الهِجرةُ في الماضي والحاضر.. أهدافٌ ومقاصد .. بقلم/ منصور البكالي
لكل هجرة مقاصد وأهداف تختلف من مرحلة إلى أُخرى، ومن مجتمع لآخر بحسب تغير الأسباب والدوافع، وليست الهجرة تغييراً لمحل الإقامة من مكان لأخر للبحث عن الاستقرار والأمن والهروب من الخطر والبحث عن فرص العيش الكريم، كما تعرف في قواميس اللغة، بل يدخل في تعريفها اليوم التغيير للأفكار الضالة والثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة، والقيم والمبادئ الدخيلة.
كانت الهجرة في الماضي ترتبط بالبحث عن الصيد والهروب من الكوارث الطبيعية كالفيضانات وذوبان الجليد، وانفجار السدود، وبأسباب للإنسان دخل فيها كالصراعات الدينية والحروب الصليبية والمغولية الاستعمارية في العصر القديم.
وبعد أن اكتشف الإنسانُ الزراعةَ بدأت حركة الهجرة تخف وتشكلت تجمعات سكانية على ضفاف الأنهار وأماكن الغيول والمياه الجوفية وفي الأراضي الخصبة ووجود المراعي، وعلى أثر ذلك تشكلت الإمبراطوريات والدول، وبدأت معها الأطماع الاستعمارية تتوسع، فظهرت حقبة جديدة من الاستعمار للشعوب الضعيفة كالاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي وغيره لتقاسم الدول العربية، والإسلامية والقارة الافريقية، لتأتي بعدها حقبة الهيمنة والاستكبار العالمي بقيادة أمريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا، لتتغير الهجرة إلى تهجير تحت مسميات لاجئين ونازحين؛ بهَدفِ المساعي الأمريكية للسيطرة على منابع الثروات النفطية والغازية والممرات البحرية والموانئ والجزر الهامة في العالم.
ويعتمد الغزاة في عصرنا أساليب عدة لتهجير الشعوب الغنية بالثروات النفطية والمياه والأراضي الخصبة، والمواقع الاستراتيجية، ودفعها للهجرة، ويعتبر استهداف النسيج الاجتماعي للشعوب الضعيفة وضربها وتفتيتها، ودعم وتغذية الخلافات والصراعات والحروب بين أطرافها، من أبرز الأساليب ليتمكّن الغزاة من القضاء على مختلف الأطراف وابتلاعها والسيطرة على أراضيها ونهب ثرواتها ومقدراتها وهذا ما هو بارز في الحالة الفلسطينية التي استطاع الكيان الصهيوني بها احتلال الشعب الفلسطيني وتشريده في بعض دول العالم، محاولاً استدامة الصراع بين حركات المقاومة الفلسطينية حماس وفتح إلى اليوم.
أما في الحالة اليمنية فالعدوانُ الأمريكي السعوديّ منذ بدأ العدوان، وبمساعدة الأمم المتحدة ومنظماتها يحاولون الدفع بأبناء شعبنا اليمني نحو التهجير إلى أراضي وأوطان غير أوطانهم أَو قتل وإبادة من صمد منهم بالحرب والحصار، وهو مُستمرّ في ضرب النسيج الاجتماعي وشق العصا بين القوى الوطنية وتقسيمها إلى صنفين صنف منها عميل له وينفذ أجندة تخدم أهدافه، وصنف يتصدى لمخطّطاته ومؤامراته، المستهدفة للأرض والمقدرات والسيادة الوطنية.
ومن الشواهد محاولة المحتلّ استهداف الهُــوِيَّة اليمنية في جزيرة سقطرى، وتهجير أصحاب المحال التجارية المحسوبين على المحافظات اليمنية الحرة وتغيير شبكات الاتصالات فيها وبناء القواعد العسكرية الصهيونية والأمريكية والبريطانية، وكذا توزيع الجنسية الإماراتية وغير ذلك، ليستوطن هو.
أما في المحافظات والمناطق اليمنية الحرة فهجرة الأحرار اليوم صوب الجبهات للجهاد في سبيل الله لا لأية مقاصد دنيوية بل؛ مِن أجلِ الدفاع عن المستضعفين وحماية الوطن من دنس الغزاة الطامعين، وطلباً للفوز بفضل الله والشهادة في سبيله.
وهذه هي هجرة إيمَـانية قرآنية محمدية، تضمن لشعبنا الدفاع عن سيادته وحريته وكرامته واستقلاله، وليست هجرة إلى فنادق الرياض ولا إلى فنادق مصر وأمريكا بل هي هجرة إلى الخنادق المقدسة، المصوبة للبنادق وفوهاتها صوب جماجم الأعداء ومعداتهم وآلياتهم، إنها الهجرة التي يفخر بها المؤمنون الصادقون ويتحلى بها أبناء شعبنا اليمني العظيم الشامخ في وجوه الغزاة والمستعمرين على مر التاريخ.
ويجب أن تنطلق قيم ومبادئ وأهداف الهجرة في عصرنا الحاضر بشكل عام لرفض للهيمنة الصهيوأمريكية في العالم، والتحَرّك العملي لمناهضتها ومواجهة وإفشال مخطّطاتها الاستعمارية، للحفاظ على أمن واستقرار الشعوب وحريتها، ما لم تتحول شعوب الأُمَّــة إلى شعوب مهجرة؛ بسَببِ ممارسات وضغوطات الغزاة والمحتلّين وليس مهاجرة، ولتكون هجرتنا كالهجرة النبوية، ولنكون جديرين بحمل الرسالة التي هاجر بها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- وانطلق بها وتحَرّك؛ مِن أجلِ نشرها وتقديمها كرحمة للعالمين، والحفاظ عليها من كُـلّ المخاطر، ولنكون كما كان هو مقدمين للتضحيات التي لا حدودَ لها في سبيل الله؛ مِن أجلِ ماذا؟؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله وبناء دولة إسلامية تنعم بالأمن والاستقرار، وتمتلك كُـلّ عوامل القوة في وجه أعدائها، فهنا تكمن مضامين الهجرة ومفاهيمها ومقاصدها، حين نتحَرّك لتغيير واقعنا، وننقذ أنفسنا وشعوبنا والبشرية من الطغاة والظالمين.