كربلاء.. أرضٌ تقدّست بدماءِ الحُسين..بقلم/ منار الشامي
عرفانًا لقِلّةِ الناصِر و”ألا هل من ناصرٍ ينصرُني؟”، بذلًا في سبيلِ الله بعد ألمِ الخِذلانِ، تجدونهُ يرفعُ الدماءَ عاليًا، يحولِقُ شاكيًا، خرج راجيًا إصلاحَ أُمَّـة جدّه، حُــزَّ الرأسُ بعد رِحلةِ الحصار المُطبِق عن حُفنة ماءٍ من نهر وكِسرةَ خُبزٍ من أقراصٍ مُباركة كان قد أنفقها والديه، لا يبتغيا جزاءً ولا شكورًا!
كانت غايةُ الحُسين الإصلاحَ، ولمّا عَمَّ الفسادُ في الأُمَّــة خرجَ غيرَ أشِرٍ ولا بَطِر، راح في بيتِ الله يدعو الناس إلى تقوى الله في أن لا يبقى من الدينِ إلّا اسمه، وتركهم يحجّون حول بيت الله وذهب هو إلى الله؛ كي يعلموا أن العمل المجوّف من أصلهِ باطل، وأن لا حجّـة لأبناء المساجد الذين سمعوا نداء الحُسين واعتكفوا في حضرةِ الشيطان!
ما لم يُفهم بالقولِ فالعملُ بابُ فتحِ العقول، وما لم تعلمِ الأُمَّــة بخطرِ أن يصبحَ حُكامها من مثلُ الرسول لا يُبايعُ أمثالهم فسيؤولُ حالُها إلى أن تُباح وتُستباح؛ ولذا لم يكن تحَرُّكُ الإمام الحسين فقط لفريضةِ الجهاد بقدرِ ما كان ذودًا بالدين عن ذُلٍّ مُحتَّمٍ وانحطاطٍ مُنحرِف ومُنحدرٍ جاهليّ.
إنّ كُـلَّ من يحمل بطاقة تعريفٍ للحُسينِ في قلبه لا يجدرُ بهِ أن ينتسِبَ لهُ وهو يقبعُ بين واقع تغشاهُ ظلمات الأمويين، فلقد فازَ بمفرده مُسلمٌ في حَضرةِ الآلاف، في عذابِ الله المُدّعي للحقِّ أشدُّ وطأةً مِمن تجنّد للباطل، فحملُ الحقِّ دونَ العملِ بِه ضريبةٌ يدفعُها المتقاعسون قبل أن تُحتزَّ رؤوسُهم؛ قُربانًا لِأئمةِ الباطل!
لم تكُن كربلاءُ مرحلةً مؤقتةً ومحطّةَ اختبار لفئةٍ مُعيّنة، فلا زال نداءُ “هل مِن ناصرٍ؟” يطرقُ أبواب القلوب عند كُـلّ ابتلاء في كُـلّ معركة بين الحقّ والباطل، ولا زال التغريرُ ثمّ التغييرُ سِمةَ أسياد الباطل وعبدةِ الشيطان، ولا زال محكُّ التمييز هو أثرَ العملِ واختيارَه في الوقت المُناسب، فلا تجِدُ في صفحةِ الحقِّ من اعتكف الجوامعَ في معركةِ اللوامع، ولن تجِدَ أبدًا في صفحةِ الباطل من اختارَ ولم يحتار، فالصفوفُ مُتمايزةٌ وإن أسدلَ عليها المُرجفون ستائرَ الفضيحة بصمتِ الارتزاق!
كربلاءُ أرضٌ تقدّست بدماءِ الحُسين، وفي كُـلِّ أرضٍ كربلاءُ بذبيحها الحُسين، فهل مِن خيارٍ ثالثٍ لنا في طَيِّ الاختبار؟!