البلاغُ الخالد..بقلم/ صفاء السلطان
يجتمعُ الناسُ وتُجهَّزُ الساحة، يُنادى بمَن قد ابتعد عن الساحة أن يعودوا أدراجَهم بعد أن رُصَّت أقتابُ الإبل، ليعلِنَ رسولُ الله حينها نبأَ السماء والوصية الخالدة، بعد اجتماع الناس على صعيد واحد وفي وقت الظهيرة وفي حرارة الشمس ينفذ النبي -صلوات الله عليه وآله- وحي السماء بأن يبلغ ما أمر بإعلان وصي الأُمَّــة وولي أمرها الأجدر والأرقى بحمل المسؤولية من بعد رسول الله -صلوات الله عليه وآله-، يتحَرّك الكثير فيما بعد لتهنئة الإِمَـام عَلِيّ، يتناقل الآلاف حديث الولاية ليتحول فيما بعد لأعظم نص تناقلته جميع الكتب السنية أكثر من نظيرتها.
الإِمَـام عَلِيّ مهجة رسول الله وحبيبه ووصيه، علي الطفل الذي احتضنه رسول الله، مضغ الطعام له كان اليد الحانية له، ثم الشاب اليافع التقي النقي الذي يزوجه رسول الله ببضعة روحه، والمجاهد الذي قاسم رسول الله كُـلّ مراحل حياته بجهاده ونضاله ضد الكذب والكاذبين والمنافقين والفاسقين، فكثير من الأحاديث التي ذكرها رسول الله -صلوات الله عليه وآله- في حق الإِمَـام عَلِيّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- تُدلل على قربه الإيمَـاني من رسول الله فهَـا هو يقول عنه: (يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق) ونحن اليوم فيما نواجه من حملات تضليلية نرى الكثير جِـدًّا ممن يبغضون حتى ذكر اسم علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وممن حولوا تأويل حديث الولاية، ليتم أخيرًا تفسيره بأن المقصود منه هو أن يعلن أنه يحب علي والغريب أن يتم التحشيد الكامل وعمل الترتيبات لإعلان الولاية ثم يفسر أن يقول النبي: يا أيها الناس أنا حبيبكم فأحبوا علي!
كما أن رسول الله قد قال فيه: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها) فهو باب مدينة علم الرسول، ومن أعظم ما قدمه الإِمَـام عَلِيّ عهدهُ لمالك الأشتر الذي أثبت فيه أن الدين للمجتمع وأن الدين للدولة وأن الدين يتدخل في أكبر وأصغر أروقة مؤسّسات الدولة نافيًا بذلك كُـلّ نظريات أُولئك الباحثون عن الدساتير من الشرق والغرب الذين يعتقدون بأن الإسلام في أروقة المساجد فقط، بينما الإسلام كافيًا وكاملاً مكتملاً لم يدع أي شيء دون أن يستفيد منه العالمين، فعندما ترك الناس هذا الباب باتوا يتسولون أبواباً أُخرى لا تجدي ولا تنفع، أبواب يطرقونها خوفًا من أن تصيبهم دائرة، فهنالك باب التطبيع والولاء لليهود وبشدة وبكل الوسائل وإن كان على حساب الدين والأعراف والمبادئ، وباب المسخ والتضليل والإفساد، وكثير من الأبواب التي لا تزيد المرء إلا تيهًا وضياعاً.
(هذا عليٌ مولاه) في إشارة عظيمة جاءت بعد تسلسل عظيم (إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين)، حَيثُ يصرح النبي -صلوات الله عليه وآله- أن هذا النبأ لم يكن من تلقاء نفسه بل جاء بوحي وأمر إلهي، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) فهذه الإشارة تعني أن علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- هو امتداد خط الولاية وحبل الله المتين وأحد الثقلين التي لن تضل ولن تضيع بإتباعها والسير على خطاها ونهجها ونهج من هم كأمثال علي في كُـلّ عصر، ففي حديث عظيم لرسول الله مخاطبًا به عمار بن ياسر قائلاً له: (يا عمار إذَا سلك الناس واديًا وسلك علي وادياً فاسلك وادي علي) ليقول بذلك لأمته أن من يسيرون على نهج علي في جهاده وصدقه وإيمَـانه هم من يتحقّق على أيديهم نصر دين الله ومن يحقّق الله على أيديهم الغلبة، مصداقًا لقول الله عز وجل: (ومن يتولَ الله ورسوله والذين ءامنوا فَـإنَّ حزب الله هم الغالبون).
حاجة الأُمَّــة إلى علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في كُـلّ زمان، باتت حاجة الأُمَّــة إلى الولاية الحقيقية للإِمَـام عَلِيّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- حاجة ماسة فالولاية تمثل حصانة لها من الانجرار وراء الهرولة المخزية للحكام العرب وراء ولاية اليهود فما نراه اليوم من عزة ونصر ورباطة جأش لمحبي الإِمَـام عَلِيّ والمتولين له ليس إلا تجليًّا لدعاء رسول الله: (اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) فها نحن نرى أنصار علي في اليمن ولبنان والعراق وإيران الذين يمثلون عصا غليظة كاسرة لظهور أعداءها، بينما في المشهد الآخر نرى الخذلان والخزي لأولياء اليهود كأمثال العليمي الذي لم تقبل أمريكا حتى بإدخَاله من باب قصر الحجاز فنرى بذلك تجلي لقوله (واخذل من خذله).
اليوم نحن أَيْـضاً بحاجة إلى اتباع علي إتباعاً صادقًا لا يشوبه كذبًا ولا رياء ولا نفاق، واتباع من هم امتداد لعلي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فهَـا هو السيد القائد/عبدالملك بدر الدين الحوثي، يلقي علينا كلاماً كالدرر عزيز عليه ما عنتنا، عزيز عليه أن يرى أُمَّـة جده في مستنقع التراجع والتيه المخزي؛ فلكي لا نتلقى هذه الدرر كالبعر علينا أن نعي وأن نفهم أن ولاية الله ممتدة ومُستمرّة حتى بعد استشهاد الإِمَـام عَلِيّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فالولاية الإلهية هي حبله المتين الذي لا ينقطع حتى قيام الساعة، وعلى الجميع بمحاولة تقييم أنفسهم من خلال الدروس والمحاضرات ما لم فلن نكون إلا صفرًا يضاف إلى أصفار كثيرة مَلأت هذا العالم.