مظلوميةُ اليمن وفلسطين.. العيشُ في كربلاء العصر
ثورة الحسين لم تُهزم ولم تَنتهِ بعد غروب شمس ذلك اليوم فهي مُستمرّة في وجه يزيد وأشباه يزيد إلى يومنا هذا
المسيرة – أحمد داوود
تحضُرُ كربلاءُ اليوم بكل مآسيها وآلامها وقسوتها وغربتها، في مشهد تتكرّر أحداث الأمس في اليوم، ويتشابه الطغاة والفاسدون في عصر يزيد الأموي مع هذا العصر الصهيوسعوديّ، كما يستلهم الأحرار الدروس والعبر من الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- في عدم خضوعه واستسلامه وانحنائه للطغاة.
وتذكُرُ كُتُبُ التاريخ أن الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- واجه الكثيرَ من المتاعب والتحديات، حتى من أقرب الناس إليه، فمع اشتداد مطالبة الطاغية يزيد للحسين بالبيعة، قال البعض منهم: “إن هي إلا كلمة قلها واسترح”، لكن القائد الشجاع الحر -كما ورد في رواية لعبد الرحمن الشرقاوي بمسرحية بعنوان “الحسين شهيداً” قال لهم: “ما شرف الرجل سوى كلمة”.
ثم قال لهم: أتدرون ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة في كلمة.
دخول النار على كلمة.
وقضاء الله هو الكلمة.
الكلمة نور.
وبعض الكلمات قبور.
الكلمة فرقان بين نبي وبغي.
بالكلمة تنكشف الغمة.
الكلمة نور.
إن الكلمة مسئولية.
إن الرجل هو الكلمة.
وتثبت كُـلّ الوقائع أن الأحرار حين ينطلقون في مقارعة الباطل، لا يعرفون معنى للخوف، ولا للهزيمة، وأنهم حين يتحَرّكون، حتى لو كانت إمْكَانياتهم محدودة، يثقفون بأن الله سينصرهم، وأن دماءهم الزكية، ستثمر نصراً ولو بعد حين، وهذا ما كان يؤمن به الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- بعكس أُولئك الخانعين، الذين كانوا يفضّلون عدمَ مواجهة الطاغون حتى لا يدركهم الموت أَو الأسر، معتقدين أن الخنوع والاستسلام للحكام الطاغية سيجنبهم المحن والشقاء، ولهذا فقد واجه كُـلُّ الخانعين والمحايدين مصيراً عنيفاً بعد استشهادِ الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- لدرجة أن البعض تمنَّى لو كان مع الحسين وقاتل واستشهد في أرض المعركة.
وعلى امتداد القرون، يدون التاريخ في صفحات محدودة، سير الأبطال الأحرار الذين تصدوا للطغاة والمجرمين، والذين كانوا امتداداً لثورة الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- كالإمام زيد بن علي، والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، وغيرهم الكثيرون، وُصُـولاً إلى زماننا هذا، إذ نعيش فيه مظلومية الحسين ووحشية اليزيد.
وتتكرّر التجارب والوقائع، فالشعب اليمني يواجه وعلى مدى ما يقارب 8 سنوات عدواناً أمريكياً صهيونياً غاشماً، لا يعرف الرأفة ولا الرحمة؛ ولذا فقد قتل الأطفال والنساء، ودمّـر المنازل على رؤوس الأبرياء، وارتكب آلاف المجازر، وهدم المساجد، والأسواق، والطرقات، والمستشفيات، والمدن التاريخية، وغيرها، في ظل صمت عربي وإسلامي مطبق، باستثناء عددٍ قليلٍ من أحرار الأُمَّــة؛ ولهذا فَـإنَّ الشعب اليمني عاش ولا يزال يعيش مأساة كربلاء، وغربة كربلاء، ومظلومية الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ-، لكنه بكل عزة وإباء وشجاعة لا نظير لها يواجه الطغيان اليزيدي المتمثل في أمريكا وإسرائيل والنظامين السعوديّ والإماراتي.
وأمام هذه المأساة، نجد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يقول في إحدى خطاباته: “إن الشعب اليمني يعيش في كُـلّ يوم وعلى مدى الساعات كربلاء متواصلة، كربلاء العصر هي التي تجري الآن في اليمن بكل ما للكلمة من معنى؛ لأَنَّك في معركة اليمن عند هذا الشعب المظلوم ستجد مظلومية كربلاء وغربة كربلاء وحصار كربلاء وعطش كربلاء وحصار العالم لكربلاء وتخلي الأُمَّــة عن كربلاء، وهذا هو الذي يجري اليوم في اليمن”.
