الهُدنة الأممية.. كذبُها وزيفُها وحقائقُ واقعها..بقلم/ عبد القوي السباعي
في الآونة الأخيرة، كانت هناك محاولتان لقول الحقيقة في قضية الهُدنة الإنسانية والعسكرية ومسار تمديدها على النحو الذي يُفضِي إلى سلامٍ حقيقي، سلام شامل وعادل في عموم اليمن، لكن وما هو واضح أن القوى الدولية الداعمة والراعية للهُدنة نفسها، هي غير مستعدة أَسَاساً لمواجهة هذه الحقيقة.
وفيما رأى جميعُ المراقبين للشأن اليمني والمتابعين لمسار المعارك الميدانية واعتقدوا جازمين، على أن انتصارًا عسكريًّا للجيش واللجان الشعبيّة، وسياسيًّا لأنصار الله، كان وشيكاً، وكان سينتهي بنهاية العدوان والاحتلال من كُـلّ الأراضي اليمنية، غير أنها سبقته بخطوة إلى الأمام تلك المساعي الدولية الرامية إلى وقف الحرب والدعوة لهُدنة مؤقتة.
إذ أراد الأمريكي والسعوديّ الخروج مؤقتاً من الحفرة العسكرية والسياسية والاقتصادية التي غرقوا فيها بعد فشل محاولات إركاع صنعاء على مدى أكثر من سبع سنوات، فدعوا وحشدوا الصديق والعدوّ إلى صنعاء لإقناع قيادتها بقبول الهُدنة، والتي اشترت إعجاب وإكبار كُـلّ الأحرار، بقبولها هذا العذر المتمثل بالهُدنة رغم علمها أنها حجّـة تبرّر الحروب الصغيرة التي تشن عليها منذ ذلك الوقت بين حين وآخر متمثلة بخروقات يومية، وُصُـولاً إلى شن الحملات الدعائية والنفسية الهادفة إلى خلق فجوات في صفوفها، والتشويه وتأجيج الشارع باسم المطالب الحقوقية، وقضايا الفساد وغيرها، والتي أتت انعكاساتها بالجملة على قطاعات مختلفة.
لكن هذه الحملات فشلت بشكل رئيسي؛ بسَببِ الوعي والإدراك الجمعي للشعب اليمني والميزة الأمنية الواضحة اليوم، وهذا ليس اختباراً للقدرة والشجاعة والتماسك، بل هو انعكاس لقدرة صنعاء على تصميم أدَاة سياسية للوعي محصنة وغير قابلة للأفكار المعادية، وما عادت تسمح لولوج مثل هكذا استهداف، بينما في المقلب الآخر نجد أن شهور الهُدنة عززت من دخول الأدوات المحلية المرتبطة بدول تحالف العدوان دائرة مفرغة من الصراع والتآكل البيني والتي لن تتوقف أبداً عن النزيف، حتى تصل إلى التقسيم والتقاسم، كلّ بمستوى نفوذه وسيطرته ومدى تشبثه بما في حوزته من الأرض، كوكيلٍ معتمد وممثل ظاهري للأجنبي، الذي سيمنحه صك التملك؛ كونه قد فاز عن جدارة وقدم الدماء لذلك.
لكن.. ولتهدئة النفوس الضالة تقول وتؤكّـد قيادة صنعاء وحكومتها وجيشها ولجانها، إنها لن تتخلى عن حبة رمل من تراب اليمن، وقرأنا ما قرأناه من الرسائل والدلالات في العروض العسكرية مفتتح العام الهجري الجديد، وبات من المفترض على الوطنيين أَو من يدعون ذلك، في الجانب الآخر بدلاً من مكوثهم مذهولين في سكرة الصدمة، أن يقوموا بتعويض ما فاتهم من تقصير واستحقاق وطني، والتفرغ للانتقال من مسببات الصدمة إلى القضايا المصيرية المشتركة داخل الخط الوطني الأخضر الذي تقوده صنعاء وذلك بطرق متنوعة، عسكريًّا واقتصاديًّا بشكلٍ رئيسي وسياسيًّا وثقافيًّا، والتوقف عن العيش في كذبةٍ لطالما تغنوا بها أن “تحالف العدوان جاء بأمر من عند الله”، ومن أجل إعادة شرعية هم لا يعترفون بها البتة.
