حضرموت منارة العمل الثقافي والوجودُ الأمريكي فيها عاملُ اطمئنان للنظام السعودي
محافظ حضرموت لقمان باراس في حوار لصحيفة “المسيرة”:
قال محافظُ حضرموت، لقمان باراس: إن حضرموت كانت ولا تزال منارةَ العمل الثقافي والتنظيمي والثوري مثلما كانت عدن أَيْـضاً ضد المحتلّين، مُشيراً إلى أن الاحتجاجات في حضرموت ممكن أن تصبح ثورة شاملة لطرد المستعمر ونحن إخوة وقلوبنا تتسع للجميع.
وأكّـد في حوار خاص مع صحيفة المسيرة أن إقامةَ المعسكرات وإنشاء غرف العمليات والتواجد العسكري يستطيع الأمريكيون تمويل وإدارة حروبهم في المنطقة بل ومع دول الهند وروسيا والصين، وأن بقاء السعوديّة في حضرموت دون دعم وغطاء أمريكي يعتبر من سابع المستحيلات.
المسيرة- حاوره إبراهيم العنسي
– بدايةً نتحدثُ عن المطامعِ التاريخية للسعوديّة في حضرموت على نحو خاص ذلك منذ بدء نشوء الدولة السعوديّة وإيفاد الملك عبدالعزيز لوزير خزانته مع مستشاره البريطاني فيلبي.. محاولة إغراء الحضارم بالمال والذهب للانضمام.. وتكرار الأمر في فترات متلاحقة حتى اليوم.. كيف تنظر السعوديّة لحضرموت وكيف تبرز أطماعها في هذه المناطق النفطية؟
بدايةً هذا سؤالٌ هامٌّ، وأهميتُه تكمُنُ في العودة إلى بداية تاريخ مطامع السعوديّة في توسيع مساحة حكمها وتمددها الجغرافي في بلدان الغير دون وجه حق، الأمر الذي سيقودنا إلى تعريف القارئ بمطامع السعوديّة في اليمن بصورة عامة وحضرموت بصورة خَاصَّة.
وإذا عُدنا إلى تاريخ نشوءِ الدولة السعوديّة وكيف أُنشئت ومن وراء فكرة إنشاءها ودعمها لوجدنا أنها بريطانيا الاستعمارية، ثم كيف تمددت وبأُسلُـوب مذهبي تكفيري لمحاربة من يخالفها… كلام طويل لا يتسع حيز المقابلة لشرحه.. ومعظم الناس في اعتقادي على دراية واطلاع بذلك.
وبالعودة لصُلب السؤال حول “المطامع” يمكنك ملاحظة أنه تم إرسال وزير خزانة عبدالعزيز كما تفضلت والمستشار البريطاني هاري سارجون فيلبي الذي تظاهر بالإسلام وأطلق لحيته عام ١٩٣٠ وكان يجيد اللغة العربية واللهجات المحلية وحمل اسم الحاج عبدالله فيلبي.
هذان المبعوثان الوزير والمستشار حقيقةً لم يقوما بإغراء الحضارم بالمال والذهب إنما كانت الأرض وما في باطنها من ثروات هي من أغرت السعوديّة وبريطانيا والدليل على ذلك الاتّفاقيات المجحفة من قبل الشركات النفطية في حق حضرموت والحضارم، وليس بالغريبِ أن يكون وراء مطامع السعوديّة في حضرموت مطامع لبريطانيا قديمة -جديدة تمتد إلى المهرة وشبوة وسقطرى إن لم تكن تتعداها وهذا ما أكّـدته الحرب الأخيرة الظالمة التي شنتها السعوديّة على اليمن منذ العام ٢٠١٥م وحتى اليوم، ولا شك أن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل هم وراء السعوديّة والإمارات ووراء نتائج وتداعيات الحرب الخطيرة التي ألحقت أضراراً كبيرة باليمن أرضاً وإنساناً لم ولن تُنسى من قبل اليمنيين جيلاً بعد جيل.
