فَهذا عَليٌ مَولاهُ
مطهر يحيى شرف الدين
جاء الدينُ الإسلامي عظيماً كي ينشِئَ أُمَّـةً قويةً وَعظيمةً لا مجال لقاداتها وزعاماتها أن يكونوا ضعفاءَ أذلاء، كما جاء الدين ليكون منهجاً للحياة بنظامه الشامل والواسع في كافة الجوانب والمجالات التي تتيح للإنسان المسلم وتدفعه لأن يكون في أرقى مستوى معيشي قوةً وأمناً واقتصاداً وتكافلاً.
القرآن الكريم عرض في أوضح آياته وجوب عزة وخيرية الأُمَّــة وعلوها على بقية الأمم ووجوب تحمل المسؤوليات العسكرية والدفاعية ضد أعداء الدين والأمة وتحمُّل المسؤوليات الإنسانية والأخلاقية تجاه الآخرين، كما عرض القرآن الكريم مسائل حياتية واجتماعية نظّم من خلالها أبسط العلاقات والتعاملات بين الناس وبين أفراد الأسرة كاستئذان الأطفال عند دخولهم إلى الأبوين في أوقات معينة وحُسن القول والتواضع في المشي بين الناس ومسائل الحيض والطلاق وذلك بوضوح وبدون أي غموض وغير ذلك الكثير من تلك المسائل التي لا مجال للإسهاب عنها في هذا المقام.
وَإذَا كان القرآن الكريم قد تحدث عن تلك الجوانب الأسرية وَالاجتماعية والسلوكيات الشخصية للإنسان المسلم، فمن الطبيعي وَباب أولى أن يتحدث عن ولاية أمر الأُمَّــة الإسلامية وإدارة شؤونها وما يجب أن تكون عليه من قيادة حكيمة وعلو وعزة ومنعة، ومن المستحيل جِـدًّا أن يترك -سبحانه وتعالى- ورسوله الأُمَّــة دون ذكر أَو تعيين ولاة أمرها وأن يترك أمرها عبثاً بلا منهج تسير عليه في هذه الحياة المليئة أحداثها بالفتن والصراعات والتحديات التي تواجهها الأُمَّــة وقد وصل بها الحال إلى طريقٍ مسدود وأصبحت رهينة للغرب ثقافةً وسيادةً واقتصاداً.
الله سبحانه وتعالى أنعم على عباده بالكثير من النعم وأسمى وأجلّ النعم هي نعمة الهداية، يقول سبحانه في محكم كتابه: “وعلى الله قصد السبيل” في تفسير الآية يقول الإمام زيد -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أي “بيان الهدى”.
ويقول السيد العلامة بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- في التيسير في التفسير أي “الطريق المستقيم الذي يوصل إلى السعادة الدائمة”.
كما أن من تمام النعمة إكمال الدين ودلالة ذلك قوله سبحانه: “اليومَ أكملتُ لكم دينكُم وأتممتُ عليكُم نِعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينا”، ولذلك تلقى النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله من ربه أمر البلاغ بالرسالة قال تعالى: “يا أيها الرسولُ بلِّغ مَا أنزلَ إليكَ مِن رَبك” أخرج بن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله: يا أيها الرسولُ بلِّغ مَا أنزلَ إليكَ مِن رَبك أنّ علياً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته.
وبما أن النبي صلوات الله عليه وآله هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وذلك امتداداً لولاية الله سبحانه وتعالى على عباده وبصفته المتلقي للبلاغ فقد أخذ بيد الإِمَـام عَلِيّ بعد أن صعدا على أقتاب الإبل وأعلن ولايته على المؤمنين من بعده وذلك وفقاً لحديث الولاية الذي ينسجم مع الآية الكريمة “إنَّما وَليكمُ اللهُ ورسُولهُ والذينَ آمنوا الذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ ويؤتُونَ الزكاةَ وهم راكِعون”، ففي الآية والحديث تدرج وتسلسل “الله ثم النبي ثم الإِمَـام عَلِيّ”.
وتأمل أيها القارئ الكريم نص هذا الجانب من الحديث لتدرك عمق الدلالة في: “فَهذا عليٌ مَولاه” يقول الشهيد القائد في هذه العبارة من ملزمة حديث الولاية: “إن من انصرفوا عمن وَجه الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- الإشارة إليه لتعيينه بعد رفع يده وبعد صعوده معه فوق أقتاب الإبل، إنهم للأسف الشديد لا يعرفون ماذا وراء هذا إن كلمة هذا تعني هذا هو اللائق بهذه الأُمَّــة التي يُراد لها أن تكون أُمَّـة عظيمة هذا هو الرجل الذي يليق به أن يكون قائداً وإماماً وهادياً ومعلماً ومرشداً وزعيماً لأمة يراد لها أن تتحمل مسؤولية عظيمة يُنَاطُ بها مهام جَسِيْمة”.
ولذلك تعتبر مسألة الولاية تماماً لنعمة الهداية وَمظهر من مظاهر رحمة الله بعباده لنصلَ في تطبيق مبدأ الإيمَـان بالولاية إلى الخروج من الظلمات إلى النور والهداية والبصيرة.
والولاية تعني تحمُّل للمسؤولية الدينية وللأمانة وللعهد وتعني الاهتمام بمقاصد الدين الإسلامي وغاياته والوقوف في مواجهة الطغيان والعدوان والاستكبار وكل ما يدخل ضمن محور الشر في هذا العالم، وفي تطبيق المبدأ حصانة ضد التضليل والفساد والانحراف والثقافات المغلوطة التي تتبناها قوى الطغيان وعلى رأسها الصهيوأمريكية.
وحتى تبقى الأُمَّــة الإسلامية على الهداية والبصيرة والاستقامة وتكون أُمَّـة عزيزة كريمة تعلو على بقية الأمم بعيدة عن الذل والاستكانة والهوان، كان لا بد لها من اتِّخاذ قيادة حكيمة تسير على النهج القرآني الذي أراده الله لعباده وأن تسير بسيرة النبي صلوات الله عليه وآله وسيرة الإِمَـام عَلِيّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الذي اختاره الله ورسوله ليكون إماماً وهادياً وقائداً للأُمَّـة توفرت فيه صفات الأنبياء والرسل ارتباطاً بالله وثقةً به وأكثر حباً لله ورسوله وأمضى بسالةً وبأساً وشجاعةً وعلماً وحكمةً وعدلاً وفقهاً وقضاءً وكرماً، كيف لا وَالإِمَـام عَلِيّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قد مُنح أوسمةً إلهيه ونبوية في الكثير والكثير من الأحداث والمعارك والغزوات والمواقف والتي كان فيها ركيزة أَسَاسية من ركائز نصرة الدين الإسلامي؟!
فمن منطلق مبدأ الولاية ووظيفتها وغاياتها المتمثلة في الأمر بتعبيد الناس لله وإعلاء كلمة الله وإقامة دين الله حق الإقامة وكذلك إقامة حدود الله والدفاع عن عزة وَكرامة الأُمَّــة الإسلامية تأتي قيمة وأهميّة إحياء هذا الحدث العظيم في نفوسنا ومشاعرنا ومواقفنا لنكون خير أُمَّـة أخرجت للناس.