السيطرةُ على المثّلث النفطي.. مخطّطٌ أمريكي مشبوهٌ في حضرموت
يكثّـف المسؤولون الأمريكيون زياراتِهم إلى حضرموت ولقاءاتهم مع مكونات حضرمية بشكل علني أَو غير علني
المسيرة | عباس القاعدي
أعادت التحَرّكاتُ الأمريكيةُ في حضرموت التذكير بتحذيرات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظُه الله- بشأن حقيقة أن مَن يُديرُ العدوان على اليمن هي أمريكا، وأن القواتِ العسكريةَ الأمريكيةَ تتواجدُ في بعض المناطق الهامة بالمحافظات الجنوبية بصورة احتلال واضحة، وفي مقدمتها محافظة حضرموت التي تشهد تحَرّكاً محموماً لتحويلها إلى مستعمرة أمريكية.
وتفيدُ المعطياتُ الميدانيةُ الجديدة بأن حضرموت أصبحت تحت السيطرة الأمريكية المباشرة، حَيثُ كانت المحافظة واحدة من أهم المقاصد الأمريكية، وكان مخطّط تقسيمها هو الآلية الأمثل لبلوغ مقاصد السيطرة والاحتلال، حَيثُ تجددت الأطماع الأمريكية في المحافظة النفطية، في ظل الانقسامات الحادة التي تشهدها المحافظات الواقعة تحت الاحتلال، وقد عمدت القوات الأمريكية إلى التواجد في حضرموت بمزاعم تفقد مشاريع خدمية، حَيثُ قام ضباط أمريكيون يرتدون البزة العسكرية بزيارة لمديرية بروم الساحلية، والتقوا بقيادات المرتزِقة فيها، وتحت مسمى فريق الشؤون المدنية بالقوات الأمريكية، قادمين من القاعدة التي يقيمون فيها داخل مطار الريّان المحتلّ منذ العام 2016م.
وترجمةً لتوجّـهات واشنطن وسيناريوهاتها التوسعية، تؤكّـد مصادر سياسيةٌ أن الظهورَ العسكري الأمريكي بمديرية بروم ميفع على علاقة بمسألة بقاء المديرية مرتعاً خصباً للتنظيمات الإرهابية الإجرامية “القاعدة وداعش” المنتشرة عناصرهما في جبال ووديان وشواطئ المديرية، مشيرة إلى أن القوات الأمريكية تتخذ من تنظيمي “القاعدة وداعش” مبرّراً لفرض وجودها العسكري في أية منطقة في العالم بما في ذلك اليمن أَيْـضاً.
وتعملُ أمريكا على تنفيذ سيناريو السيطرة على المحافظات الجنوبية بإدارة من دول العدوان، وذلك بمنح التنظيمات الإرهابية في حضرموت دوراً مهماً في المرحلة المقبلة، بعد أن تحولت مدينة المكلا خلال الأعوام الماضية إلى محطة رئيسة للأمريكيين، ووجهة لتحَرّكاتهم المكثّـفة والمتلاحقة، قام بها أمريكيون خلال الفترات الماضية إلى حضرموت التي استقبلت وفوداً أمنية وعسكرية أمريكية، ظلت لفترة طويلة سريةً وغيرَ معلنة، وتدريجيًّا بدأ الكشف عن هذا الوجود بتصريحات رسمية من قيادات ومسؤولين أمريكيين وصلت حَــدّ الاعتراف بمشاركة القوات الأمريكية بعمليات وصفتها بالمحدودة في العدوان على اليمن وتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة ضد الشعب اليمني.
تحَرّكاتٌ مرصودة
ورداً على التحَرّكات الأمريكية في بروم ميفع، يؤكّـد عضو المكتب السياسي، علي القحوم، أن تدفق القوات الأمريكية إلى محافظة حضرموت، يثبت زيف تصريحات واشنطن بشأن السلام في اليمن، ويكشف نوايا أمريكية سيئة.
وبرأي القحوم في منشور له على تويتر، فَإنَّ أمريكا تثبت يوماً بعد آخر سلوكَها العدواني ونواياها الخبيثة، في تناقض مفضوح مع مزاعمها حول السلام في اليمن حَيثُ تتدفق قوات أمريكية إلى المكلا وحضرموت الوادي، مؤكّـداً أن التحَرّكات الأمريكية في المكلا، والجولات الاستطلاعية في مناطق الضبة والشحر ومنطقة فوه ثم مديرية بروم الساحلية، تحَرّكات مشبوهة لتلك القوات التي تضاف إلى أُخرى مماثلة تتواجد بشكل دائم في مطار الريان في المكلا وحضرموت، مبينًا أن تلك التحَرّكات مرصودة، ولن يقبل بها الشعب اليمني، داعياً إلى ضرورة التحَرّك لمواجهة المخاطر والتحديات المحدقة بالبلد وإنهاء مشاريع الاحتلال.
