رسائلُ العروض العسكرية: انتصارُ اليمن قَـدَرٌ محتوم لا يُرد
المسيرة | خاص
توجِّـهُ العُرُوضُ العسكريةُ المتواصلةُ التي تنفِّذُها القواتُ المسلحة هذه الفترة، رسائلَ بالغةَ الأهميّة لتحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي وأتباعه؛ كونها تأتي في وقت حسّاس تتجه فيه الأمور نحو مفترق طرق ومرحلة جديدة كليًّا أما سلماً أَو حرباً، وهو ما يؤكّـد أن الهُدنةَ تقتربُ من نهايتها، وأن الكرةَ في معلب دول العدوان لتحديد تلك النهاية وتحمُّلِ عواقبها.
العُرُوضُ العسكرية -التي تُعتبَرُ غيرَ مسبوقةٍ في حجمها ونوعِها منذ بدء العدوان- ترسُمُ صورةً واضحةً لم تكن مكتملة من قبل لدى الكثير، وهي صورة قوة المؤسّسة العسكرية الوطنية ومستوى الجهوزية والإعداد الذي وصلت إليه اليوم بالنظر إلى أن عملية بنائها بدأت من نقطة الصفر في معظم الجوانب، بعد أن كانت قد تعرضت لتدمير ممنهج استمر منذ ما قبل العدوان.
هذه الصورة بحد ذاتها توجّـه رسالةَ نجاح وتحَدٍّ رئيسية مهمة مفادها أن مسار بناء الدولة التي أراد العدوان وأدها في 2015 من خلال شن العدوان (والذي ركز بشكل كبير على تدمير ما تبقى من القدرات العسكرية) لم يتوقف بل استمر في اتّجاه تصاعدي رغم كُـلّ التحديات وفرض واقعا جديدًا، وهذه العروضُ العسكرية تؤكّـدُ استحالةَ تجاوُزِ هذا الواقع أَو التغلب عليه أَو إعادة التأريخ إلى ما قبله.
وانطلاقاً من هذه الرسالة الرئيسية، توجّـه العروضُ العسكرية رسائلَ فرعية قوية لدول تحالف العدوان بشأن الوضعِ الراهنِ للمعركة ومستقبلها، وهذه الرسائل تحمل عنواناً بارزاً هو أن ما بعد الهُدنة لن يكونَ كما قبلها، وهو عنوانٌ ينطبقُ على حالتَي السلم والحرب؛ لأَنَّ الخياراتِ المطروحةَ أمام تحالف العدوان اليوم هي: التوجُّـهُ نحو سلام فعلي ينهي معاناة اليمنيين ويضمنُ حريتَهم واستقلالهم، أَو الدخول مرحلة جديدة من التصعيد أشد وأقسى من سابقاتها وَقْعًا على دول العدوان وأدواتها.
بحسب توصيف رئيسِ الوزراء فَـإنَّ الحُشُودَ العسكرية التي تؤدي هذه العروضَ تمثلُ “ضمانةً” لهذه المعادلة؛ لأَنَّها تعطي العدوّ فكرةً أوليةً عن حجم التصعيد الذي سيواجهُه في حال التعنُّت، فتوجّـه هذه الدفعات العسكرية إلى الجبهات مسنودة بقدرات صاروخية وجوية متطورة حرصت القيادة على أن تكون جزءاً من هذه العروض، يعني التوجّـه نحو حسم المعركة عسكريًّا، وليس ذلك فقط؛ بسَببِ كثافة الحشود أَو إمْكَاناتها، بل أيضاً؛ لأَنَّ العدوّ يعرف جيِّدًا أن وضعَه الميداني متهالك للغاية وأن كافةَ خياراته وخططه العسكرية قد أثبتت فشلاً ذريعاً، كما هو الحال بالنسبة لألاعيبه السياسية وتعويله على الدعم الدولي والأممي.
ومن المهم أن تؤخذَ في الاعتبار مسألةُ أن مستوى التصعيد الميداني الذي سيواجهه العدوّ لن يقتصر على تدفق الحشود العسكرية إلى الجبهات فحسب؛ لأَنَّ هذا التدفق سيصحبه -كالعادة- ضربات مكثّـفة ومزلزلة عبر الحدود، وهو ما يعني أن حسابَ خسائر العدوّ سيتجاوز الهزيمة العسكرية المذلة، وسيتضمن أضراراً أُخرى اقتصادية وداخلية طويلة الأمد وواسعة التأثير.
وحتى في ما يتعلق بتدفق الحشود العسكرية إلى الجبهات، فالأمرُ لا يقتصر على تعزيز خطوط الهجوم الموجودة مسبقًا (والتي تعتبر خطوطاً قوية ومحكمة أصلاً)، بل من المرجح أن يتم تدشين خطة قتالية أوسع لاستعادة مناطق جديدة محتلّة سيفتح تحريرها مسارًا جديدًا تتساقط فيه كُـلّ مؤامرات وخطط العدوّ التقسيمية.
في كلمته الأخيرة خلال العرض العسكري لتخرُّجِ دفعة (البأس الشديد)، أعلن الرئيس المشَّاط بوضوح أن صنعاءَ ستسعى لاستعادة الجزء المحتلّ من البلد، وأنها لا تعترفُ بأية إجراءات حاول العدوّ فرضها في المناطق التي يسيطر عليها، وهذه رسالة مباشرة وصريحة بأن مسارَ المعركة البرية لن يقفَ عند “الحدود” السياسية التي يسعى الأعداءُ لرسمها، وبالنظر إلى أن مدينةَ مأرب هي آخر معاقل العدوّ الرئيسية في الجزء الشمالي من الوطن، فَـإنَّ الحديث عن تحرير المحافظات الجنوبية لا يبدو “مبكرا”، خُصُوصاً إذَا انتهت الهُدنة بدون حَـلٍّ حقيقي.
بالمحصلة، يمكن القول إن العروضَ العسكرية للقوات المسلحة ترسُمُ بوضوح ملامح الدولة اليمنية المستقلة التي بات عجز تحالف العدوان ورعاته عن إعاقتها أمرا ثابتا، وبات صعودُها كقوة جديدة في المنطقة محتوماً سواء بالحرب أَو بالسلم، وهو ما يعني أن على تحالف العدوان أن ينظرَ إلى خياراته من زاوية مستقبله ووجوده في ظل وجود هذه القوة، وليس من زاوية خسارة “مأرب” أَو غيرها من المناطق اليمنية؛ لأَنَّ هذه زاوية ضيّقة قد تؤدي به إلى خسارة مصالحَ كبرى له، إضافة إلى خروجه الحتمي من اليمن.
وحقيقةُ أن العدوّ قد لجأ إلى الهُدنة وبدأ بالتعاطي مع مطالِبِ السلام العادل (ولو شكليًّا) لتفادي عواقب استمرار العدوان والحصار، تجعلُ من العروض العسكرية الأخيرة دليلًا واضحًا على أن فرصَ العدوّ في مواجهة التطور المتسارع والهائل في قدرات صنعاء العسكرية أَو حتى “الصمود” أمامها باتت معدومةً، وحتى محاولة كسب الوقت والمراوغة تحت شعار السلام، تكاد الآن تساوي في كلفتها خيارَ التصعيد في ميزان المخاطر التي يواجهها العدوّ.