أمريكا من تعرقلُ السلامَ في اليمن!..بقلم/ عبدالقوي السباعي
لو تأملنا جيِّدًا للواقع الذي تعيشه الأُمَّــة الإسلامية اليوم، بمختلف قومياتها، وإلى واقع الأخطار والتحديات التي تواجهها في إطار تموضعها على خارطة الصراعات الدولية والإقليمية حتى المحلية، لوجدنا أن التصاعد المُستمرّ لوتيرة الاستهداف المباشر وغير المباشر، وممارسة مختلف مظاهر العنف والغطرسة وشتى أنواع التعالي والاستكبار ضدها، يأتي دائماً من قبل أمريكا زعيمة النظام العالمي القائم.
كما أننا سنلاحظ أن كُـلّ الأدبيات والمناهج والأفكار والتحَرّكات والبرامج الخَاصَّة بأمريكا، تنظر إلى شعوب أمتنا، بنظرةٍ دونية وحقد وكراهية غير مسبوقة، كما وتنظر إلى فكرة “التعايش والمحبة والسلام” معها، مُجَـرّد خدعة وتذكرة عبور، لاستغلالنا والهيمنة علينا ونهب ثرواتنا وخيراتنا، ومصادرة قراراتنا وسيادتنا، في تعاضد وثيق مع تابعيها وأدواتها المحلية من حكام وقيادات وأحزاب وما إلى ذلك، من صنائعها من بني جلدتنا، للأسف الشديد.
لذلك فَـإنَّ أمريكا تنظر إلى فكرة السلام مع شعوبنا أَو حتى تجسيده بين كافة مكونات هذه الشعوب، مُجَـرّد خطوة مستحيلة، وخطراً قد يتهدّد تواجدها الدائم ونفوذها المستمر، إذ يُعدُ هذا السلام من المحظورات في منطقتنا، ما لم يحقّق مصالح وأهداف تعود أَسَاساً بالنفع والفائدة للإدارة الأمريكية ذاتها.
ولا ريب أن أوضح دليل على ذلك، ما نشاهده اليوم في الحالة اليمنية، إذ إن المعضلة الأَسَاسية التي يعاني منها الباحثون عن سوق السلام، في أروقة أمريكا ومنظماتها الدولية، تتمثل في كونهم باتوا معزولين تماماً عن الواقع والمجتمع، وأنت تسمعهم يتحدثون عن اليمن تستغرب حجم الفجوة التي تلازم خطاباتهم وواقع أحوالهم وتحَرّكاتهم، تستغرب أَيْـضاً حين تسمع أحدهم يكتب أَو يحاضر عن ضرورة إنهاء الحرب وسرعة الوصول للسلام الدائم، وكأن الموضوع سيتم بمُجَـرّد الضغط على الزر.
تستغرب فعلاً حين تشاهد هذا الكم الهائل من المنظرين اليمنيين والعرب وعلى شاشات الفضائيات، وهم يبرّرون الحرب والعدوان، ويبرّرون الحصار على الشعب اليمني، ويحاولون بوسائل شتى إقناعنا بأن هذا يصب في مصلحة اليمن أرضاً وشعباً، وقطعاً يتناسون تقاطع المصلحة الأمريكية وحلفائها في هذه البقعة الهامة من العالم، والتي ليست بخافيةٍ على الجميع.
هذا الاستخفاف يوضح حقيقة كم أن هذا الخطاب يعاني من قصور فكري، خطاب متعال ومتعجرف، ولا يمت للواقع بصلة، وإلا فليس هناك يمني شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، يكره السلام أبداً، لولا أن بلانا الله بوجود قوى وشخوص عاشت وتعيش على أوجاع المسحوقين وآهات المظلومين، وتقتات على آلام المكلومين والثكالى، ودموع الأرامل والأيتام، وتبني أرصدتها في البنوك العالمية على حساب معاناة وآمال الناس، فانخرطت في إطار رعاية أمريكية أممية في تحالف عدواني، يتلذذ يوماً تلو آخر في توسيع دوائر المعاناة على الشعب اليمني، ودائماً ما يأتي على النقيض تماماً من السلام فكراً وقولاً وعملاً.
غير أن الجميع بلا استثناء سئم الحرب والحصار، سئم الضياع والشتات، سئم القتل والخراب والدمار، إلا هؤلاء الساسة المنظّرين، والذي من المفارقات العجيبة أن أغلبهم خارج البلاد، وعندهم الجرأة للحديث عن سلام هم لا يعرفون الطريق إليه، ولا يتمنون الوصول إلى تحقيقه أَسَاساً.
صدقوني، لو أن المهتمين بالسلام في اليمن فعلاً لأجابوا بضميرٍ أخلاقي إنساني على السؤال القائل: “لماذا لا تريد أمريكا السلام في اليمن؟”، وهم يرون أساطيلها تجوب الشواطئ اليمنية، وطائراتها وأقمارها الاصطناعية في الأجواء، لكان الوصول إلى السلام المنشود أسهل بكثير من التنظير له، أفضل من تصريحات التنصل ورمي التبعات واتّهام الآخر، وإصدار بيانات التلاعب بالألفاظ والمصطلحات.