ويشير القحوم إلى أن الأمريكيين يتحدثون علناً عن دعم الهُدنة، بينما يمارسون سلوكاً عدوانياً، ويستعدون للتصعيد ضد الشعب اليمني، لافتاً إلى أننا نعي خطورة هذه المعركة، ولا يمكن أن يكون هناك سلام من دون إخراج كُـلّ المستعمِرين واستعادة ثرواتنا.
وَتكشفُ الخارطةُ العسكرية عن وجود عدد كبير من الجنود الأمريكيين داخل مطار الريان، مع قوات كبيرة من المدرعات والأسلحة والمعدات العسكرية والاستخبارية، وتكشف أَيْـضاً عن وجود طائرات متعددة، وتسجل المصادر رحلات عسكرية أمريكية شبه يومية من المطار وإليه، بعدما حولته القوات الأمريكية إلى قاعدة محتلّة.
وتفيد المعلومات بأن عناصر من القوات البحرية الأمريكية تتواجد في معسكرات مديريتي «رماه» وَ«ثمود»، التي قامت باستلامها من قوات دويلة الاحتلال الإماراتي عام 2019م والإقامة فيها.
وتتواجد القوات الأمريكية في مطار الريان منذ سنوات، ومن بين تلك القوات وحدات من البحرية الأمريكية والتي ما زالت تسيطر على مدينة غيل باوزير، وتتحكم في نقاط تفتيش وحواجز، عقب تمشيط شوارع المدينة في 2021م، وقد أظهر هذا الانتشار الحجم الكبير للتواجد العسكري الأمريكي في مديريات الساحل، بالإضافة إلى القوات الأمريكية التي تتمركز في مطار الغيضة الذي يعد هو الآخر قاعدة عسكرية أمريكية بريطانية في المهرة، كما أن القوات الأمريكية أنشأت مدرجاً عسكريًّا في مطار الريان بطول يقدر بـ ٣٥٠ م، يتم استخدامه لقدوم أكثر من رحلة يومية ليلية وفي ساعات متأخرة بطائرات نوع C-130 والمعروفة بحمولتها الكبيرة والمخصصة للنقل العسكري.
ترتيباتٌ أمريكية
لا يخفى تركيزُ الولايات المتحدة الأمريكية على محافظة حضرموت، ومساعيها لتحويلِ هذه المحافظة إلى قاعدة متقدمة في شبه الجزيرة العربية والمنطقة، تحتَ ذريعة مكافحة الإرهاب.
وتزعُمُ الولاياتُ المتحدة أن انتشارَ قواتها هو بغرض مواجهة تنظيم القاعدة، لكن ما يدحض هذه المزاعم هو أن التحَرّك الأمريكي في حضرموت الذي لا يقتصر فقط على مجموعة محدّدة من الأفراد أَو الاستشاريين كما قال بايدن في تقريره الأخير المرسل إلى الكونجرس، فإلى جانب تواجد هذه القوات وتدخلها في كُـلّ شؤون المحافظة وُصُـولاً إلى المديريات، يكثّـف المسؤولون الأمريكيون زياراتهم إلى حضرموت، ولقاءاتهم مع مكونات حضرمية، بشكل علني أَو غير علني.
وَرصدت صحيفة “المسيرة” عدداً من الزيارات واللقاءات العلنية لهؤلاء المسؤولين، وذلك على النحو التالي:
يونيو 2022 السفير الأمريكي ستيفن فايجن ينفذ زيارةً إلى حضرموت.
مارس 2022 المبعوث الأمريكي لليمن يزور حضرموت برفقة القائمة بأعمال السفير في سفارة الولايات المتحدة.
26 أُكتوبر 2021 زيارة سريعة للقائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن كيثي ويستلي برفقة السفير السعوديّ إلى محافظة حضرموت لتفقد تجهيزات القوات الأمريكية في مطار الريان.
يوليو 2020 جنيد منير نائب السفير الأمريكي لدى اليمن يلتقي وفد حضرموت بالرياض وتم تبادل الرأي حول الرؤية السياسية لحضرموت إلى جانب التطرق إلى تحديات الأوضاع الأمنية والخدماتية.
فبراير 2020 السفير الأمريكي لدى اليمن يلتقي المرتزِق الموالي للإمارات ناصر الخبجي في الرياض ويطلب منه دعم ما يسمى النخبة الحضرمية.
