بعد تدمير جيش العراق وليبيا واستنزاف جيش سوريا واليمن.. الجيش المصري في مرمى الاستهداف الصهيو- أمريكي
صدى المسيرة/ خاص
بات من الواضح أن استهدافَ الجُيُوشِ العربية، يأتي ضمنَ المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة الذي يسعى لإدخالِ المنطقة العربية في فوضىً عارمةٍ، ويعملُ على إثارتها طائفياً ومناطقياً لتنشأ على إثرها حروبٌ وصراعاتٌ داخليةٌ تدمّر كُلّ مقومات الأمة العربية وتنهكها، ليستطيعَ المشروعُ الصهيوأمريكي تقسيمَ المنطقة وتجزئتَها وفق مخططاته المرسومة والذي من خلالها تستحكمُ قبضتُه على منطقة الشرق الأوسط كاملة، ويستحوذ على خيراتها، ويجعل من شعوب هذه المنطقة عبيداً يعملون على خدمته.
كما أن إفراغَ دول المنطقة أمنياً هدف أمريكي يفسح المجال لأدوات الاستخبارات الأمريكية المسماة “القاعدة- داعش” بالانتشار فيها وتنفيذ خطوات المشروع الأمريكي الكبير، ومع إتمام مهمة القضاء على الجيش العراقي والجيش الليبي واستنزاف وإنهاك الجيش السوري واليمني، يعتقد بعض المراقبين أن دورَ الجيش المصري قد حان؛ كونه المتبقيَ الوحيد في قائمة الاستهداف.
ومن خلال قراءة الظروف المحيطة بالجيش المصري والأحداث والمحطات منذ المراحل التأريخية السابقة؛ ثمةُ مؤشراتٍ تؤكد إدراجه فعلياً ضمن مرحلة التهيئة للاستهداف المباشر منذ مدة، وحتى لا ندخل في متاهات التفاصيل التأريخية، يكفينا معرفة أن المخطط الأمريكي الصهيوني في استهدافه للجيوش كان يسير وفق خطين: إما تغيير العقيدة القتالية لتلك الجيوش، وربط القرار السياسي الحاكم للجيش بالقرار الصهيو- أمريكي، وإما تقليص الجيش عدداً وعُدَّةً.
تحقق الخط الأول في مصر بفعل معاهدة كامب ديفيد وسياسات السادات المرتبطة بها، واضطر الغرب إلى تأجيل الخط الثاني؛ بسبب الحرب العراقية – الإيرانية التي كانت تصب كلها في خدمته وخدمة إسرائيل، ولذلك فما أن انتهت تلك الحرب حتى طلب الغرب من صدام حسين خفض عدد الجيش العراقي إلى خمسين ألفاً ووقف التصنيع العسكري وتغيير نوعية التسلح.
ولنذكر آخرَ مؤتمر قمة في بغداد عام 1989وتمحوره حول هذه القضية –، وعندما رفض العراق هذا المطلب في واقع رفض السلام مع إسرائيل، تذكر الغرب أن صدام حسين ديكتاتور وأن المعارضة العراقية تستحق الدعم. إذن فقد كانت اتفاقية كامب ديفيد محطةً تأريخيةً هامةً تعرض فيها الجيش المصري لعملية إلجامٍ، إن جاز لنا التعبير، وترتب على هذه الاتفاقية إفراغ منطقة سيناء من الوجود الفعلي للجيش المصري والاكتفاء بتواجدٍ رمزي في منطقة المعابر الحدودية المحاذية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وباعتقاد العديد من المحللين والمهتمين أن إفراغَ سيناء من التواجُد الفعلي للجيش المصري لم يكن سوى وضع اللبنة الأولى لمخطط سيتم إعدادُه مستقبلاً لاستهداف الجيش المصري.
الإخوان وَضرب الجيوش من الداخل
ومنذُ اتفاقية كامب ديفيد أخذ الجيش المصري يشق طريقه نحو البناء المؤسسي، وإن كانت خطواتِ البناء محكومةٌ بالإشراف الأمريكي للحد من نوعية هذا البناء والقدرة التسليحية، حتى يظلَّ الجيشُ الاسرائيلي صاحبُ اليد العليا من حيث الكمّ والنوع التسليحي، إلا أن الجيشَ المصري حافظ على قوامه العددي، ومن حيثُ الترابط والارتباط بالقاعدة الشعبية تميّز الجيش المصري بعلاقته الوطيدة بجماهير الشعب، وهذا ما استرعى انتباهَ الدولة العميقة الصهيونية والأمريكية ونخبة الانتلجنسيا المثقفة، مما دفعَهم لابتكار استراتيجيةٍ لنسف العلاقة بين الجيش والشعب، حتى تستطيع بقية أدوات الاستهداف العمل بالشكل الفاعل في سياق مشروع ومخطط التدمير الفعلي، وتمثلت الاستراتيجية في توظيف دور الإخوان المسلمين، رأس حربة “الربيع العربي” لتولي هذي المهمة.
