من هو الإمامُ الحسينُ عليه السلام؟..بقلم/ عبدالقوي السباعي
يُمَثِّلُ الإمامُ الحسين -عَلَيْهِ السَّلَامُ- النموذجَ الأرقى والصورةَ المثاليةَ المتجسِّدةَ للإيمان الحقيقي والنضج الديني الواعي في فكر وروحية الأُمَّــة الإسلامية بشكلٍ عام، بل إنه -كشخصيةٍ دينية وإنسانية وتاريخية استثنائية- ارتبط اسمُه حول العالم مع خطابٍ أُسطوري فريد، ناتجٍ عن علاقةٍ وثيقة تجمعُه مع الكثير من الأحداث والمتغيرات التاريخية، وتربطُه بصورة خَاصَّةٍ بالخطاب الديني، من خلال مجموعة من المفاهيم والقيم الإنسانية والدينية التي تدورُ في فلكها الصورةُ الذهنية المقدَّسة، المنعكسة من قبيل الرموز والصور والنماذج الأصلية في الفكر الإسلامي والتراث الإنساني عُمُـومًا.
ولو استعرضنا نماذجَ من الصور والرموز الدينية في الفكر والتراث الإسلامي وبإجماعِ كافة الفرق والمذاهب سنجدُ شخصيةَ الإمَـام الحُسين بن علي (عليهما السلام) تُجسِّدُ الصورةَ الرمزية الدينية الأنموذج، وذلك لعدة دلالات.. أهمها ما تجلى لنا من خلال البحث في مختلف أدبيات المنظومة الإسلامية، والتي نوجزُها في هذا المقام على سبيل المثال لا الحصر.
فمثلاً، دلالةُ النسب، إذ يُجسّدُ الإمَـامُ الحُسين (ع) في صورتِه الرمزية ذلك الطفلَ الإلهيَّ الذي حملته والدتُه فاطمةُ الزهراءُ (ع)، فكانت هي الوعاءَ المقدَّسَ الذي حمل وارثَ الأنبياء، وسببُ هذا التركيز ناجمٌ عن المكانةِ الخَاصَّة التي توليها المنظومةُ الإسلامية جمعاءُ للسيد فاطمة، إذ تُجمِعُ دون استثناء، على أنها امرأةٌ متميزةٌ من جهة أفعالها وصفاتها، ومقدسة من جهة انتمائها إلى آل بيت النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، وهذا يمثِّلُ في حَــدِّ ذاته تشريفاً وتكليفاً، كيف لا وهي سيدةُ نساء العالمين في الدنيا والأُخرى، وسيدة نساء أهل الجنة في كُـلّ نصوص التراث الإسلامي؟!
أيضاً، وفي دلالة النشأة، يُجسد الإمَـامُ الحُسينُ (ع) في صورته الرمزية وفي إطار النشأة والعلم والعمل وتحمل المسؤولية من خلال ما تلقاهُ من علومٍ ومعارفَ وتربية واتِّزان سلوك على يد جده الرسول الأعظم محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، والتي انعكست بكل تفاصيلها الروحية والوجدانية والتطبيقية على شخصية الإمام الحسين (ع)، ناهيك عن شمولية المحبة النبوية، وحميمية العلاقة الأبوية التي ربطته بجده القائل: (حسينٌ مني وأنا من حسين، أحب اللهُ من أحب حسينا).
وفي إطار دلالة البطولة وكمال الرجولة، يُجسّدُ الإمَـامُ الحُسين (ع) في صورته الرمزية بمدلولها البطولي والمتمثلة في جهاده الواعيَ ورفضه ومجابهته للظلم، ومقارعته للطغاة والمتسلطين، إذ كانت العنوانَ الأبرزَ في شخصيته، كيف لا، وهو ابن الإمام علي بن أبي طالب (ع)، الليث الغالب، والفدائي الأول، وقاهر جلاوزة الشرك، وباب مدينة العلم، ووصي النبي الأكرم، وولي المؤمنين من بعد رَسُــوْل الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وفق جميع أدبيات المنظومة الإسلامية؟ فجمع الإمام الحسين (ع) بين شجاعة وإقدام وثبات جده محمد الرسول الأعظم وبين بطولةِ وقوة وبأس والدِهِ الإمام عليٍّ الكرار.
وأمّا دلالةُ المصيرِ فقد جسَّد الإمَـامُ الحُسينُ -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- التضحيةَ بكل أبعادها ومعانيها الدينية والأخلاقية، كرمزيةٍ ثوريةٍ خالدة، حين اختار الموتَ الواعي، وهو نفسُ الاختيار الذي اختاره السيدُ المسيح عيسى بن مريم -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- فذلك الموتُ الذي رآهُ الإمامُ الحسينُ حسب تعبيره: “لا أرى الموتَ إلَّا سعادة”، هنا اختار الموتَ تضحيةً دونَ المبادئ والمُثُلِ والقيم الدينية والرسالة السامية التي يحملُها، فكان باستشهادِه -عَلَيْـهِ السَّــلَامُ- ثورةً حقيقيةً متجدّدةً في وجهِ الطغاةِ والمستكبرين في كُـلّ زمان ومكان، فكان ولا يزالُ بِحَقٍّ الصورةَ الرمزية والدينية المُثلى في الفكر والتراث الإسلامي الحي.