نصرُ الله منّا أهلَ اليمن .. بقلم/ علي ظافر
استطاع السيد نصر الله بشجاعته وموقفه الصادق والوفي مع اليمن ومظلوميته أن يبني علاقة روحية وجدانية مع الشعب اليمني.
للمرة الثانية، ينفي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله تلقّي أي طلب للوساطة في الحرب على اليمن، قائلاً: “لست وسيطاً، ولكنني طرف”. جاء هذا النفي الأخير في “حوار الأربعين” غسان بن جدو.
وقد أكّـد السيد نصر الله أن حزب الله “طرف مع السيد عبد الملك، ومع الشعب اليمني، وحركة أنصار الله”، وأن الوسيط عادة ما يطلب تنازلات من الطرفين، متسائلاً: “أي تنازل يمكن أن يُطلب من أنصار الله؟”.
وسبق أن وجّه سماحته نصيحة معلنة قبل 4 أشهر إلى الحكام السعوديّين: “لا تراهنوا على التفاوض مع آخرين غير المجلس السياسي اليمني الأعلى وحركة أنصار الله وقائدهم وكبيرهم القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي نصره الله وحفظه”.
وقد خاطبهم قائلاً: “إن اليمنيين هم طرف التفاوض. احكوا معهم، ولا تتوقعوا من الجمهورية الإسلامية في إيران أَو أصدقاء آخرين أن يضغطوا على اليمنيين المظلومين”. ونحن هنا ننقل حرفياً ما قاله السيد نصر الله ليل 11 نيسان/أبريل 2022، أي بعد سريان الهُدنة المعلنة بتسعة أَيَّـام.
جاء ذلك بعد تسريبات تداولها بعض الإعلاميين المحسوبين على محور المقاومة، مفادها أنَّ السعوديّ طلب من الإيراني، على هامش جولات المباحثات الثنائية والاستكشافية في بغداد، التوسط مع أنصار الله، وأنَّ الإيرانيين قالوا للسعوديّين إنَّ عليهم الاستعانة بالسيد نصر الله في هذه المهمة، ليتضح ألا أَسَاس لهذا الكلام مطلقاً، على أن ذلك لا يلغي العلاقة القوية القائمة بين أنصار الله وحزب الله في لبنان، ولا ينفي علاقة اليمن بمحور المقاومة ككل.
ما ينبغي التوقف عنده في التصريح الأخير لقناة الميادين، هو أن السيد نصر الله اعتبر نفسه شريكاً لليمنيين في خياراتهم، ونصيراً لهم في مظلوميتهم، وبالتالي لا تنطبق مواصفات الوسيط عليه، وهو من الناحية الثانية يؤمن بالسقف التفاوضي الذي يرفعه اليمنيون، القائم على 4 مطالب جوهرية، هي: رفع الحصار، ووقف العدوان، وسحب القوات الأجنبية، ومعالجة كُـلّ ملفات الحرب، بما فيها الإعمار والاقتصاد وغيره.
وبالتالي، لا يمكن للسيد نصر الله، وإن طُلبت منه هذه المهمة، أن يطالب أنصار الله بالتنازل عن حقهم الطبيعي والعادل والمحق، والتنازل عن كرامتهم التي بذلوا آلاف الشهداء والتضحيات؛ مِن أجلِ حفظها، كما أن الطريق الوحيد، في نظر السيد نصر الله، هو “التفاوض المباشر مع اليمنيين”.
ثباتُ الموقف
من يتأمَّل خطابات السيد نصر الله وكلماته ولقاءاته يجد أن اليمن بمظلوميته وانتصاراته حاضر بقوة، وهذا مؤشر يعكس اهتمام حزب الله بالملف اليمني، أولاً كموقف والتزام ديني وأخلاقي وسياسي، وثانياً؛ لأَنَّ السيد نصر الله قال صراحة في أحد خطاباته إنَّ “اليمن يمثل إضافة نوعية لمحور المقاومة”؛ باعتبَار ما تمثله حركة أنصار الله من قوة على مستوى العديد والعدة والثقافة والأيديولوجيا والمشروع، ترجمتها عمليًّا في الصمود والمواجهة لقرابة 8 سنوات، مع ما يمثله اليمن من موقع استراتيجي بالغ التأثير في الإقليم والعالم.
