اليمنُ يمتلكُ مقومات زراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والحبوب
خبراء ومحللون اقتصاديون وزراعيون لصحيفة “المسيرة”:
المسيرة – محمد صالح حاتم
يستوردُ اليمنُ أكثرَ من ثلاثة ملايين طن من القمح والدقيق سنوياً، بالإضافة إلى أكثر من ستمِئة ألف طن من الذرة الشامية، وهذه الكميات تكلف الدولة ما يزيد عن مليار دولار سنوياً، وقد تتزايد؛ بسَببِ ارتفاع أسعار الحبوب عالميًّا.
ومع اشتعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا ارتفعت أسعار الحبوب عالميًّا بنسبة تصل إلى ١٠٠ %، وهو ما أثر على أسعارها في اليمن؛ كونها تستورد من هاتين الدولتين ما نسبته 34 % من احتياجاتها.
وأمام هذه الأزمة وجهت القيادة الثورية والسياسية بتكثيف الجهود والتوسع في زراعة القمح والحبوب في اليمن؛ بهَدفِ سد الفجوة من القمح والحبوب.
ويشير وكيل وزارة المالية الدكتور يحيى السقاف، إلى أن اليمن يستورد معظم احتياجاته من القمح والحبوب من الخارج وبما يعادل 90 %، مؤكّـداً أن 30 % من هذه الكميات تأتي من أوكرانيا وروسيا، مُشيراً أن اندلاع الحرب بين هاتين الدولتين زاد من تأثير الوضع، حَيثُ ازدادت أسعار القمح والحبوب عالميًّا، وبنسب كبيرة.
ويؤكّـد السقاف على ضرورة اتِّخاذ حكومة الإنقاذ إجراءات سريعة وعاجلة في تغطية العجز في فاتورة الاستيراد من مادة القمح والحبوب، التي كان يتم استيرادها من أوكرانيا وروسيا والبحث عن بدائل عاجلة لاستيرادها على المدى القصير، مشدّدًا على ضرورة تأمين هذه المواد الأَسَاسية من القمح والحبوب عبر إنتاجها محلياً وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها، مُشيراً لامتلاك اليمن مقومات كبيرة أَسَاسية يعتمد عليها في إنتاج القمح والحبوب.
ويشدّد وكيل وزارة المالية على ضرورة استغلال هذه المقومات عن طريق تسخير جميع الإمْكَانيات المادية والفنية التي لدى الجانب الرسمي والمساهمة المجتمعية، وبمشاركة القطاع الخاص والوصول إلى المراحل الأولى من تحقيق الاكتفاء الذاتي، مُشيراً إلى أن المقومات التي تمتلكها اليمن تتمثل في وجود مساحات شاسعة قابلة للزراعة تقدر بملايين الهكتارات، وكذا التنوع المناخي والجغرافي لليمن من سهول وأودية ومدرجات جبلية زراعية، وكذا الجانب البشري والذي يتوفر بشكل كبير ولديه خبرة زراعية كبيرة، ورأس المال وهو موجود لدى القطاع الخاص، بالإضافة إلى الموارد المائية والتي يجب حصادها بشكل جيد واستغلالها بطرق صحيحة وسليمة، واستخدام الأساليب الفنية الحديثة في الإنتاج.
ضرورة التخلص من الاستعمار الغذائي
من جانبه، يوضح رئيس الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، عبدالله العلفي، أن اليمن يمتلك المقومات الأَسَاسية للاكتفاء الذاتي من الحبوب، فالأرض متوفرة بمساحات كبيرة، والخبرة متوفرة، مؤكّـداً على ضرورة توحيد الجهود الرسمية والمجتمعية، ورسم خطط واضحة المعالم، مبينًا أن المعوق الوحيد هو توفر البذور بكميات كافية، لزراعة كامل المساحات الزراعية، مُشيراً إلى أن هناك جهودا كبيرة لتوفير هذه البذور، عن طريق المزارعين والجهات الزراعية.
ويؤكّـد العلفي أن أزمة الغذاء الحالية قد تكون فرصة للعودة إلى زراعة الأرض بالحبوب والقمح، والتخلص من الاستعمار الغذائي الذي يفرضه علينا دول الاستكبار العالمي.
وفي السياق، يشير عميد كلية الزراعة والأغذية بجامعة إب الدكتور علي مياس، إلى أن محصول القمح والحبوب من أهم المحاصيل الغذائية في العالم ولا سيَّما في اليمن، مؤكّـداً أن الشعب اليمني يعتمد عليه في غذائه اليومي، وأن القمح من أخطر الأسلحة التي تستخدمها قوى الاستكبار العالمي ضد الدول، مُشيراً إلى أن انعدام الأمن الغذائي في اليمن ومنطقة الشرق الأوسط يشكل تحديًا كَبيراً، حَيثُ أوضحت تقديرات الأمم المتحدة قبل جائحة كورونا إلى أن منطقة الشرق الأوسط فيها أكثر من 55 مليون نسمة يعانون من نقص التغذية من إجمالي سكانها 456.7 مليون نسمة، وَحصة اليمن من إجمالي انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم هي 24 مليون نسمة عام 2020، مؤكّـداً أنها نسبة مرتفعة للغاية تشكل نسبة 83 % من إجمالي السكان ويحتاج نسبة 16.2 مليون شخص إلى مساعدات غذائية طارئة وهذا ناتج عن العدوان.
