنفيذ السلطات السعوديّة مجزرة الإعدامات بحقّ العشرات من أبناء القطيف في مارس 2022م، غير آبهٍ بما حصل، وكذلك الأمر مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي رفع كذبًا شعار مناصرة الحقوق في المملكة، غير أنه سرعان ما تبيّن عكس ذلك، وأنه موجّه للكاميرات فقط”.