هذا لا سواه..بقلم/ د. فاطمة بخيت
من رحمةِ الله بعباده أنهُ اصطفى منهم أعلاماً لدينه، ليكونوا امتداداً لولايته على هذه الأرض، وأماناً لمن تمسك بهم من الانحراف والضلال، حتى يمثلوا طريقَهُ القويم وصراطهُ المستقيم، ويجسدوا في واقعهم منهج الله وتوجيهاته.
سُنَّةٌ ثابتة على مدى التاريخ لا تتعلق بعصر معين أَو حقبة زمنية معينة؛ لأَنَّ العدالة الإلهية تأبى أن تترك الناس دون قيادة تقودهم إلى الله، فاصطفى الله حملًة لدينه من أنبيائه ورسله وأوليائه من بعدهم الذين يُعدون امتداداً لخط الهداية الإلهية، لذا ما كان الله سبحانه وتعالى أن يدع هذه الأُمَّــة بعد خاتم أنبيائه ورسله دون وصي ووليَّ يتولى أمر هذه الأُمَّــة، لذا أنزل على نبيه في حجّـة الوداع بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ).
بلاغ مهم بل في غاية الأهميّة، أن جعل رسول الله يستوقف ما يقارب مِئة وعشرين ألفًا من الحجيج في حجّـة الوداع، بلاغ له تأثير كبير في حياة الأُمَّــة، وعلاقة وثيقة بمصيرها وخط سير حياتها، فما كان منه -صلَّى الله عليه وآله وسلم- إلا أن خطب في ذلك الجمع الغفير في غدير خم خطبته الشهيرة، ورفع يد الإِمَـام عَلِيّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عاليًا، وهما على أقتاب الإبل ليراه كُـلّ الناس، ويعلم الجميع بذلك النبأ العظيم، حتى يكون حجّـة عليهم وحتى لا يكون من بينهم من يتعلل بعدم رؤية ذلك المشهد البارز، وليعلم بذلك كُـلّ أبناء هذه الأُمَّــة في مختلف بقاع الأرض، وليبلغهم بولاية الإِمَـام عَلِيّ على الأُمَّــة قائلاً لهم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله).
ومن هو الجدير بولاية أمر هذه الأُمَّــة بعد رسول الله غير الإِمَـام عَلِيّ؟! ليس سواه، لما يحمله من مؤهلات أهلته لأن يصل هذه المنزلة العالية من الله ورسوله (رجل يحب الله ورسوله، ويحبهُ الله ورسوله).
ومن هو جدير أَيْـضاً لأن يكون حاملًا لهذا الدين ومجسداً للقرآن الكريم سواه؟!
(عليٌّ مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عَلَيَّ الحوض).
وقد تجلت بشكل كبير أهميّة ذلك البلاغ عندما أعرضت هذه الأُمَّــة عنه ولم تتمسك به، ولم تتمسك بوصية رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسلم-، وتولت من لم يأمر الله ولا رسوله بتوليهم مع علم من حضر في ذلك اليوم بأهميّة ما يقوله رسول الله، ويعلمون جيِّدًا من هو الإِمَـام عَلِيّ ومنزلته منه، لكنهم تنكروا لما قاله وأعرضوا عنه، لذا انتشر الضلال عندما تولوا من سواه، وحلت ولاية الطاغوت بدلًا عن ولاية الله وولاية أوليائه، ولن تعود للأُمَّـة عزتها وكرامتها واستقلاليتها إلا بتولي الإِمَـام عَلِيّ لا سواه، ومن بعده أعلام الهدى من آل بيته الأطهار.