وبعدَ قيام ثورة 25 يناير في مصر تصدّر الجيش المصري المشهد السياسي بدعمه لهذه الثورة التي أسقطت نظام مبارك، وتسلم المجلس العسكري مهمة إدارة شئون البلاد للفترة الانتقالية، في حركةٍ لفتت انتباه الكثير من المراقبين، إذ كان الحري أن يتسلم السلطة مجلسٌ انتقالي؛ كون ثورة يناير مدنيةً بامتياز لا انقلاباً عسكرياً، واتضح فيما بعد أن تسليمَ السلطة للمجلس العسكري كان بإيعازٍ موجّه، وتجلّت أهدافُ الإيعاز حين خرجت قواعدُ الإخوان الشعبية للشوارع واندفعت خلفها جموعُ الشعب بشكلٍ تلقائي، في المطالبة بتسليم السلطة لهيئةٍ مدنيةٍ أو الإسراع بإجراء انتخاباتٍ رئاسية، متهمين المجلس بفرض ديكتاتوريةٍ حاكمةٍ قائمةٍ على منهجية القمع، وتحت شعار “يسقط، يسقط حكم العسكر” بدأ إحداث الشرخ الأول في علاقة الشعب المصري بجيشه، وحين استشعرت المؤسسة العسكرية خطورة الوضع وخشيت تفاقم حالة الاستهجان الشعبي والتي قد تصل لحد المواجهة، رضخت لمطالب الشارع وأعلنت إجراء الانتخابات الرئاسية لتسليم السلطة.
ثم جاءت نتائجُ الانتخابات معلنةً فوزَ مرشح الإخوان، وتسلم مرسي السلطة من المجلس العسكري، والذي فاجَأ المؤسسة بقرارات العزل لعدد من قياداتها وعلى رأسهم المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري، فكانت هذه القرارات بمثابة البدء في خطوات الاستهداف للجيش المصري.
الاستهداف المباشر للجيش ومستنقع سيناء
وفي حادثةٍ غيرِ مسبوقةٍ، هاجمت مجاميع مسلحةٍ أطلقت على نفسها “أنصار بيت المقدس” الحراسة الحدودية التابعة للجيش المصري في شمال سيناء، أسفرت عن مقتل العشرات من أفراد الجيش، فأعلن على إثرها مرسي حالة الاستنفار ووجّه الجيش نحو سيناء لمحاربة هذا التنظيم، ومن خلال رصْدِ مجريات العمليات العسكرية في سيناء والتي توسَّعت رقعتَها لتشملَ معظمَ مناطقها في مطاردةٍ لعناصر التنظيم منهكةً الجيش المصري ليصل الأمرُ بقيادة الجيش لتخفيض مستوى العمليات لعدم جدواها في القضاء على تنظيمٍ استطاع الذوبان في تلك المساحات الشاسعة. ولكن اللافتَ في هذه الحادثة، ترميمُها للشرخ بين الشعب والجيش وأعادت زخَمَ العلاقة الحميمية بينهم؛ كون حادثة قتل العسكريين استفزت مشاعر الشعب المصري وتناسى جفاءه الذي افرزته مرحلة تولي المجلس العسكري قيادة المرحلة الانتقالية، وهب لدعم الجيش شعبياً ومعنوياً لأخذ الثأر من تلك الجماعات الإجرامية، معلناً أن الجيش خط أحمر.
وحين وجدت الإدارات الصهيو- أمريكية أن مخططَ استدراج الجيش المصري لمستنقع سيناء لم يكن كافياً، وكان له انعكاساً سلبياً في تدعيمه للعلاقة التي كانوا قد نجحوا في استهدافها مسبقاً، عمدت لمخطط استدراجه لمستنقعٍ آخر، فكان خطاب مرسي الشهير في الملعب الرياضي والذي أعلن فيه دعم مصر للثورة السورية شعبياً وعسكرياً، في مؤشرٍ يوحي باعتزام مرسي إقحام الجيش المصري في الحرب الدائرة في سوريا، والتي قرأها المراقبون وقادة الرأي في مصر على انها مكيدةٌ غربيةٌ بأيادٍ اخوانيةٍ، تحرك الشارع المصري رفضاً لإقحام الجيش المصري والشعب المصري في الأزمة السورية، فكانت الشرارة الأولى للتحول الثاني في مصر والذي تم على إثره إسقاط حكم الإخوان.