ويوضح أن أهميّة زراعة القمح والحبوب في بلادنا لسد الفجوة الغذائية الكبيرة وتأثيره في الاقتصاد القومي، وأن بلادنا في العقود الماضية كانت تعتمد على استيراد القمح والحبوب من الخارج بكميات كبيرة، مما أَدَّى إلى الخضوع والتبعية.
ويشدّد عميد كلية الزراعة على التوجّـه لزراعة محصول القمح والحبوب، حَيثُ إنها مادة استراتيجية والطريق الوحيد للاستقلال السياسي والهيمنة، مُشيراً أن اليمن تمتلك المقومات الرئيسية لزراعة محصول القمح والحبوب، من خصوبة التربة ذات قوام متوسط جيدة الصرف خالية من الحموضة، ووجود البيئة المناسبة درجة حرارة 20-22 درجة مئوية.
ويقول الدكتور علي مياس: “يتوجب علينا الاستشعار بالمسؤولية حيال هذا الوضع، إذ يتعين علينا أن نتصدى للتحديات الهيكلية التي تضع العراقيل أمام الجهود الرامية من قبل اللجنة الزراعية والسمكية العليا ووزارة الزراعة والمخلصين لوطنهم لتنفيذ توجيهات السيد القائد الرباني المجاهد علم الهدى لتوفير الغذاء لسد الفجوة الغذائية والوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي النباتي والحيواني، لافتاً إلى أن هناك عدةَ تحديات منها التزايد السكاني والذي لا تواكبه زيادة في الرقعة الزراعية وكذا التحديات الأُخرى البيئية وانخفاض منسوب المياه؛ بسَببِ الاستنزاف المفرط لمحاصيل غير استراتيجية وكذا نمو المناطق الحضرية على حساب الأراضي الزراعية، وانعدام الوعي الزراعي والاعتماد على استيراد محصول القمح والحبوب من الخارج، مؤكّـداً أن بلادنا يمكنها استعادة دورها الريادي في الاكتفاء الذاتي من محصول الحبوب والقمح والاحتياجات الغذائية الأُخرى من خلال زيادة الرقعة الزراعية والتي تتمثل في استصلاح الأراضي، وتشجيع الاستثمار الزراعي في مجال الحبوب، بالإضافة إلى توعية المزارعين بأهميّة محصول القمح والحبوب اقتصاديًّا، وَالاهتمام بالتعليم الزراعي وجودة مخرجاته وكذا الاهتمام بالبحوث الزراعية وتشجيع الالتحاق بالتعليم الزراعي والتشجيع على الاعتماد على الموارد الطبيعية، وَتوفير التقنيات الزراعية الحديثة وتحفيز المزارعين على استخدامها.
ويشير عميد كلية الزراعة والأغذية بجامعة إب إلى أن الله -سبحانه وتعالى- وصف أرض بلادنا في محكم كتابه العزيز أرض الجنتين والبلدة الطيبة، وأطلق عليها في كتب التاريخ اليمن السعيد إضافة إلى أن الله منّ على يمن الإيمَـان والحكمة بقيادة ربانية منهجها هدى الله وتنوع مناخي وهطول مطري وأرض خصبة وشعب عزيز كريم يأبى الاستبداد والظلم والهيمنة، مؤكّـداً أن التوكل على الله إلى ما يصبو إليه السيد القائد في توجّـهاته الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من المنتجات النباتية والحيوانية.
وخير شاهد على الواقع العملي ما قامت به اللجنة الزراعية والسمكية العليا ممثلة بالمجاهد السيد إبراهيم المداني ومؤسّسة بنيان ووزارة الزراعة، من نجاح كبير في تحقيق الأمن الغذائي النباتي والحيواني بنسبة 20 -30 % من احتياجات شعبنا العظيم الغذائية النباتية والحيوانية في وطننا الحبيب وطن العزة والشموخ والانتصارات والكرم.
ويؤكّـد مدير مشروع البذور المحلية عضو اللجنة الزراعية والسمكية العليا الدكتور مطهر الخيشني، أن اليمن يمتلك المقومات الزراعية اللازمة لإنتاج الحبوب والبقوليات وخُصُوصاً القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها، مُشيراً إلى أن اليمن لديها أرض زراعية خصبة بمساحات كافية لإنتاج 3 ملايين طن من القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويوضح الخيشني أن مساحة الأرض الزراعية اللازمة لإنتاج هذه الكمية هي ما بين 600 إلى 750 ألف هكتار، مُشيراً أن هذه المساحة موجودة في الجوف وتحتاج معظمها إلى استصلاح وحفر الآبار وتجهيز الأرض بشبكات الري الحديثة وبناء السدود والحواجز المائية والقنوات التحويلية، منوِّهًا إلى أن الوصول لإنتاج 3 ملايين طن من القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي سيكون على مراحل وسنوات وذلك باستصلاح خمسين ألف هكتار في كُـلّ مرحلة وتجهيزها بالآبار وشبكات الري الحديثة والتوسع في استصلاح الأراضي في الجوف والسهل التهامي والقيعان في إب وذمار وعمران.
وبيّن أن توفير البذور كذلك سيتم توفيرها بالكميات المطلوبة لكل مرحلة وذلك بإكثارها في مساحات تناسب الاحتياج لكل مرحلة، مُشيراً إلى أن هذا العام شهد توسعاً في زراعة القمح في المحافظات في الموسم الشتوي وكذلك الآن في الموسم الخريفي في المناطق الوسطى والشمالية، وكذلك تم التوسع في زراعة الذرة الشامية والسمسم والدخن في الموسم الصيفي في الجوف.