لمَاذا نُحيي ذِكرى استشهاد الإمَام الحُسين؟.. بقلم /مطهر يحيى شرف الدين
يتساءل البعض من الناس بدافع الامتعاض وأحياناً من باب حسن النية ومعرفة الهدف لماذا إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بإقامة المسيرات والفعاليات وما هي الفائدة من ذلك؟
وحصل ذات مرة أن قال لي أحدهم ليس من اللازم إحياء الذكرى فأجبت عليه بل من اللازم ومن الواجب أَيْـضاً وهذه قناعتي وقناعة كُـلّ مؤمنٍ حرٍ شريف أدرك قيمة الدين الإسلامي وحريٌ بأن يُضحى بالجاه والسلطة والمال والولد؛ مِن أجلِ سلامة الدين ليكون سائداً مترسخاً في أبناء الأُمَّــة وتبقى مبادئه فاعلة ومتحَرّكة في واقع الحياة، ومن يتجاهل أَو يتعمد تهميش الذكرى أَو القضية فَـإنَّه آثم ومؤاخذ على ذلك.
ولأن الإمام الحُسين كان يخطب في الحجاج العائدين من مكة ويذكّرهم بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أيها الناس من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير ذلك بقولٍ ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله”.
فَـإنَّه بذلك قد أقام الحجّـة على جميع الناس في كُـلّ زمانٍ ومكان وبيَّن للقاصي والداني أن من يسكت على باطل فهو مؤاخذ وأن من يصمت على سلطةٍ ظالمةٍ جائرة فهو أَيْـضاً مؤاخذ على ذلك.
الإمام الحسين من خلال مواقفه وأقواله كشف للأُمَّـة أن خروجه لمواجهة الطغيان الأموي كان امتثالاً للتوجيهات الإلهية في القرآن الكريم التي تتحدث عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تكون مواصفات أبناء الأُمَّــة الاستقامة والعزة وأن يسلكوا الصراط المستقيم وأن يتذكروا نعم الله سبحانه وأجلّها وأسماها نعمة الهداية التي تلاشت من قاموس السلطة الأموية وقد حَـلّ الضلال والإفساد بديلاً عنها.
ولذلك فَـإنَّ الإمام الحسين عندما خرج مجاهداً في سبيل الله فَـإنَّه بذلك قد أرسى مبادئ الدين الإسلامي وأعاد للدين مكانته وعلوه وسيادته على بقية القوميات وأعاد للأُمَّـة الإسلامية مجدها وخيريتها بين الأمم وكان ثمن ذلك تضحيته بروحه وجوارحه وماله، وكان ثمن ذلك أَيْـضاً تضحيته بأولاده وأبناء عمومته وأصحابه.
الإمام الحسين صدق مع الله ومع الدين ومع الأُمَّــة الإسلامية وَأثبت للعالم أجمع في كُـلّ الأزمنة والعصور وحتى تقوم الساعة مقولاته المشهورة والتي أصبحت شعاراً وعنواناً لكل الأحرار ومنها: “إن كان دينُ محمدٍ لم يستقم إلا بقتلي فيا سُيوف خذيني”، وقوله “هيهات منا الذلة”.
ومن هنا انتصر الدم على السيف وَانتصرت القضية والمظلومية وانتصر الحق وانتصرت المبادئ وَالأهداف والغايات وانتصرت الشعارات الحسينية بصدقها ووفائها للميثاق الذي أخذه الله من أنبيائه وأوليائه والصادقين من عباده، قال تعالى: “وإِذْ أخذنَا مِنَ النّبِيينَ مِيثَاقَهم وَمنكَ وَمِن نوحٍ وَإبراهيم وَموسَى وَعِيسَى ابْنِ مَريمَ وأَخذنا مِنهُمْ ميثَاقًا غلِيظًا لِيسأَلَ الصَّادِقِين عَن صِدقِهمْ وَأَعدّ لِلكافرِينَ عذابًا أَليمًا”.
