الهجرةُ النبوية دروسٌ في ترك بلاد الطغاة واستخلاف المؤمنين فيها..بقلم/ إخلاص عبود
بدأ عام هجري جديد وتاريخ عظيم يحمل في طياته الكثير من الفتوحات والبطولات، وكثير من الفواجع والمجازر والجرائم والكربات، تاريخ تعمد المجرمين إهماله وسعوا بكل جهد إلى طمسه وتغيّيبه كما فعلوا بكل الأحداث التي هي مرتبطة بأيامه، التاريخ الذي أهمل لتُهمل أحداثٌ عظيمة كثيرة، وغُيب لتُغَيَّبَ أحداثٌ ستكون أسباباً في وعي المسلمين في خطورة اليهود، طمس بشكل شبه كلي ليتم طمس قيادات عظيمة خوفاً من الارتباط بها؛ لأَنَّ ذلك يشكل نكال الحكومات الظالمة والملوك الفاسدة.
هاجر الرسول -صلوات الله عليه وآله- ليبدأ مرحلة جديدة في مكان آخر غير ذلك المكان الذي أصبح اليهود لهم يدٌ ولسانٌ فيه، ليؤسسَ لدولةٍ قوية عظيمة بعيدًا عن الماكرين والمخادعين بعيدًا عن أجواء الخوف والتربص، إلى أحضان المحبين والمنتظرين والأنصار ليقول لكل من أراد أن يغير في واقع المسلمين إذا لم تسطع أن تغير من المكان الذي أنت فيه فهاجر وسيهيئ الله الأنصار مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْـمَلَائِكَةُ ظَالِـمِي أنفسهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض قَالُوا أَلَـمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} نهاية مخزية، تُبطل كُـلّ أحاديث الصبر على ظلم الحاكم، وتبطل كُـلّ أكاذيب طاعة المجرمين والرضى بالحال المخزي والمهين.
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} في هذه الآية التي هي فقط واحدة من آيات الهجرة في سبيل الله وسبيل إعلاء كلمة الله، الصبر فيها لا يكون على ظلم المجرمين وليس على تحمل فتنة الطاغين، هنا قال جاهدوا وصبروا، صبروا على الجهاد، هاجروا قبل أن يجاهدوا ثم جاهدوا وصبروا وسينالهم رحمة الله وغفرانه، لو كنا فقط نعود للقرآن الكريم في كُـلّ أحاديث علماء البلاط لأبطلناهم ولكنهم سعوا إلى تخدير العقول من التفكر في كتاب الله، والحمد لله على نعمة المسيرة التي هدانا الله بها حتى أصبحنا نفكر ونحلل ونطابق بكتاب الله ونفهم الكثير من الأحداث.
تمت الهجرة رغماً عن اليهود الذين سعوا لقتل الرسول الأعظم -صلوات ربي عليه وعلى آله-، وباعتقادي أن اليهود هم أصحاب الفكرة، وأهل التخطيط والتدبير، وهم من وجَّهوا قريش لذلك التعدي العظيم الذي لو قُتل النبي لا قدر الله لهلكتْ قريش عن بكرة أبيها وهي تعي أن محمداً هو رسول الله، وفي استخلاف الإمام علي درس عظيم وكرم وأمانة مقطوعة النظير، أن يكون لديه أمانات لمن يريدون قتله، ويستخلف أحب الناس إلى قلبه لإرجاع حقوق الناس مستودعاً ذلك البطل الشجاع حفظ الله ورعايته، في درس عظيم جديد أن عليًا -عليه السلام- كان الوحيد الأمين بعد الرسول الأعظم ولو وجد النبي من هو بمستواه لجعله بديلاً عن علي -عليه السلام-.
وفي طريقه دليل على أنه سيكون هناك مهاجرون هاربون فقط، سيخرجون وسنعتقد أنهم مهاجرون في سبيل الله، هم من سيندمون ويحزنون ويظهر حزنهم وخوفهم، وقتها سكينة الله لن تصلهم، وتأييده لن يصلهم ولن تكون كلمة الله العليا على يديهم، وهذا ما حصل فعلاً وتجلّت تلك الحقائق في بدر وأُحُد وخيبر عندما تَصدَر الإمام علي -عليه السلام- المواقف التي جعلت كلمة الله هي العليا، وفي كُـلّ الأحداث العظيمة منها هجرة الرسول الأعظم، الذي فدى بروحه رسول الله ودين الله وقبل ذلك يسأل الرسول –عليه وآله الصلاة والسلام- هل سيكون بذلك أن يسلم رسول الله فيقول نعم، فيذهب لينام في فراش الرسول لا يخاف لينام نومة هنيئةً مرتاحًا بخروج الرسول وسلامته ليسلم دين الله، لا يخاف أن المجرمين سيقتلونه عندما يعلمون أنه علي، دروس الهجرة كثيرة وعظيمة ومنها أن لا نخون أمانات حتى من كان أشدَّ عدوٍّ لنا، في خلق عظيم فاق أخلاق المتشدقين والمرائين.