– إذَا دخلنا في بعض التفاصيل حول منع السعوديّة لشركات التنقيب في المنطقة الحدودية “ثمود” كمثال.. ومساعيها القديمة الحديثة لعرقلة جهود إنعاش المحافظة الكبيرة والغنية.. كيف كان يتم ذلك؟
السعوديّة كانت وما زالت تحارب اليمن بأكملها في كُـلّ المجالات وعلى وجه الخصوص الحرب في مجال الاستثمار للثروات واستخراجها، وذلك ضمن خطة رسمتها القوى الاستعمارية المهيمنة على مصادر الطاقة في المنطقة مستخدمة أدوات الترهيب على شركات التعدين والجهات الاستثمارية من جهة والترغيب لبعض المسؤولين المحليين الذين يخدمون وينفذون خطط المستعمر من جهة أُخرى، والمنطقة الحدودية كمثال غيض من فيض، حَيثُ توقفت كُـلّ الشركات التي تنقب عن النفط في ثمود وغيرها بإيعاز سعوديّ لجعل حضرموت وغيرها من مناطق اليمن تعيش في حالة فقر دائم بالإضافة إلى تغذية الصراعات وإثارة النعرات القبلية والمذهبية.
وقد لعب الإعلام السعوديّ وكلّ الأجهزة الإعلامية المحلية والدولية دوراً كَبيراً في إظهار الرقعة اليمنية دولة فقيرة متناحرة لا تملك ثرواتٍ ولا تملك أية عوامل للتطور والنمو والنهضة وما الحرب القائمة على اليمن في الوقت الحاضر إلَّا مِن أجلِ إعادة الجمهورية اليمنية إلى حضيرة القرار السعوديّ المرتهن أَسَاساً لقرار دول الاستكبار العالمي.
– مع العام ٢٠١١م برزت حضرموت ضمن الإقليم الصحراوي النفطي الذي كان يأمل المحتلّ فصله ضمن مخطّط الأقاليم دون الدخول في حرب.. ألم يظهر هذا نوايا الرياض والغرب المتجددة لليمنيين لفصل هذا الإقليم والاستحواذ على خيراته والذي يشمل الجوف ومأرب وشبوة والمهرة كمناطق ثروة؟
أخطأ الساسةُ اليمنيون من قبلُ حينما غضوا الطرفَ عن الجارة التي كانت تتحين الفرصة لإعادة إحياء أطماعها في ثروات اليمن.
– أظهر ذلك شيئاً من غباء سياسي لم يستطع التعامل من حقائق التاريخ كما يجب، ما سمح للجارة الطامعة بفعل فعلتها؟
اختلافُ ساسة اليمن كان مشكلة كبيرة إلى جانب أن غالبية تلك الأطراف تدين بالولاء للخارج بما فيه الولاء للسعوديّة التي كانت تفرض تأثيرها على القرار في صنعاء.
– السعوديّة تعلم أن اليمنَ شعبٌ وتاريخٌ وثروةٌ فيما لا تمتلك هي سوى الثروة ولذا سعت لفرض حالة الجمود في نشاط هذا البلد الكبير
السعوديّة تدركُ أنها دولةٌ قائمةٌ على الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط وَلا يوجد لديهم مصادر دخل إنتاجية، ولذلك فَـإنَّ النظر إلى النفط اليمني ومحاولاتها المستميتة للسيطرة عليه هي مسألة وجود واستمرارية، كما أن النظام العالمي يدرك أن استقرارَ اليمن ورخاءه والاستفادة من ثرواته بالنسبة لنا يجعلنا قادرين على صناعة أثر بارز على مستوى الإقليم، حَيثُ ونسبة كبيرة من تجارة الطاقة العالمية تمر عبر باب المندب والذي يعتبر خاصرة التجارة العالمية بل وقلبها النابض.
