قبلةُ الأحرار وإمامُ الثائرين..بقلم/ وسام الكبسي
ما أكثرَ ما قيل عن الحرية وكتب عنها، وما أكثرَ المتغنين بها حتى أصبحت شعاراً يردّده الثوار، ويغوص في أعماق معانيها الفلاسفة والأدباء، ومتنفساً لشعراء وحبل نجاة المستضعفين، ويضرب على أوتارها بحذر شديد بعض الساسة إلا أنهم جميعاً يخفقون في نهاية الأمر لإيصال المجتمع إلى الحرية الحقيقية كتربية وأخلاق ثم التزام.
لقد أصبحت الحرية حديث الناس، وصار الجميع يتحدث عنها ويردّدها الآخرون كالببغاوات لا يعرفون معناها وأهميتها، حتى أصبحت سلاحاً ذو حدين تستخدمه أمريكا لتفتيت وتمزيق العالم الإسلامي والعربي، وسقوط يُهدّد به الزعماء والملوك لكي يزدادوا انبطاحاً أكثر ممَـا هو حالهم الآن، فيتحولوا إلى طغاة ومستكبرين أكثر فأكثر نتيجة تقمصهم ثوب الشيطان الأكبر المستكبر والمتغطرس، فكم يعدونا بالحرية ويمنونا بها فلم نلبث كشعوب إلا وقد صرنا عبيداً لعبيدهم ونحن في هذه الوضعية المزرية المخزية يمنون علينا أن أوصلونا بحريتهم إلى هذه الحالة.
وما زاد الطين بلة الوهَّـابية التي جعلت من العبودية لملوكها ديناً وشيئاً شرعه الإسلام وحث عليه بوجوب الطاعة المطلقة للطغاة والمتجبرين المنحلين حتى أخلاقياً، فهل نفهم ونعي ماذا تعني الحرية بالنسبة للعنصر البشري كمخلوق مكرم فضله الله على بقية مخلوقاته وسخر له كُـلّ ما في السموات والأرض لينشد إليه سبحانه لا إلى أحدٍ سواه، وأمره أن يكون عبده وحده حتى يحصل على كامل حريته، وجعل الإنسان مفطوراً على الحرية لا يقبل بالذل ولا بالإهانة والاستعباد، وسنة الله في خلقه ثابته تقتضي العبودية الكاملة والمطلقة والتسليم له في كُـلّ ما يريد هو سبحانه ولهذا الهدف السامي والغاية العظيمة أنزل كتبه وأرسل رسله.
وحينما نعود إلى الحرية كمدرسة ونهج وأُسلُـوب وتطبيق عملي يجسد القول الفعل ويبرهنه الواقع بكل تجلياته وأحداثه دون مواربة أَو شك، نعود إلى الإمام الحسين -عليه السلام- في ثورته الخالدة التي أصبحت قبلة لثوار يستقوا منها أهدافهم ويصممون شعاراتهم من عباراته الخالدة، وصار هو -عليه السلام- قبلة للأحرار الأباة في هذا الكون بجميع مشاربهم وأعراقهم وانتماءاتهم واتّجاهاتهم السياسية والفكرية وغيرها.
الإمام الحسين -عليه السلام- علّم الأُمَّــة معنى الحرية الحقيقية وكان هو النموذج الأرقى في فهمه لها وتفهيمها من خلال القرآن الكريم في آياته العظام أن الإنسان حر عزيز كريم أبي وأن النفس البشرية تأبى الذل والضيم وترفض الاستعباد وتتوق إلى التحرّر وتندفع لمواجهة الظلم والفساد.
إن الطغيان بما يمثله من قوى ظلامية تسعى جاهدة لاستعباد الناس والاستبداد بهم، وحبها للسلطة والتسلط ليس لها سوى خيارات في مسار الحكم لديها إما بالرضوخ والانقياد على أية حال وكيف ما كان أُسلُـوب الحكم فما على الآخرين سوى الرضى والتمجيد حمداً وشكراً لهم ساعدها في ذلك علماء السوء، وأبواق الإعلام اللاعب بوعي الناس فما على المجتمع غير القبول بدون نقاش إما بالذلة والإهانة والفساد أَو بين أن يسجنوا أَو يقتلوا أَو يفنوا وهي خيارات صعبة جِـدًّا لا تقبلها النفوس الكريمة والأبية، فقد صرخ إمام الثائرين وقبلة الأحرار صرخة مدوية ملأت النفوس عزة وإباء: (إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله ونفوس أبية وبطون طهرت ولا نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
لقد حمل بين جنبيه القيم السامية والأخلاق الفاضلة وتشرّبه من صباه منذ كان في حجر الزهراء الطيبة الطاهرة -صلوات الله عليهما-، وتربى على يد جده وأبيه -صلوات ربي عليهم أجمعين-، ونشأ على ربيع القرآن فصار قريناً له من وقت نزوله، فقال وهو يستنشق عبير الحرية ويهديها لنا: (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما).
إنها ثورة وحرية الإمام الحسين -عليه السلام- التي رسخها بدمه ودماء أهل بيته وأطفاله الطاهرين كمنهج لرفض الظلم والاستعباد وإقامة الحق والمساواة التي مكّنت من محور المقاومة في المنطقة وفي مقدمتهم أحرار الشعب اليمني في مواجهة محور الشيطان المتمثّل بأمريكا وأذيالها في العالم والمنطقة بالخصوص، ولن تفلح الحرية المشيطنة المنسجمة إلى حَــدّ التطابق مع ثقافة (يزيد الأموي وقدوته) في قتل النساء والأطفال والعزل في يمن الأنصار، والاستمرار في عدوانهم لأكثر من سبعة أعوام بالإضافة لفرض قوى العدوان الحصار القاتل بكل ما تعنيه الكلمة بمنعهم لدخول الدواء والغذاء والمشتقات النفطية وغيرها، ولو مكّنهم منعنا من الهوى لفعلوها، وما نحن فيه من عزة وإباء ليس إلا امتداداً لحرية وثورة إمام الأحرار الحسين بن علي -صلوات ربي عليهم-، ثقافة قرآنية تحرّرية لا تمحها آلة القمع والظلم والقتل وستستمر عبر الأجيال مسيرة حق وثورة وحرية.