نوفمبر 2019 السفير الأمريكي يزور حضرموت.
أُكتوبر 2019 سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى اليمن، كريستوفر هنزل، يلتقى المرتزِق فرج سالمين البحسني بالرياض.
يوليو 2019 نائب السفير الأمريكي جنيد منير ويرافقه مساعد وزير الخارجية لشؤون النزاعات وعمليات الاستقرار دينيس ناتالي يصلان إلى مدينة المكلا.
فبراير 2019 السفير الأمريكي يلتقي ما يسمى بكتلة حضرموت في الرياض.
نوفمبر 2018 السفير السعوديّ يصحب السفير الأمريكي إلى حضرموت.
ولهذا أصبحت محافظة حضرموت تحتل واجهة اهتمام الإدارة الأمريكية المتعاقبة، والتي أظهرت اهتماماً استثنائيًّا بها، ليس منذ بدء العدوان في العام 2015 بل منذ العام 2011، وهو ما بدا جليًّا من خلال الزيارات المتكرّرة للسفير الأمريكي لحضرموت وتدخلاته في أمورها.
وبخصوص المخطّطات الأمريكية الرامية إلى السيطرة على محافظة حضرموت الثرية بالنفط والسواحل الشرقية لليمن، تؤكّـد مراكز الدراسات والبحوث الدولية أن واشنطن بدأت بتنفيذ مخطّطها بشكل رسمي، في إطار مخطّط سابق للسيطرة على المحافظات النفطية وسواحل اليمن الشرقية الاستراتيجية المطلة على بحر العرب والمحيط الهندي، نتيجة الوضع السياسي الحاصل في الحرب الروسية على أوكرانيا وما لها من تداعيات في أزمة الغاز والنفط، حَيثُ أعادت تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على قطاع الطاقة العالمي، ملف النفط والغاز المسال في اليمن إلى الواجهة، بعد بروز مؤشرات عدة على اهتمام أمريكي وأُورُوبي بإعادة إحياء صادرات النفط اليمني المتوقفة منذ نحو ثماني سنوات، يأتي ذلك في إطار المساعي الأمريكية لإيجاد منافذ مختلفة لتصدير الغاز المسال عالميًّا.
ومن هذا المنطلق، تواصل أمريكا مساعيها لنهب النفط الذي يعد من أهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها عقب السيطرة على محافظة حضرموت ومنابع النفط فيها، بالإضافة إلى السيطرة على السواحل الشرقية والتحكم بخط الملاحة في بحر العرب، ولهذا فَإنَّ أمريكا وضعت حضرموت ضمن أهم أهداف احتلالها منذ وقت مبكر، ففي العام 2011 تمكّنت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، من إنشاء غرفة عمليات قالت إنها لمكافحة القرصنة، إلا أنها أعلنت أن الغرفة تعرّضت للتدمير في العام 2013 عقب اقتحام العناصر الأمريكية المتمثلة في التنظيم الإرهابي بعملية تفجير انغماسية لمقرّ المنطقة العسكرية الثانية في المكلا، لكن إسقاط المكلا حينها من تنظيم القاعدة الإجرامي والسيطرة عليها استمر حتى بداية العدوان على اليمن وانسحاب القاعدة بمفاوضات جرت بتنسيق أمريكي.
وتتصاعد التحَرّكات المكثّـفة منذ مطلع العام الحالي 2022، باتّجاه قطاع النفط والغاز في محاولة لفرض واقع جديد على المناطق الغنية بالثروات الباطنية، فضلاً عن إعادة النظر في عقود الشركات والاستثمارات النفطية والغازية، والتخطيط لإعادة تشغيل حقول ورفع مستوى الإنتاج في أُخرى سبق أن أُعيد تشغيلها بصورة جزئية، ولهذا يلاحظ اشتعال الصراع بين مرتزِقة العدوان في شبوة وبشكل نسبي في حضرموت، وهو مرشح أن يمتد خلال الفترة القادمة وفق خبراء اقتصاد ومرافق إلى مأرب خلال الفترة القادمة.
إن الأحداثَ الجارية على الأرض “عبارة عن فرض واقع جديد مخطّط له منذ بداية العدوان عام 2015، الذي وصل الآن إلى ذروته بعد الإعلان عن مجلس الارتزاق في الذي تم تشكيلة في الرياض، للإشراف على تنفيذ هذا المخطّط وفق أهداف وأجندة أصبحت واضحة وجلية في المساعي الرامية إلى السيطرة على النفط وتمكين القوات الأمريكية من زمام الأمور في المواقع الاقتصادية والحقول النفطية، وخُصُوصاً في شبوة وحضرموت وموانئها ومنافذها البحرية”.