– منذ متى بدأت أعمال المسح والتنقيب النفطي بحضرموت؟
لقد بدأ التنقيب عن النفط أَو بالأصح المسح عام ١٩٣٨م عندما زار خُبراءُ جيولوجيون صحراءَ ثمود وفي العام ١٩٥٩ تقدمت شركات بطلب الحصول على امتيَاز لاستغلال الثروة البترولية ولكن في العام ١٩٦٠ توقفت المفاوضات مع الشركات البريطانية وفي العام ١٩٦٣ وقعت شركة “بان أمريكان” اتّفاقاً مع سلطنة المهرة وقبلها اتّفاقات مع سلطنتي القعيطي والكثيري، حَيثُ دل التنقيبُ على وجود حقول نفطية غنية بالبترول في ضحيه وثمود والعبر وصنوخ وحبروت وحجر بن داغار، لكن بريطانيا لا تريد الخير لأبناء اليمن؛ لأَنَّها تريد استغلال الثروة لصالحها وهذا ما أكّـدته العقود المجحفة كما أسلفنا الذي تقدم بها السير توم هيكنبوتم عام ١٩٥٥ إلى السلاطين، كما استعانت بريطانيا بعدد من عملائها لإقناع القبائل في مناطق التنقيب بالتعاون مع الشركات في حين رفضوا بفضل مشايخ القبائل وعلى رأسهم الشيخ “المقدم” عيضة بن طناف المنهالي في ثمود.
والحال كذلك مع السعوديّة التي أعاقت أعمالَ التنقيب في المناطق الحدودية وغير الحدودية بحضرموت، حَيثُ كانت تدفع الشركات النفطية لرفع يدها عن المناطق النفطية تحت ذرائع مختلفة وكل هذا كي لا يرى الحضارم واليمنيون ككل ثروةَ وخيرَ بلادهم.
– اليوم تتواجد القواتُ الأمريكية والسعوديّة بحضرموت.. برأيكم على ما يستند هذا الوجود؟
أيُّ استعمار له بالتأكيد أهدافٌ من احتلال أي بلد ومن ضمن هذه الأهداف الهدف العسكري كمقدمة لحماية الأهداف الأُخرى، فعندما احتلت بريطانيا عدن في ١٦ يناير ١٨٩٣ عسكريًّا، فقد سبق أن احتلت جزيرة ميون عام ١٧٩٩م لإغلاق البحر الأحمر في وجه الفرنسيين ومنعهم من الوصول إلى المستعمرات البريطانية في البلدان الأُخرى ولرداءة الطقس وقلة الماء أخلاها الإنجليز، ثم عادوا لاحتلالها في ١٩ فبراير ١٨٥٩م، والتواجد العسكري للإنجليز في مطار عدن، ومعسكر خور مكسر والبريقة ومطار الريان في حضرموت، وقواعد عسكرية جوية وبحرية مَـا هِي إلَّا لتحقيق الأهداف الأُخرى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا من خلال سيطرتها على باب المندب شاركت في العدوان الثلاثي على مصر وبالذات في جنوب السويس عام ١٩٥٦، والأطماع السعوديّة لا تخفى على أحد، وحجم أطماع السعوديّ أقلُّ بكثير من أطماع الأمريكي، حَيثُ إن السعوديّ لديه أطماعٌ بثروات اليمن فقط بينما الأمريكي لديه أطماع في الإقليم ككل.
ومن خلال إقامة المعسكرات، وإنشاء غرف العمليات والتواجد العسكري على مستوى الإقليم يستطيع الأمريكي تمويل وإدارة حروبه في المنطقة، بل ومع دول الهند وروسيا والصين وغيرها، أَو في إطار صراع الدول المتناحرة التي فيها حروب أهلية، وأمريكا دولة قائمة على تجارة السلاح والسعوديّة قائمة على تجارة النفط، وتوقف الأسواق العالمية عن الإقبال على السعوديّ والأمريكي للحصول على هاتين السلعتين سواء لوجود بدائل نفطية، أَو توقف الحروب المصطنعة أمريكياً سيؤدي إلى انحسار هذه الدول، وبالتالي فقدان الهيمنة، ووجود الأمريكان في حضرموت والمهرة، هو عامل اطمئنان للمعتدي السعوديّ على أرض اليمن حَيثُ إن بقاءَه دون دعم وغطاء أمريكي يُعتبَرُ من سابعِ المستحيلات.
– كيف تنظر إلى الاحتجاجات التي تشهدها محافظة حضرموت من وقت لآخر؟
لطالما كانت حضرموت، ولا زالت منارةَ العمل الثقافي والتنظيمي والثوري مثلما كانت عدن أَيْـضاً ضد المحتلّين، وهذا لا يعني عدم مشاركة بقية المحافظات اليمنية في العمل الثوري ضد المحتلّين، بل إن كلاً مضطلعٌ بدوره.
