ماذا رأى زيد؟!
صالح مقبل فارع
◾️ما إن فتح زيدٌ عينَيه على الحياة حتى رأى ظلمًا يمارسُه بنو أمية ضد الناس عامة وضد أهل البيت عليهم السلام خَاصَّة، ظلمًا لا يطيقه، ظلمًا متنوعاً بين: حبس، وقتل، وتشريد، وفقر، وبُعدٍ عن الدين، ونهب ثروات البلاد وتقسيمها على الخَاصَّة والأمراء من البيت الأموي وغير ذلك.
◾️رأى بني أمية يقتلون آلَ بيت رسول الله بدون تهمة وبدون سبب فقط إلا لأَنَّهم من بني هاشم ومن آل البيت.
◾️رأى الفَجَرةَ والفاسقين من بني أمية وولاتَهم هم المتولّون على رقاب الأُمَّــة، وهم قادة المسلمين، وهم الخلفاء، وهم المُخوّل لهم التكلُّم باسم المسلمين.
◾️روى له أبوه مذبحة كربلاء وما حصل لجده الحسين وأعمامه وأولاد جَدَّيه الحسن وعلي وبقية بني هاشم وأصحابه الخيّرين، وماذا حصل بعد ذلك لجدته زينب الحوراء ولبقية نساء آل البيت عليهم السلام من ذل ومهانة وتطواف من بلد إلى بلد، فكُشِفت ستورُهن وهُتِكت خُدُورهن، وكُنَّ كما قال الشاعر:
نساء زياد في القصور مصونة ★ وآل رسول الله في الفلوات.
فَلم ينسَ زيدٌ تلك المأساة وذلك الظلم.
◾️وروى له أبوه أَيْـضاً بأن جيشَ يزيد استباح المدينةَ المنورة ثلاثة أَيَّـام، فقتل أولاد الصحابة بالمئات، وافتض العذارى من البنات المخدرات من بنات الصحابة والتابعين، ووصل عددهن إلى 800 بنت من بنات مدينة رسول الله.
◾️وروى له أبوه أَيْـضاً بأن الوزغَ بن الوزغ الملعون بن الملعون -بلسان رسول الله- أصبح أميراً للمؤمنين.
◾️عاصر زيدٌ عبدَالملك وواليَه الحجاج، وما أدراك ما الحجاج؟!، فرعون هذه الأُمَّــة، الظالم الغشوم الطاغية الجبار الذي قتل الآلاف من العلماء والمصلحين والمواطنين والرعايا بدون سبب.
◾️عبدالملك بن مروان، الذي قال عنه ابن أخيه عمر بن عبدالعزيز: عبدالملك بالشام، والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وقرة بن شريك بمصر، وعثمان بن حيان بالحجاز، مُلِئت الأرض واللهِ جورًا.
◾️رأى الحجاجَ وهو يُصدِرُ قرارًا أميرياً بأنه يُمنَعُ أي شخص يولد له مولود بأن يسميه عليًّا، فقد أصبح اسمُ “علي” جريمةً عقوبتُها الإعدام.
◾️زيد رأى خطيبَ المسجد النبوي وهو يلعن جَــدَّه علي بن أبي طالب وجدته فاطمة الزهراء والحسن والحسين مِن على منبر رسول الله، والناس تحته ساكتين لا يستنكرون أَو يغضبون أَو يغيرون، أَو ينكرون المنكر.
◾️رأى الوليد بن عبدالملك ظلومًا، غشوماً، سفاحًا، يُغيّر في أوقات الصلاة وهذا من أنكر المنكرات، والناس والعلماء ساكتون لا يفعلون شيئاً.
◾️رأى سليمان بن عبدالملك، وهو يقتُلُ الفاتحين وقادات الجيوش ويحبسهم ويصدر قرارات بمنع مواصلة الفتح.
◾️رأى يزيد بن عبدالملك وهو يلهو ويسكر ويطرب ويلعب مع جاريته حبابة، وقد شغفها حبا، رماها بحبة عنب، فوقعت في حلقها فشرقَت “شرغت” بها وماتت، فمات بعدها بيسير أسفًا عليها، ونبشها بعد الدفن، ولم يدفنها حتى تغيرت ريحتها.
◾️رأى هشام بن عبدالملك بخيلا، حسودًا، ظلوما، غشومًا، فظّا، غليظًا، شديد القسوة، بعيد الرحمة، طويل اللسان، غير آبهٍ بأمر الرعية.
