اليمنُ والمتحوِّلُ الدولي..بقلم/ عبدالرحمن مراد
وافقت صنعاء على الهُـدنة في صيغتها الأولى والثانية، وهي الأكثر قوة وتمكيناً، فلم تشغل بالها بالتفاصيل الصغيرة، ولم تمل إلى الدعة والاسترخاء، بل واصلت العملية الجهادية من خلال فكرة الموجه القرآني في قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ”، ولذلك تعددت العروض العسكرية، وكانت تبدو للمشاهد أنها أكثر قوة وانضباطاً من ذي قبل، إذ ثمة مؤشرات تبعث رموزها للعالم أن جيشاً وطنياً قوياً ومتمسكاً بالقرآن كمنهج وسلوك ومرشد يتم إعداده اليوم في اليمن، واستطاع الرئيس من خلال تلك المشاهد أن يبعث رسائله لقوى العدوان وهي رسائل واضحة المعاني، من خلال الاستناد إلى تراكم الأحداث والمعطيات في سنوات العدوان الماضية، مفادها أن الحرب ليست قضية بالنسبة لليمن، فاليمن تعتادها وتخوض ويلاتها والتاريخ يشهد لها بذلك، وهي أقرب إلى السلام لمن أراد السلام الحقيقي الذي لا ينتقص من قيمة اليمن وكرامة أهله.
ويبدو العالم من حولنا قد تلقى الرسائل بشكل دقيق، فالعالم يخوض صراعاً اليوم في أكثر من مكان، وتقود روسيا والصين مرحلة التحولات التي تقلق أمريكا ونعالها، ولذلك كانت زيارة الوفد المفاوض إلى روسيا ذات مؤشرات كبيرة في معايير التفاعل الدولي، فأمريكا ترى في الشواطئ والموانئ اليمنية مناطق ذات أبعاد استراتيجية بالنسبة لصراعها مع الصين، ومع الروس، وهي تشعر بالقلق إذَا حدث تقارب بين اليمن وبينهما، فالسياسة الأمريكية في هذه المرحلة تتجه إلى فرض سياسة السيطرة والخضوع في المنطقة تحت عنوان معلن وهو “سلام أكثر، حروب أقل”، ويبدو أن أمريكا قد فقدت أسباب الثقة وعواملها في المنطقة فالمؤشرات تقول إن عملاءها في المنطقة التي تحرص على سلام أكثر وحروب أقل فيها قد وجدوا في روسيا بديلاً محتملاً يحد من غطرسة البيت الأبيض، لذلك سارع الكثير إلى زيارة موسكو ورفضوا الضغوط التي مارستها الكثير من عواصم مجموعة السبع في وضع حلول لتداعيات حركة الاقتصاد العالمي التي تركتها حرب الروس مع أوكرانيا.
هذا المناخ أربك الملفات كلها على الغرب فقد سارع الاتّحاد الأُورُوبي إلى تقديم مقترح لتفعيل الاتّفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة وربما وصلوا إلى حَـلّ بضمانات دولية، فإيران اليوم تمسك بزمام المبادرة في ملفها النووي بعد كُـلّ هذه التطورات والغرب أصبح يحتاج نفطها وغازها حتى يسد به الفراغ الذي تركه الروس في السوق العالمية، وأمريكا تحث خطاها اليوم إلى فرض هيمنتها على مصادر الطاقة في العراق وسوريا وفي اليمن، ففي اليمن بدأت حركة سيطرتها من شبوة وتعمل على الوصول إلى حضرموت ومن ثم مأرب، فقد كانت سيطرتها جزئية محكومة ببعض المزايدات لكنها اليوم تفرض هيمنة كلية عن طريق الجماعات الاستخبارية التي جمع شتاتها ما يسمى بلواء العمالقة، وصنعاء من خلال عروضها العسكرية كانت تلوح بالخيار العسكري لنزع السيادة الوطنية من بين أنياب المستعمر الجديد كما قالت بكل وضوح على لسان رئيس الوفد الوطني: إنها لن تترك ثروات اليمن تنهب بدون رادع يمنع مثل هذا السلوك الانتهازي والمستغل.
صنعاء اليوم أضحت أكثر قوة وتقبض زمام المبادرة بيدها وهي أكثر تمكّناً من ذي قبل ففي حال استمر العدوان في غيه وقصفه واستغلاله، فهي بصاروخ واحد لأرامكو وآخر إلى الإمارات قد تحدث أزمة في الاقتصاد العالمي غير مسبوقة ولذلك ففكرة سلام أكثر وحروب أقل هي الفكرة الغالبة في منطق العدوان اليوم خوفاً وهلعاً خَاصَّةً مع قدوم الشتاء وتزايد الطلب على الغاز في الغرب.
تملك صنعاء اليوم من خلال التلويح بالخيار العسكري ومن خلال حركة الاستعداد والقوة بالإضافة إلى الرصيد التراكمي للصورة الذهنية في المتخيل العام العالمي والرأي العام العالمي القوة اللازمة والكافية لتحقيق المطالب المشروعة في الحرية والاستقلال ورفع الحصار والتعويضات وصرف المرتبات فالكرة أصبحت في مرماها، وهي تملك من الدهاء السياسي ما يجعلها تصل إلى التحرير الكامل للوطن من المستعمر بدون تكاليف إضافية ولا تضحيات جديدة لكن بالاستناد إلى تراكمات السنوات الماضية التي خاض شعبنا فيها معركة وجوده ببسالة وتَحَدٍّ وتوظيف الظرف الدولي بما يحقّق لها الانتصار السياسي.
من المستحيل اليوم أن تعود دول العدوان إلى الخيار العسكري وفق كُـلّ المعطيات الدولية ومؤشرات الواقع، وهذا أمر أصبح معلناً كسياسة أمريكية، فهم يسعون إلى خفض التوتر في المنطقة العربية وعدم السماح للروس والصين من سد الفراغات فيها ولذلك يحاولون تحسين صورتهم في واقع ذاق مرارة بشاعتهم.
الجيش اليمني في حفلات الاستعراض التي حدثت خلال سوالف الأيّام لم يكن يستعرض قوته بل كان يعلن انتصاره في الميدان ومذكراً الساسة بتضحياته مع استعداده الكلي لخوض معركة الاستقلال والسيادة إذَا لزم الأمر، وبدأت المعركة السياسية التي سوف ننتصر فيها -إن شاء الله-، والله غالبٌ على أمره ولو كره المشركون.