الهجرةُ النبوية دروسٌ وعِبر ..بقلم/ البتول جبران
حينما يكون دافعُ التحَرّك إيمَـانياً؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله وحدَهُ لا سواه، عندها يكون الدين أغلى من الوطن، هذا ما جسدهُ لنا رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما ترك مكة مُهاجراً منها بعد أن دعا قومه ثلاثة عشر عاماً ولم يستجيبوا له، بل كذبوه، وعملوا على إيذائِهِ، ومحاربتهِ بشتَّى الوسائل، عَمِلَ جاهداً ليستجيبوا، ويؤمنوا بالله ولكن لا جدوى، فقرّر الانتقال من بلدهِ، ومكان معيشتهِ مِنذُ الصِغر، إلى مكانٍ آخر لنشر دين الله الذي هو بالنسبةِ له أحب الأعمال إلى قلبهِ.
نستلهم من هجرةِ رسول الله الكثير من الدروس والعبر منها: أنًّ الأنبياء برغم ما وصلوا إليه من كمالٍ إيمَـاني عانوا، وواجهوا المتاعب والمصاعب، وصبروا على كُـلّ ذلك، هكذا هي سنة الحياة، وبعد الصبر تكون البُشرى قال تعالى: {وبشر الصابرين}، فبعد معاناة رسول الله وصبرهِ على أذى قومهِ له، ومفارقته لبلده، جاءت البُشرى بميلادِ الأُمَّــة، وتأسيس كيانها وجاء وعد الله بالنصرِ والفتح الكبير.
نأخذ العبرة من تركِ رسول الله مسقط رأسهِ “مكة” مُهاجراً منها بعيدًا عن التحسُرِ، وألم الفُراق، وأن نجعل لدين الله الأولوية في كُـلّ شيء في حياتنا، حتى وإن تطلّب منَّا ذلك بذل أرواحنا، أَو مُفارقة أوطاننا، فذلك شرف عظيم ولهُ مكانة أعظم عند الله قال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولئك هُمُ الْـمُؤْمِنُونَ حَقًّا لهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.
نتعلم من موقف القبيلتين اليمنيتين الأوس والخزرج (الأنصار) حينما استقبلوا رسول الله والمهاجرين، كيف تكون نفسية الإنسان المؤمن المناصر لدين الله، روحية تحمل حب الإيثار، البذل، العطاء، لا روحية الأخذ، حب الذات، الأنانية، وهذا ما تم تجسيدُهُ في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءوا الدَّارَ وَالْإيمَـان مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
نُرسِخّ في أنفسنا حينما نواجه المصاعب، أَو نتلقَ الأذى من البعضِ ونحن نمضي لإعلاءِ كلمة الله أنَّ ذلك ليس مُبرّراً لابتعادِنا عنهم، ومهاجرتنا وتركنا لأماكننا، بل يجب أن نعمل جاهدين لنشرِ دين الله وإن لم ينفع ذلك بعد الموعظة، وَإلقاءِ الحجّـة، أن نبحث عن مكانٍ آخر لنشرِ دين الله، ومهما عملوا على تثبيطنا، قتلنا، وتشريدنا نتذكر قول الله تعالى لرسوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوْا لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّـهُ، وَاللَّـهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
نستفيد من هجرةِ رسول الله الكثير من الدروس والعبر ولكن لا يسعني الحديث عنها، ولكن من المهمِ أن ننتبه لما يسعَ له أعدائنا من طمسٍ للمبادئ لإبعادنا عن الهُــوِيَّة الإيمَـانية، ومحاربة وتهميش مناسبة ذكرى الهجرة النبوية؛ لأَنَّهم يدركون جيِّدًا أن لهذه المناسبة العظيمة دلالتها، وأنها محطة تعبوية ومعرفية وَتربوية نستفيد منها في جميعِ جوانب حياتنا سواءً العسكرية، الثقافية أَو الاجتماعية.