بطبيعة الحال، إن موقف حزب الله المناصر لليمن ليس جديدًا، فالموقف كان حاضراً ومعلناً منذ اليوم الثاني للعدوان على اليمن، إذ أكّـد السيد نصر الله بشكل واضح وصريح “أن أعظم خطاب في حياته ومسيرته الجهادية كان الخطاب الذي ألقاه في اليوم الثاني من العدوان على اليمن”.
مثل هذا التصريح شكّل صدمة للصديق قبل العدوّ، حتى ربما في أوساط جمهور المقاومة، فيما فتح الأبواب أمام الضغوط الخارجية، وتحديداً الأميركية والسعوديّة والإماراتية، في فرض القيود التقنية على قناة المنار، بحجبها عن القمر الاصطناعي، وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية على حزب الله ولبنان ككلّ.
هذه العقوبات لم يُستثنَ منها المغتربون اللبنانيون، وخُصُوصاً المنتمين إلى بيئة المقاومة؛ بهَدفِ ثنيها عن موقفها المعلن، وهو ما فشل فيه معسكر العدوان حتى اليوم، مع أنَّ علاقات حزب الله لم تكن بهذا السوء مع السعوديّة والإمارات، وكانت لقاءات ثنائية تعقد بين قيادات في حزب الله وسفراء خليجيين قبل حرب اليمن.
وبالتالي، لم تكن هناك مشكلة عقائدية أَو جذرية مع السعوديّة والإمارات، كما أنَّ العلاقات لم تبنَ يوماً على فكر عقائدي ديني، بل على علاقات سياسية ترتبط بعوامل استراتيجية وسياسية تخدم مصلحة لبنان والمقاومة، وهو ما أعلنه السيد نصر الله سابقًا بوضوح.
نصرُ الله يتربَّعُ على قلوب اليمنيين
استطاع السيد نصر الله بشجاعته وموقفه الصادق والوفي مع اليمن ومظلوميته أن يبني علاقة روحية وجدانية مع الشعب اليمني، وبات يتربع على أفئدة ملايين اليمنيين، باستثناء من شذوا عن القاعدة وآثروا أن يكونوا جُنُوداً في خدمة الغزاة والمحتلّين في مقابل فتات من المال ووعود كاذبة أثبت الواقع مدى زيفها.
وكان السيّد نصر الله يؤمن منذ اليوم الأول للعدوان بأن السعوديّة، رغم ما ألقته من ثقل عسكري في اليمن، ستغرق وستهزم في اليمن، ولن تستطيع أن تحقّق أيّاً من أهدافها، وأن الغلبة ستكون لليمنيين المظلومين الذين حولوا التهديدات إلى فرص.
وردّاً على كثير من المغالطات والمزايدات، قال بصريح العبارة: إن “الانتصارات في اليمن صنعها قادةٌ ومقاتلون يمنيون وعقولٌ يمنية وإيمَـانٌ وحكمةٌ يمانية ونصرٌ إلهيٌّ لليمن”. كان ذلك ردّاً على مزاعم دول العدوان التي لا تعترف بالحقيقة المرة في اليمن، وتذهب نحو ترويج الدعايات عن سلاح إيران ومستشارين من إيران وحزب الله، قفزاً على الحقائق، واستكباراً ورفضاً للاعتراف بقوة اليمن واليمنيين، الذين تمنّى السيد نصر الله أن يكون جندياً معهم تحت راية قائدهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عام 2018.
في الختام، من الظلم أن تختزل مواقف السيد نصر الله بمقال، إذ إن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث معمّق وتحليل دقيق لخطابات السيد نصر الله ومقابلاته على مدى 8 سنوات، لكنّه بكلّ حق وكلّ صدق، ومن دون انتقاص من الأصدقاء الآخرين، أعظم رجل وقف مع اليمن، وأعظم رجل أحبه اليمنيون وعرفوا صدقه وإخلاصه، حتى كأنه من اليمن، وليس من لبنان، ويحب اليمن أكثر من كثير من اليمنيين، وهو بالمناسبة يتحدر من أصول يمنية، كما هو شأن سكان جبل عامل جنوب لبنان (كما يقال).
من أجل ذلك، إنّ السيدَ المعمَّمَ بالنصر مِنَّا أهلَ اليمن، واليمن، كما يعتقد السيد حسن، هو البحر الذي ستغرَقُ فيه دولُ العدوان كما غرق فرعونُ في اليَمِّ. هذه هي النتيجة الحتمية، وهي سنة إلهية لكلّ ظالم عبر التاريخ.