والاحتجاجاتُ الرافضة لوجود الدخلاء والمحتلّين هي جزء من ثقافة الإنسان اليمني وغريزة بشرية لكل من يملك فطرة سليمة والعدوان يسعى بشتى الوسائل ليضيق على المواطنين في حياتهم المعيشية ليشغلهم عن مطالبهم برحيله من الأرض وإيقاف ممارساته العدائية التي يقوم بها على يد بعض الأطراف المحلية ذات المصالح والرؤى الضيقة، فاقتصرت الاحتجاجات في الآونة الأخيرة على مطالب خدمية، واقتصادية، نتيجة لتردي مستويات الخدمة والأمن الاقتصادي والمجتمعي، ولكن لا يعني أن تظل هذه الاحتجاجاتُ في هذا الإطار المطلبي المحدود، وإنما ممكنٌ الارتقاُء بها بالتدرج لأن تصبحَ ثورةً شاملةً لطرد المستعمر، بكل الوسائل السلمية والكفاح المسلح.
– مَن المسؤولُ في حضرموت برأيكم عن التدهور الحاصل: هل حكومة الفنادق أم مسؤولو المحافظة أم هو تحالف العدوان ذاته؟
السلطةُ وأتباعُها هناك لا يملكون شيئاً، ففاقدُ الشيء لا يُعطيه، والسلطةُ التي تستمدُّ مشروعيتَها من قوًى أجنبيةٍ وتفتقد لتأييد الشعب سلطة منزوعة الإرادَة ليس لها أي تأثير، بل إنها وضعت نفسَهَا في موقف حرج أمام شعبها، حَيثُ يستخدمها العدوّ كقفاز للوصول إلى أهدافه، والتدهور الحاصل اليوم هو مسؤولية كُـلّ من قبل ورضي أن يكون سلاحاً ضد أرضه ووطنه وشعبه بيد عدو ظهرت عداوته منذ عقود مضت ولا نذكر أسماء أَو نشير إلى أحد منهم، فنحن نؤمن أن إخواننا سيعودون إلى رشدهم، حَيثُ قلوبنا تتسع للجميع، كما قد أشَارَت إلى ذلك قيادتنا السياسية أكثر من مرة.
– يلجأ المحتلّ دائماً لتغيير أوجهِ مرتزِقته، حَيثُ تم تغييرُ أكثرَ من محافظ بحضرموت.. هل خدم هؤلاء المحتلّ في الواقع؟
يحتاجُ تحالُفُ العدوان إلى تعيين شخصيات لديها قبول في البيئة المجتمعية الحاضنة وتصديرها للواجهة ليستفيد منها ويستثمرها للوصول إلى أهدافه، ولكننا إلى هذه اللحظة بتعيين ابن ماضي مؤخّراً نتمنى أن نجد أرضية حوار وتواصل مشتركة مع هذه الشخصيات وغيرها من مناصب ومشايخ “مقادمة” حضرموت وكوادر في مختلف التخصصات، بما يعزز أمن واستقرار حضرموت واليمن ككل.
– أخيرًا.. كيف يريد المحتلّ لحضرموت أن تكون مع كُـلّ ما يجرى بها وفي جوارها؟
إذا ما نظرنا لمساحة محافظة حضرموت والتي تشكّل نسبة تقارب ٣٣ % من مساحة الأراضي اليمنية، فَـإنَّ موقعَها الموازي لطرق التجارة العالمية بحراً وبراً، وثرواتِها المتعددةَ وأكثرُها المخزونُ النفطي وغيره يجعلها محلَّ أطماع إقليمية ودولية للسيطرة على ثرواتها وحرمان شعبها من تلك الثروات وعزلها عن إقليمها اليمني، وإجراء تغييرات ديمغرافية من خلال تغيير الجنسية ونشر الأفكار المتطرفة وإنشاء المليشيات المسلحة لحماية مصالحها.
والملاحَظُ أن نشاطَ الأمريكيين وتواجُدَهم في الريَّان وفي وسط البحر يأتي في هذا الاتّجاه مع التركيز على هدف أعمقَ وهو إنشاءُ قواعدَ عسكرية ومراكز عمليات لنشر وتصدير النزاعات والاحتراب في الإقليم؛ بهَدفِ إضعافه والسيطرة عليه وتصفية حسابات دولية في محيط الجمهورية اليمنية.