فأخطر كذبة تواجههم على الإطلاق، هي الاستمرار بالتماهي مع مخطّطات ووعود وادِّعاءات دول العدوان بأن صنعاء ترفض أي ترتيب وأية تسوية، فالحقائق جميعها تؤكّـد أن أُولئك هم من يرفضها بانتظام وبذرائع متنوعة، لسبب بسيط هو أن الترتيب والتسوية تعني لهم نوعاً من التنازل والانسحاب إن لم تكن هزيمة الهزائم.
ليعلم الجميع أن الهُدنة جاءت لتمرير مزيد من الوقت للأوراق والأدوات الميدانية الموثوقة، والتي عملت بدأب خلال الفترة الماضية على تصفية الشركاء غير الموثوقين وتحاول اليوم التوفيق بين حفلات الزفاف الدموية وبين السلام، وُصُـولاً إلى الكذبة الأكثر ضرراً على الإطلاق، على تلك الأدوات، والمتمثلة في توحيد الشركاء ولملمت صفوفهم وكياناتهم المسلحة، غير أن الحقيقة واضحة، إذ لا يوجد شريك في هذا التزاوج.. سوى المحتلّ الأجنبي بكل أطماعه وأهدافه.
فمجلس العليمي، بشخوصه المتعددة وغير المتجانسة كعملاء فوضى تترعرع وتزدهر على تقويض الأمن ولا تمتلك أدنى اليقين الشخصي والوطني، والذي جاء ليس؛ مِن أجلِ تدعيم الشراكة الوطنية بل لفضها ونسفها، واشترى وهم السلام المزعوم والمؤقت من التحالف الأمريكي الخليجي، مقابل حلم الدخول مع صنعاء في شراكةٍ “كونفدرالية”، وهو الأمر الذي تعتبره صنعاء خيانة لن تسمح بمرورها.
إدراكاً منها أن تقنية النظام الأمريكي المكشوفة لتفتيت الدول وتدميرها تأتي في سياق ما يسمى مكافحة الإرهاب بدءً بالتدخل المباشر وخلق الفوضى وتغذية الصراعات، وُصُـولاً إلى تكثيف أي حدثٍ إلى مستوى التهديد الوجودي، بحيث تفرض على جميع دول المنطقة أن يكونوا شركاء في الحرب على الإرهاب في جميع القطاعات، وهذه هي طبيعة الأنظمة العميلة التي تستخدمها أمريكا ككلاب بوليسية، تخدم بشكلٍ مباشر وغير مباشر إمّا غرضاً أيديولوجياً وسياسيًّا أَو هدفاً استراتيجياً واقتصاديًّا لها.
ولكي يتم التخلص من قيادات وعناصر في حزب “الإصلاح” المدعومة سعوديّاً، كورقةٍ انتهت فترة صلاحيتها، ومن أجل إثبات أن قيادة التحالف تتعامل مع جميع الإرهابيين على نفس المسار الأمريكي، سيدفع ابن سلمان وابن زايد المنطقة المحتلّة من اليمن إلى أن تكون نقطة ساخنة دائمة التوتر والصراع المسيطر عليه، وهذه هي سياسة قوى الهيمنة العالمية في المراوغة والتصعيد وتغذية الصراع ونهب ثروات الشعوب، وهي لا تختلف جوهرياً عن تقنية التهرب والكذب الأممي بمنظماته المختلفة التي تغسل كُـلّ عار وعمل إجرامي ومخطّط استعماري وتضفي عليه مسوح المشروعية.
بقي في النهاية أن ندعو تلك القوى المستهدفة في المناطق المحتلّة، أن تعي حجم المؤامرة التي تحاك ضدها وأن لا تحاول التشبث بخيارات هي لاستأصلها أقرب، وعليها أن تتجه اليوم قبل غدٍ إلى عاصمة العواصم صنعاء والتي لن تخذلها أبداً، دون هذا الخيار، ليس من الصعب على أحد توقع النهاية المحتومة والمدوية والموسومة بالخزي والعار، فهذه هي الحقيقة الأكثر ملاءمة لو كانوا يفقهون.