ويضيف نصر الله: “المشهد الآخر من كربلاء الصلابة، والشهامة، والشجاعة، والبطولة، والصبر، والثبات، أَيْـضاً تجده في اليمن، نحن في يوم الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- نرى أنه من أوجب الواجبات على الشعوب العربية والإسلامية وعلى كُـلّ عربي ومسلم وعلى كُـلّ إنسان شريف وحر في هذا العالم أن يخرج عن صمته إزاء هذه المجزرة البشعة اليومية التي تنفّذُها قوى العدوان الأمريكي السعوديّ على الشعب اليمني، هذا الصمتُ يجب أن يُكسَرَ وهذا السكوت يجب أن ينتهيَ، ويجب أن يتحَرّك كُـلّ العالم، وهذه المسؤولية مسؤولية إنسانية وأخلاقية ودينية واللهِ سيسأل الجميع عنها يوم القيامة؛ لأَنَّ هذا السكوت ولأن هذا الصمت يشجع هؤلاء المجرمين القتلة على مواصلة مجازرهم وعلى مواصلة توحشهم بحق الأطفال والنساء والمدنيين والبشر والحجر في هذا اليمن المظلوم وهذا اليمن العزيز والغريب”.
جرحٌ واحد.. آلامٌ واحدة
وخلال السنوات السبع الماضية، كان اليمنيون يحيون ذكرى استشهاد الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- بأسًى وألمٍ، فلا يعرف مدى الجرح إلا من أُصيب به، ولذا فَـإنَّ العدوانَ والحصارَ، والقتل والتشريد، والغربة التي يعيشها اليمنيون هي امتداد لمظلومية الإمام الحسين –سلام الله عليه-؛ ولهذا يزداد الصمود والثبات، وتزداد التضحية، فمن الحسين يستلهم اليمانيون الدروس والعبر، ويستلهمون الثبات والشجاعة والإقدام، ومقارعة الباطل، وعدم الخضوع والذل والاستسلام.
وهنا نجد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي –يحفظه الله- يؤكّـد في معظم خطاباته العاشورائية أننا نعيش في واقعة امتداد لمظلومية الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- وأن الشعب اليمني يعيشُ محنةَ كربلاء، حَيثُ يُقتل أبناؤه وأطفاله، لافتاً إلى أن الإمام الحسين تحَرّك عن وعي وعن قناعة خالصة وتحَرّك بحركة القرآن وبما يمليه عليه القرآن، وأن شعبنا اليمني الأبي ذنبُه الكبيرُ الذي يعاقب عليه هو الهُــوِيَّةُ والانتماء والمبادئ والقيم والأخلاق، مؤكّـداً أن الشعب اليمني اليوم يواجه الطغيانَ اليزيدي المتمثل في النظام السعوديّ والنظام الأمريكي”، ولهذا فَـإنَّ هذا النظام المتوحش قد قتل الآلاف من اليمنيين واستباحونا بكل تكبر وطغيان ونحن نزداد قناعة بموقفنا وبضرورة التصدي لهم، كما يقول قائد الثورة.
ويواصل السيد القائد: “يتحَرّك السعوديّ بمعولَي هدم: واحدٌ منهم لباس الدين وهو عبر النشاط الوهَّـابية تحت رعاية أمريكا، والآخر محاولة إفساد النفسيات وانحلال وَانسلاخ عن الدين في أخلاقه”، مؤكّـداً أن “الصادق لا يقبل أن يسكت أمام كُـلّ هذا الطغيان”.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي زيد البعوة في مقال له بعنوان: “كربلاء الأمس وكربلاء اليوم” أن كربلاء ليست مُجَـرّد معركة عادية فنحن نعيش اليوم وكل يوم كربلاء في مختلف الأمصار والدول العربية والإسلامية، معارك مُستمرّة بين الحق والباطل ومظلوميات كبيرة وانعدام للوعي في صفوف جنود الباطل كما حصل في الماضي يواجهون أهل الحق والوعي والبصيرة كما حصل في الماضي أَيْـضاً فلا الحسين مات ولا ثورته انتهت ولا يزيد انتصر ولا طغيانه انتهى.
ويواصل: “يوم عاشوراء بالنسبة للمسلمين كألف سنة من الأيّام الأُخرى فيوم العاشر من محرم كان نقطة تحول حال بينها خذلان الناصر وطغيان المجرمين إلا أن ثورة الحسين لم تُهزم ولم تنتهِ بعد غروب شمس ذلك اليوم فهي مُستمرّة في وجه يزيد وأشباه يزيد إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة وفي اليمن عاشوراء لكنها ليست مُجَـرّد يوم واحد فقط بل أكثر من سبع سنوات من العدوان السعوديّ الأمريكي على الشعب اليمني الذي أهلك الحرث والنسل وارتكب الجرائم وانتهك الحرمات وأوغل في الحصار والدمار وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والمسافرين، وهو عدوانٌ سعوديّ أمريكي صهيوني عربي تحالف فيه كُـلّ مجرمي وطواغيت العالم ضد الشعب اليمني وارتكبوا أبشع الجرائم قطعوا رؤوس النساء والأطفال والشيوخ وحتى المرضى والمكفوفين بل ذهبوا إلى استهداف المقابر والطرقات ودمّـروا المنازل واستهدفوا الأسواق والمدارس والمساجد وفعلوا أكثر مما يتصوره إنسان بمعنى كلمة إنسان، حاصروا الشعب اليمني في لقمة عيشه وفي الأدوية والمستلزمات الطبية، ولو كان باستطاعتهم أن يحجبوا الشمس ويمنعوا الهواء لفعلوا ذلك”.