سقط الإخوان شعبياً وبدعمٍ من المؤسسة العسكرية أيضاً، فما كان من الإدارة الأمريكية الصهيونية إلا أن يأجلوا مخطط استهداف الجيش المصري وذلك وفق مبدأ “ضعه في الثلاجة حتى يحين التهامه”، وإلى أن تتبلور خطةٌ محكمةٌ يقع في براثنها الجيش المصري.
خطة الأمن القومي المصري في خطر
وعندما أدركت القوى الشيطانية أن استهدافَ الجيش المصري عبر استنساخ الخطط المنفذة في ليبيا واليمن وسوريا بضرب الجيش من الداخل، قررت مهاجمته من الخارج لاستدراجه في حروبٍ خارج الحدود المصرية على غرار مخطط استدراجه لمستنقع سوريا ولكن بدافع حماية الأمن القومي المصري، فأوعزت إلى أدواتها الإجرامية الداعشية في ليبيا إلى إعدام عشرين مسيحياً مصرياً على الأراضي الليبية؛ ليستشعر الشعب والقيادة المصرية السياسية والعسكرية أن ثمة خطراً يترصد أمنها القومي على حدود البلاد من الجهة الليبية فيقرر الجيش المصري الذهاب لمحاربة هذه التنظيمات هناك حتى لا تمتدَّ إلى الأراضي المصرية، ولكن استقراء الخبراء في المؤسسة العسكرية المصرية للوضع القائم ووعيه التام بمقتضيات المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة في الحفاظ على المؤسسة العسكرية كصمام أمانٍ وسياجٍ للدولة جعلهم يتخطون هذا المأزق من خلال وضع خطة ردعٍ لتنظيم داعش في ليبيا تمثلت في توجيه ضرباتٍ جويةٍ نوعية وترك المواجهات على الأَرْض لفصائل عسكريةٍ نظاميةٍ تتبع السلطة الليبية يدعمها الجيش المصري لوجستياً، فتهرب مصر مجدداً من مصيدة الإيقاع بجيشها.
ولكن القوى الشيطانية الصهيو- أمريكية لم تيأس، وقررت صناعة فزاعةٍ جديدةٍ لاستدراج الجيش المصري، فكانت فزاعة القوى الثورية في اليمن، وذلك من خلال الترويج أن أنصار الله في اليمن وفق توجيهاتٍ إيرانية تسعى للسيطرة على باب المندب وإغلاقه، مما يخلق مخاوفاً لدى القيادة المصرية من هكذا عمل، قد تهدد تداعياته مصالح مصر الاقتصادية في قناة السويس، ونجحت الخطة نسبياً، حيث استجابت القيادة المصرية لمخاوفها وقررت المشاركة في عاصفة الحزم تحت عنوان الدفاع عن أمن قناة السويس والمصالح المصرية التي يستهدفها خطر أنصار الله حسب المزاعم الصهيو- أمريكية، وكان عامل المساعدات المالية التي ضختها الحكومات الخليجية لمصر حافزاً إضافياً لهكذا تحرك واستدراج، ومع ذلك تنبه الخبراء في المؤسسة العسكرية لمخاطر المشاركة الواسعة في العدوان على اليمن لعلمهم بطبيعة المعركة على الجغرافيا اليمنية مستحضرين تجربتهم السابقة في ستينيات القرن الماضي حين أرسل عبدُالناصر جيشَ مصر لدعم ثورة سبتمبر والتي أسفرت عن مقتل الآلاف من أفراد الجيش المصري على الأَرْض اليمنية، فقررت القيادة العسكرية حصر مشاركتها في العدوان على اليمن من خلال قطعٍ بحريةٍ تشارك في فرض الحصار على اليمن بحرياً، إضافةً إلى بعض الخبراء العسكريين الميدانيين في غرف العمليات لقيادة العدوان.
فعلى ما يبدو أن عمليةَ استهداف الجيش المصري لن تكونَ بالمهمة السهلة على القوى الشيطانية الصهيو- أمريكية، نظراً لوعي القيادة العسكرية في الجيش المصري أن ثمة مشروعاً يستهدف تدمير هذه المؤسسة، كما حصل لجيوش دول المنطقة التي شملها الربيع العربي، ولكن الوعي وحده لا يكفي، فينبغي على الشعب المصري والقيادة العسكرية تحصين هذه المؤسسة ومحاولة إبعادها عن أتون صراعات المنطقة التي أشعلتها أدوات المشروع الأمريكي الصهيوني، وتشكيل عقيدتها وفق مبدأ “أن عدو الأمة الأول هي إسرائيل” حينها سيكون الجيش المصري عصيٌّ على مخططات تلك القوى الشيطانية.