لكن في الحقيقة أن لا أحد يريد الإجَابَة على هذا السؤال؛ لأَنَّ الصدق في الإجَابَة عليه يعني أن نسبة انتهاء الحرب والعدوان ستكون كبيرة، وسيقول جميع اليمنيين كلمتهم، وسيعلنون رفضهم لأمريكا وتحالفها الأعرابي المنبطح من رأسه حتى أخمص قدميه، بل إن هذا الأمر يعني انقطاع وظائف مغرية لكثير من القوى والأشخاص والمنظمات والعاملين في هذا الحقل من أمراء الحروب، وسماسرة صفقات السلاح، وتجار وبائعي الأوطان.
إن الوجود الأمريكي المبني أَسَاساً على السطوة والقوة والسلاح، وعلى العنف والإرهاب، والإخضاع والتركيع، وسياسة بناء التحالفات الإقليمية والدولية نحو هذا الاتّجاه، لم يعد خافياً على أحد، وقد شاهدنا العديد من تجاربهم مع بلدان وشعوب مختلفة، وفي أزمنة ليست عنا ببعيدة، والتي تؤكّـد شيئاً واحداً، أن الحديث عن تحقيق السلام أَو التوجّـه الحقيقي لمساعي إحلال السلام، من أمريكا كنظامٍ يؤمن فقط بالقوة والعنف والإخضاع والتركيع سبيلاً لتحقيق أهدافه، مُجَـرّد ثرثرة، وهدراً للوقت ليس إلا.
ولأن ثمة غموض يكتنف ميدان السلام في اليمن، فأطراف الصراع الداخلية والخارجية تريد السلام، وتتحدث عن سعيها؛ مِن أجلِ السلام، وكذا الأطراف الإقليمية والدولية والأممية المتأدلجة والمستقلة النزيهة، أَيْـضاً تصرح بذلك، إذَن من ذا الذي لا يريد السلام في بلادنا؟، من ذا الذي لا يريد أن ينعم الشعب اليمني بالأمن والأمان، وبالرخاء والازدهار والعيش الكريم كبقية الشعوب في هذا العالم؟.
لقد أيقن اليمنيون شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، بأن أمريكا ومنظماتها الأممية هي من تعرقل إنهاء العدوان والحصار، هي من تتجه نحو تعزيز البؤس والمعاناة لكل أبناء الشعب اليمني عُمُـومًا، بل هي من تسعى حتى لعرقلة تابعيها الإقليميين، من إمْكَانية الوصول إلى سلام دائم وحقيقي يوصلهم وبلدانهم إلى بر الأمان، بعد أن تورطوا وغرقوا في مستنقع لا يمكن الخروج منه إلا على نعوش عروشهم، إن تطاول عليهم الأمد، مكابرة واستخفافاً.
وبغض النظر عن كون كثير من المنظّرين لفكرة السلام في اليمن، ينفّذون أجندات خَاصَّة، أَو منحازين لتوجّـهات مشغليهم في عواصم بلدان التحالف، أَو غيرها، إلا أن عليهم أن يدركوا بعد ثمان سنوات من العدوان والدمار والتجويع والحصار، أن الجميع بات يعرف أن أمريكا ومنظماتها وتابعيها هم المعرقل الرئيس للوصول إلى سلام حقيقي، وأصبح الجميع يؤمن أن فكرة السلام لا تأتي إلا بلغة القوة وحوار السلاح، وهي اللغة التي تفهمها أمريكا ونظامها العالمي البائس جيِّدًا، لغة ذاتية القرار والتحَرّك، محلية المنشأ والتوجّـه، بعيدًا عن سلام الشعارات ومنظمات بيع الوهم وتخدير الجماهير.
وهذا الأمر هو ما ينبغي على أصحاب شعارات السلام البراقة، أن يؤمنوا به، فلا أحد يطلب منكم إيقاف الحرب والعدوان، لا أحد يطلب منكم رفع الظلم والمعاناة عن أبناء وطنكم، لا أحد يطلب منكم التمديد لهُدنةٍ كاذبة، عليكم فقط أن تتسقوا مع ضمائركم، مع وطنيتكم ومواطنتكم، وواقع بلادكم وتنحازون فقط للضحايا.
وأن تتحلوا اليوم بقليل من الشجاعة، وأظنكم تمتلكونها، بأن تقفوا مع شعبكم وقيادتكم ومع جيشكم ولجانكم، في فرض الخيارات الرادعة والتعامل المناسب مع جرائم أمريكا وتحالفها الباغي والمعتدي، وكنسها من بلادنا مع كُـلّ أدواتها من عناصر الخيانة والعمالة والارتزاق، وخلاف ذلك، فلن تنعموا بالسلام أبداً.