ويؤكّـد البعوة أن “عاشوراء اليمن تعانقُ عاشوراء كربلاء، فنرى الحسينَ وأصحابَه في مجزرة في سوق مستبا بحجة، أَو في مدرسة أطفال بجمعة آل فاضل بصعدة، أَو في مستشفى عبس بحجّـة، أَو في صالة العزاء الكبرى بصنعاء، فنتذكر الإمام الحسين وأصحابه، ونرى دماءنا تختلط بدمائهم، وإن اختلف الزمان والمكان والأعداء والأصحاب إلا أن الموقف واحد والأهداف واحدة، وهكذا كربلاء عاشوراء على مدار الساعة قصف ودمار وقتل وحصار ودماء ودموع، ولكن كربلاء اليوم في اليمن كانت مروعة جِـدًّا أقدم فيها يزيد على استهداف المدنيين بالطائرات في الأسواق والطرقات والمساجد والمستشفيات والمدارس، واستعان يزيد بـ داعش والجنجويد وبلاك ووتر وأمريكا و”إسرائيل” وعدد كبير من دول النفاق والطغيان فصارت كربلاء يوميًّا في اليمن تختلط ألوان الدخان السوداء التي احترقت فيها خيام الحسين بدخان الغارات التي شنتها طائرات العدوان اليمن واختلط الدم بالدم والمظلومية بالمظلومية والذكرى بالذكرى”.
غزة.. وجعٌ كربلائي
وإذ كان الشعبُ اليمني يعيشُ تفاصيلَ المعاناة والآلام لما يقارب ثماني سنوات، فَـإنَّ فلسطين المحتلّة تعيش كُـلّ يوم وقائع أكثر بؤساً وظلماً من عدو غاشم احتل الأرض وشرد الأهالي السكان، بتواطؤ وصمت عربي وإسلامي مخيف.
وتتجدد المأساة اليوم مع عدوان صهيوني جديد على قطاع غزة، حَيثُ يتزامن هذا التوحش الصهيوني مع ذكرى عاشوراء المؤلمة، لتؤكّـدَ أن المظلومية واحدة، والتوحش واحد، فالموت يجتاح غزة المدينة الصامدة الصابرة، وليلها الطويل مليء المآسي، والناس تبحث عن ضياء الصبح، والخوف يغطي الدرب، ويجتاح النخيل، والناس أَيْـضاً يعبرون فوق أشلاء الزهور، ودماؤهم في الدرب شلال يسيل، والأرض تمضغ حزنها وتنزف الجرح العميق.
ولهذا يقول الشاعر صباح الحكيم: هي غزة وكأنما هي كربلاء، نفس المجازر، والتدهور والبكاء.
ويضيف في أبيات تراجيدية محزنة قائلاً:
وكأنما في (الطف) صرختها تنادي الأبرياء
وا غزتاه وا غزتاه
وا غربتاااااااه
طفل بريء فوق صدر الدرب يصرخ في الهواء
أماه قومي لا تنامي في العراء
الخوف يا أمي يطاردني كظلي في الأزقة وَالخواء
تتطاير الأشلاء في رحب الفضاءِ
فتعثر المسكين أعياه البكاء
وظلّ يبحث في السؤال
عيناهُ تسأل وَالمواجع حوله تمحو الضياء
وعواصف الأحزان تطحن في المنازل وَالبشر
أين الجداول والمزارع وَالنهر؟
أين السماء؟؟؟
أين الزهر؟؟؟
أتموت غزة في سيوف الأشقياء؟؟؟
وتغيب في ليلِ البلاء؟؟
ونقول ها هو ذا القضاء؟؟
وا حسرتاه
وا أمتاه
وبدا يغالبه النعاسُ فمرّةً يبكي
وأحياناً ً يغيبُ مع العناء
ويعود من فزع ٍ ليبكي حزنه القاسي لأحلام المساء
يتأوه المسكين.. ينظر للوراء
حتى تدهورَ في المتاعب وَانطوى صوت الرجاء
و كأنما عاد الجواب يحفهُ همس الرجاء
من بين أنغام السحاب
و مدامع الأطفال … أصوات النساء
الأرض تبقى أرضنا
لا لن تموت وَلن تصير لغيرنا
رغم النوائب وَالقهر
ستظل غزة أرضنا
مهما جنى كف القدر
و تعود أرضي كالسناء
و يعود للطير الغناء
من صرخة الجرحى.. دماهم.. من كفوف الورد
من صمت الحجارةِ
سوف ينتشر النهار
من دمعة الأيتام من صبر الأرامل
سوف ينفجر القرار
من همسة الأطفال روح الطهر يزدهر المدار
هم كلما عاثوا بأزهار الخميلة
كلما داسوا على الأرض الجميلة
كلما زادوا دماراً وَانهيار
إلا وهذي الأرض تهفو لانتصار
إلا وهذي الأرض تهفو لانتصار.