شتَّانَ ما بين الثَّرى والثُّريا .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
يمعنُ “الإخوان” في فجور الخصومة، ولذلك يكثّـفون رسم الصورة في مخيلة المجتمع بطرق شتى من الفنون، إذ لا قضية لهم سوى أنصار الله، ولا يكادون يفكرون في غيرهم، عطلوا مشروعهم فأصبح ديدنهم هدم أنصار الله، غابت عنهم كُـلُّ قضايا الوطن من انقسام وتشظ، ومن نهب لثرواته، ومن احتلال لأراضيه، ومن انتهاك للحقوق، والحريات، والأعراض، في الأرض اليمنية المحتلّة، ولا قضية لهم سوى أنصار الله في كُـلّ تفاعلاتهم الفنية والفكرية والأدبية، على مدى شهرَين من الزمان قرأت أربعَ قصائد منسوبة للبردوني، ومقالات منسوبة لبعض الأسماء تتكلم عن الولاية وعن أنصار الله، وشاهدت خلال هذه الفترة عشرات البرامج في مختلف القنوات التابعة لهم تنال من أنصار الله، وأعمال درامية هزيلة تتحدث عن أنصار الله، وعن الخمس، وعن الاستعباد، وعن قضايا هي أقرب إليهم منها إلى أنصار الله.
عرفت “الإخوان” منذ أمد طويل، منذ زمن الدراسة، وعرفت الكثير من رموزهم، ودرست في معاهدهم، وتفاعلت معهم زمن معارضتهم للنظام السابق، وقرأت الكثير من كتبهم، وكان لي بين صفوفهم أصدقاء من الصفين، صف الأعضاء العاملين، وصف المناصرين، وبمُجَـرّد اختلافهم معي أَو اختلافي معهم، أطلقوا عليّ النار -في محاولة تخويف أَو اغتيال لا أعلم– في ضواحي مدينة حجّـة عام 2011م، وصدر عنهم بيان وقتئذ حول الحادث بعد أن تداولته وسائل الإعلام ينفي ضلوعهم في الحادث الذي استهدف المدعو عبدالرحمن مراد، وقالوا المدعو بعد أن كانوا يستغلون اسم عبدالرحمن مراد في معارضتهم كأديب وصاحب رأي مستقل غير منتمٍ إلى أي تيار سياسي، وصحف تلك المرحلة شاهدة على الحال –أي مرحلة 2011م وما قبلها– وقد كتبت عن فكرهم وعن أخلاقهم وثقافتهم وتضمن كتابي “الربيع العربي في اليمن” بعضاً من تلك الكتابات، والثابت الذي لا مراء ولا شك فيه أن “الإخوان” منذ نشأتهم مطلع القرن العشرين إلى يومنا المشهود هم أنفسهم دون أن يتغير في شأنهم شيء سوى حالة التفسخ القيمي والأخلاقي ليس أكثر من ذلك، أما سلوكهم ومبادئهم وأخلاقهم ومواقفهم من الآخر هي نفسها دون تعديل أَو تبديل، فقدرة الإبداع والابتكار لديهم في مستويات العدم، يركبون الكلمات على الألحان منذ عرفتهم دون زيادة أَو قدرة على الإبداع.
ينتقدون التبعيةَ العمياء، وهم أتباعٌ عُمْيٌ دونَ بصيرة، فالموجِّهاتُ لا يمكنهم التفريطُ فيها، وما يقوله رموزُهم مقدَّسٌ، ولو كان يجافي الحقيقة، فالحُجَّـةُ عندهم تقف عند رأي رموز الحزب دون تجاوز، ولو قال ابن حنبل قولاً في مسألة هو الأقرب إلى روح الإسلام ومقاصده، لعملوا على ترجيح قول الزنداني والألباني على كُـلّ رموز المذهب القدامى ولو كان مخالفاً لمقاصد الإسلام.
اشتغلوا ما وسعهم الجهد اشتغالاً مكثّـفاً على المناطق الزيدية منذ مطلع السبعينيات، وحصلوا على الدعم الكامل من قبل رموز الوهَّـابية في المملكة، بعد أن حدث التهجين بين الإخوان والوهَّـابية في ستينيات القرن المنصرم، أثناء هروب الكثير منهم إلى المملكة العربية السعوديّة من مصر، ومن غيرها من البلدان، وكانت المعاهد العلمية هي المشروع الذي نشط في اليمن بدعم سخي من قبل الوهَّـابية؛ بهَدفِ طمس الهُــوِيَّة الثقافية الزيدية من شمال اليمن، وخَاصَّة من منطقة الهضبة وفق تسميتهم، وظل هذا المشروع يشتغل في اليمن إلى مطلع الألفية الجديدة، دون أن يبلغ غايته أَو يحقّق هدفه، بدليل عودة الأمور إلى نصابها بعد ثورة 21 سبتمبر من عام 2014م دون أن يجني “الإخوان” ثمرة من نشاطهم المحموم منذ أربعينيات القرن العشرين إلى اليوم الذي عادت الراية ترفرف في سماء اليمن بثورة الحسين عليه السلام، كثورة تحولية قادرة على صناعة التحولات، وتتجاوز حالة الثبات والتعطيل في حركة التاريخ.
ولولا العدوان المُستمرّ على اليمن منذ 2015م لرأينا تحولاً كبيراً في اليمن، فأنصار الله حركة إحياء وتفاعل وليسوا حركة جامدة، وذلك ما قالته الأيّام، ولذلك فنشاط الإخوان المحموم -الفني، والفكري، والإعلامي- ليس أكثر من تبرير للهزيمة النفسية والاجتماعية والفكرية والثقافية أمام الواقع، وهو طريق دأبوا على السير فيه في مختلف المراحل.
أنصار الله ليسوا أنبياءً ولكنهم قوم يحبون أن يسلكوا طرقَ الحق، وإن حدث من أحد منهم ما يشين تراهم زُرافاتٍ ووحدانًا يصطفون إلى جانب الحق والعدل، وسرعان ما يعودون إلى جادة الصواب في حال كان ملتبساً عليهم، بعكس سواهم من الذين يتظاهرون بالحق وهم أبعد ما يكونون منه.
عرفت أنصار الله منذ أن اندلعت شرارة الحرب الأولى، وتوطدت علاقتي بهم، وعرفت أن الاختلاف معهم يزيدك قرباً منهم، فهم أقرب إلى الحق والمنطق، بل نكاد نتفق على قضايا من حَيثُ الرؤية والواقع، ولا يستنكف أحد منهم من الاعتراف بالحق إذَا ما حاججته بالمنطق والقول السديد، ولذلك أقول: شتان ما بين الثرى والثريا، من حَيثُ المشروع والممارسة والواقع.