يقول العلامة الرباني السيد بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه-: “ذلك الميثاق على التبليغ للشرائع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسأل الصادقين من الأنبياء والصادقين ممن آمن بهم في إيمَــانهم وسؤالهم عنه بسؤالهم هل بلغ النبي وهل آمن المبلَّغ واتبع صدقهم؛ لأَنَّ النبيين بلغوا والمؤمنين الصادقين آمنوا واتبعوا”.
قُتل الإمام الحسين وهو يجاهد في سبيل الله وقد آثر الموت عزيزاً على أن يحيا ذليلاً خانعاً لقوى الباطل وأصبح رمزاً للحق ورمزاً للشجاعة والبطولة والشموخ والتضحية والإباء، ولك أن تتصور ماذا كان سيحصل لو لم يخرج الإمام الحسين وظل كغيره من علماء السلاطين الساكتين على ظلم وجور وطغيان وفساد السلطات الحاكمة؟ كيف سيكون الحال وكيف سيكون وضع الأُمَّــة وموقفها من الدين جيلاً بعد جيل؟
الإجَابَة وبلا شك أن الباطل سيسود بكل صوره المتمثلة في إشاعة المنكرات والفساد والفسق والفجور والانحراف عن دين الله أبعد وأبعد ما يتصوره إنسان مسلم، وسيكون الحسين حجّـة الفاسقين والمنافقين وكل من يحمل راية الباطل؛ لأَنَّه النموذج والأسوة في ذلك الامتحان الكربلائي الذي خرج منه الإمام الحسين فائزاً منتصراً حاملاً راية الحق وكان صورةً حية من جده رسول الله -صلوات الله عليه وآله- خُلقاً وقيماً وديناً وسيرةً وإنسانيةً وصبراً وتضحيةً وعطاءً وعزيمةً وإقداماً وثباتاً وجهاداً وارتباطاً بالله وثقة وتوكلاً على الله سبحانه.
ولذلك فَـإنَّنا حين نحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لكي ندرك أن في كُـلّ زمانٍ حسين وفي كُـلّ زمانٍ يزيد ولكي ندرك أَيْـضاً أننا على هذه الأرض في امتحان وابتلاء أمام شهوات الدنيا ومادياتها ومغرياتها، وعندما نحيي ذكرى عاشوراء فَـإنَّـا بذلك نحيي أنفسنا ونبعث فيها طاقات روحية إيمَــانية وقّادة تعزز فينا المسؤوليات الجهادية وَالدينية والأخلاقية تجاه أي انحراف يستهدف الدين والقيم والأخلاق، وعندما نحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين فَـإنَّـا نذكِّر بحتمية الصراع بين الخير والشر وأن من يتحَرّك لمواجهة الشر لا بد أن ينتصر، وعدٌ من الله ومن أصدق من الله حديثاً.
وعندما نحيي هذه الذكرى فَـإنَّـا نحيي روحية الجهاد في سبيل الله ونحيي في أنفسنا الغيرة والحميّة على دين الله من أن يُمس أَو يُنتهك، عندما نحيي هذه الذكرى فَـإنَّـا نحيي ونذكِّر بالثوابت الدينية والمبادئ الإسلامية التي لا يمكن التنازل عنها مهما بلغت التضحيات.
عندما نحيي هذه الذكرى فَـإنَّـا نحيي أبناء الأُمَّــة بأن لا يرضوا بمنكرٍ سائد أَو طغيان سلطانٍ جائرٍ فاجرٍ مستكبر، عندما نحيي هذه الذكرى فَـإنَّا نذكِّر بأن ثمة مسؤوليات ملقاة على عواتقنا في كثير من جوانب الحياة وعلى كُـلّ واحدٍ منا أن يتحمل تلك المسؤوليات ابتداءً من كونه عضواً في أسرته ومحيطه وحتى اعتباره واحداً من أبناء الأُمَّــة الإسلامية، ويجب أن نذكِّر ونتذكر بأنه في هذه الحياة وعلى هذه الأرض رايتان راية حقٍ ورايةُ باطل وللمرء أن يختار حين يرى بعينيه “حقٌ أبلج وباطل لجلج” تحت أية رايةٍ يريد أن يكون، قال سبحانه: “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”.