◾️رأى الدولة الأموية ليست عادلةً في توزيع الوظائف، فقد اقتصرت الوظائف فقط على العرب، أما الموالي “غير العرب” وهم السوادُ الأعظمُ من المسلمين، فلا يستحقون أية وظيفة؛ لأَنَّهم مواطنون من الدرجة الثالثة.
والموالي هم المسلمون غير العرب، مثل أهل مصر الأصليين، أهل سوريا الأصليين، البربر، أهل إيران الأصليين، أهل أفريقيا، العبيد الذين تحرّروا، السود، الشعوب الشرقية، كُـلّ هؤلاء كانوا يُطلقون عليهم “الموالي” في عهد الدولة الأموية.
حرمتهم الدولة من كُـلّ شيء، وسلبتهم كُـلّ حقوقهم، حرمتهم من الفيء وجميع الغنائم لم يعطوهم شيئاً منها، أَو يعطوهم قَسمهم مثل بقية العرب، حرمتهم من التجنيد، فلا يحق لأي مولى أن يتجنَّدَ ويلتحق بالجيش الإسلامي الفاتح، حرمتهم من الوظائف والمناصب والمرتبات، كُـلّ هذا حصل في الدولة الأموية وكل هذا الظلم حصل على مرأى ومسمع من زيد بن علي ومن بقية العلماء والفقهاء المعاصرين له.
فأين العدالة إذن؟! أين المساواة في الحقوق والواجبات؟ أين تطبيق الشريعة الإسلامية القائلة بأن الناس سواسية كأسنان المُشط، ولا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، والناس من آدم وآدم من تراب. إن لم يكن هذا ظُلمٌ، فما هو الظلمُ إذًا؟!
◾️رأى الأسرةَ الحاكمةَ هي المُستحوذةَ كليًّا على كُـلّ ثروات الدولة وممتلكاتها، والناس فقراء لا تعطيهم شيئاً.
◾️رأى انحرافًا فكريًّا في الأُمَّــة الإسلامية وضلال يسود دينهم، وعقيدة الجبر تنتشر في الأُمَّــة كالهشيم.
◾️رأى الناسَ تركوا الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر.
◾️رأى السجون ملأى بالصالحين والعلماء، ورأى السكارى أحراراً.
◾️رأى الأمرَ وُسِّد لغير أهله، وتولى على الخلافة مَن لا يستحقّها، وتربّع على عرش المسلمين من ليسَ كفؤا، وتسمّى بأمير المؤمنين مًن ليس بمؤمن، ولا يمُت إلى الإيمَـان بصلة.
◾️رأى آل البيت خائفين مرعوبين، مراقَبين، مُطاردين، فقراء.
◾️رأى ثمانية من سادات بني هاشم يُصلّون بثوب واحد يتداولونه فيما بينهم، لشدة فقرهم، ولعدم استطاعتهم شراء ثوب آخر يسترون به عوراتهم.
◾️رأى بنات بني هاشم وبنات رسول الله لا يملكن إلا ثوباً واحداً للصلاة، ولا يجدن ما يأكلن من طحين وبر وقمح، فكانت تمر الأشهر تلو الأشهر ونارهن لم توقد، ومطابخهن طافية وفاضية، والعرابيد يتبذرون بالمال هنا وهناك، ويقضون لياليهم في شرب الخمر والرقص واللهو والغناء وجلب المغنيات والفاتنات والجواري من كُـلّ أصقاع الأرض.
◾️رأى زيد كُـلّ ذلك فكيف لا يثور؟، وكيف له أن يسكت؟
هيهاتَ له ذلك وهو حليف القرآن!.
هيهاتَ له ذلك وهو ابن رسول الله وابن علي وابن الحسين.
هيهاتَ له أن يسكت على المنكر وهو من بيت النبوة.
هيهاتَ له ذلك وهو الذي تربّى على موائد القرآن، فالقرآن حرّكه وأمره بالخروج، فخرج ثائرًا ضد الظلم والظالمين، ونصيرًا للمستضعفين من أُمَّـة محمد، وإصلاحا لأمة جده رسول الله.
لم يكن همُّه الملك! أَو ثأراً أَو انتقاماً مما حَـلّ بآل البيت في كربلاء، أَو غضباً لنفسه، بل كان همّه إصلاح أُمَّـة محمد، فخرج غضبًا لله ولرسول الله.