وتشكل شبوة تحديداً وحضرموت أهميّة كبيرة في الخريطة النفطية لليمن، باحتوائها على ما يزيد على 17 حقلاً نفطياً، منها حقول منتجة وأُخرى قطاعات واعدة ومفتوحة للاستكشاف.
وبحسب مركز الدراسات والأبحاث النفطية، فَإنَّ الهدفَ القادمَ من السيطرة على الأرض يتمثل بميناء بلحاف في شبوة، وكذلك إعادة تشغيل مشروع الغاز المسال وخطوط الإمدَاد والتصدير بين مأرب وشبوة بضغط من أمريكا.
ويرى اقتصاديون أن ما يجري فرضُ أجندة سياسية واقتصادية جديدة لتنفيذها خلال الفترة القادمة، في المناطق النفطية التي يصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتيَاز في اليمن إلى 105 حقول يتركز معظمُها في محافظات مأرب وحضرموت وشبوة وجزء من محافظة الجوف (شمال شرق صنعاء)، منها 13 حقلاً تخضع لأعمال استكشافية و12 حقلاً منتجاً وحوالى 81 حقلاً قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب أغلبها في المياه اليمنية.
ولذلك فَإنَّ المناطق الشرقية لليمن تحولت إلى بؤر صراعات ساخنة ومواجهات عسكرية، والهدف هو مثلث النفط والغاز، بأن هذه الصراعات ستدور رحاها من وقت إلى آخر في المثلث الجغرافي النفطي الذي يشمل محافظات شبوة ومأرب وحضرموت، في مغزى واضح يدل على طابع هذا الصراع الذي يرتكز في الهيمنة على حقول النفط والغاز، وما تمثله هذه المناطق من مواقع استراتيجية يستند إليها الاقتصاد اليمني.
سباقٌ وسيطرة
في إطار تحقيق الأطماع الأمريكية على ثروات اليمن الاقتصادية من النفط والغاز والتي كانت ضمن أجندتها ومخطّطاتها التآمرية في شن العدوان على اليمن، تؤكّـد مصادر تاريخية أن الأطماع الأمريكية في محافظة حضرموت ليست وليدة اليوم، بل ظهرت منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، والتي بدأت ترجمتها من خلال إرسال شركات للتنقيب عن النفط بالتعاون مع المستعمر البريطاني في جنوب اليمن، وفي مقدمة تلك الشركات شركة “بان أمريكان” والتي أعلنت في العام 1961م وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود.
وبخصوص الأهداف والدلالات لظهور القوات الأمريكية في حضرموت، تؤكّـد التقارير أن ذلك تأكيدٌ على حقيقة الدور الأمريكي في العدوان على اليمن، وامتداداً للصراع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وظاهرة للسباق وللسيطرة على مناطق طريق التجارة العالمية، فموقع اليمن الجيوسياسي الاستراتيجي يظل حاضراً وبقوة في كُـلّ الجولات والميادين وفي كُـلّ حفلات التنافس الإقليمية والدولية.
لذا فَإنَّ التحَرّكات الأمريكية المكثّـفة في محافظة حضرموت الغنية بالنفط والغاز، هدفها تعزيز الوجود الأمريكي في الجنوب وبسط النفوذ على السواحل اليمنية وزيادة التحَرّكات الأمريكية تؤكّـد حقيقة الأطماع الأمريكية في اليمن، واستكمال نهب ثروات الشعب اليمني الطبيعية.
ولهذا ظلت أمريكا دائماً تنظر إلى اليمن كموقع استراتيجي يمكن من خلاله السيطرة على الملاحة الدولية والتحكم بخطوط التجارة العالمية، ومد جغرافية الحضور بما يمنحها امتيَازات السيطرة على أهم مفاصل طرق التجارة الدولية ونقل الطاقة، مضافاً إليها مخزونَ الثروات الهائلة في اليمن، فتضمن بذلك أوراق الضغط على تجارة الصين الذاهبة إلى القارة الأفريقية والأُورُوبية وضمان قطع الطريق على خطوط نقل الطاقة الروسية التي تطمحُ روسيا لإنشائها من خلال الاستثمار في مجال الغاز والنفط في الـيمن وربطها بخط غاز المتوسط وتوصيله إلى أُورُوبا، أَو تحويله إلى آسيا للدول التي لا يصلها خط “قوة سيبيريا”، كما تضمنُ بقاء دول أُورُوبا العظمى في دائرة التبعية لها، وبذلك تكون أمريكا صاحبةُ اليد العُليا في التحكُّم بالمصير العالمي أمام أقوى الخُصُوم الدوليين.