ثورة الإمَـام الحُسَين بين ثقافة الاستشهاد ونظرية الحكمة..بقلم/ أيوب أحمد هادي
يعتبر الحديث عن أهداف الثورة الحسينية من الأُمور المهمّة التي تطرّق إليها كثير من الفقهاء والمحقّقين، وقد قُدّمت نظرياتٌ متعددة استُدلّ عليها بشواهدَ من واقعة عاشوراء، فهناك مَن ادّعى أنّ الثورة الحسينية لا تُحدّد؛ بهَدفِ واحد، بل لها هدفان أَو ثلاثة، وذكر بعضٌ أنّ بين هذه الأهداف المتعدّدة ترتّباً طوليّاً، وذهب آخرون إلى فرض العَرْضية بين تلك الأهداف.
إذ تمثل ثورة الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- في 10 محرم سنة 61 هـ/ 680 م واحدة من أهم الثورات التي شهدها التاريخ الإسلامي، لا بل والتاريخ العالمي بشكل عام؛ لما تضمنته من مبادئ وأهداف إنسانية سامية، ولما تمخض عنها من نتائج هامة ذات تأثير بعيد المدى في حياة الإنسانية جمعا.
وإن معظم الثورات والحركات التي حصلت بعد ثورة الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- كان قد تأثر زعمائها وقادتها البارزون بالنهضة الحسينية ومضامينها ودلالاتها، وقد اتخذوا من الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- مثلاً أعلى لهم، إذ أن تلك الثورات المتلاحقة قد أقلقت مضاجع الأمويين وهزت عروشهم حتى انتهت بسقوط دولتهم، ومن تلك الثورات ثورة التوابين التي قامت بعد واقعة كربلاء؛ بهَدفِ الثأر للإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- وأصحابه الذين استشهدوا هناك، وكانت بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي عام 65 هـ / 684 م، وثورة المختار بن أبي عبيد الثقفي التي قام بها طلباً للثأر بدم شهداء كربلاء عام 66 – 67 هـ/ 685 – 686 م، وغيرها من الثورات التي انتهت بسقوط الدولة الأموية، بعد أن أزاحت ثورة الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- عنها شرعيتها المزعومة ومهدت الطريق لكل الأحرار؛ مِن أجلِ مقاومة الظلم والاستبداد الأموي، وبذلك صار الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- مناراً للحق والصدق والفضيلة ومثلاً أعلى لكل الثوار الأحرار المناهضين لصروح الظلم والطغيان والحكام المستبدين على امتداد التاريخ، وفي كُـلّ بقاع العالم.
فنهضة الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- لم تكن ثورة سياسية فحسب قامت؛ مِن أجلِ الوصول إلى السلطة أَو سدة الحكم كما يحاول أن يصورها بعض المغرضين والنواصب المعادين لنهج بيت النبوة ومعدن الرسالة -عليهم السلام-، وإنما هي ثورة قامت؛ مِن أجلِ قضية أعمق هدفها إحقاق الحق ومقاومة الظلم والباطل، وقد شكلت تحدياً بارزاً ورئيساً للاستبداد والطغيان الذي كان يمثله حكام بني أمية وتمكّنت من نزع القناع الديني الذي حاول هؤلاء الحكام التستر خلفه؛ مِن أجلِ شرعنة حكمهم وتسلطهم على رقاب الناس، وكشفت زيف ادِّعاءات الأمويين والموالين لهم ونزعت مبرّراتهم المزعومة سواءً كانت دينية أم غير دينية، وأسقطت فلسفة قطاع عريض من وعاظ السلاطين وفقهاء السلطة الأموية، وقد تمكّنت هذه الثورة الحسينية المباركة من زرع بذور الحركات الثورية المناهضة للباطل والظلم والطغيان، والمطالبة بالحق والعدل في مواجهة الحكام المستبدين خلال التاريخ الإسلامي.
ونحن اليوم وفي عصرنا الراهن حين تمر علينا ذكرى عاشوراء، بحاجة ماسة إلى إعادة استحضار سيرة أهل البيت -عليهم السلام- واستلهام الدروس والعبر من تلك السيرة المباركة العطرة التي تمثل الإسلام الصحيح بكل معانيه الإنسانية الراقية، والاقتدَاء بالإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- في أخلاقه وسيرته ونهجه؛ مِن أجلِ العمل على إصلاح مجتمعنا وفق المبادئ الإسلامية القويمة، ومحاربة الفكر الإرهابي المتطرف ومواجهة الغزو الثقافي الغربي.