ثلاثُ رسائل في ثلاث مناسباتٍ خالدة في شهر المحرَّم..بقلم/ عبد القوي السباعي
تتوالى على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بصفةٍ عامة، واليمنيين على وجه الخصوص، في شهر محرَّم الحرام ثلاث مناسبات دينيةٍ خالدة، حملت في طياتِها الأفراحِ مفتتحًا، وغمرتنا فيما بعدها من الأيّام بذكرياتٍ من الآلام والمآسي، عشناها واقعاً حيّاً، استذكاراً لذكرى لن تنتهيَ أبداً، واستحضاراً لشخوصٍ لن يغيِّبوا مطلقاً.
في بدايةِ شهرِ محرَّمِ الحرام، استوقفتنا ذكرى الهجرة النبوية المباركة -على صاحبها وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم-، ومعها خرجنا إحياءً لها والوقوف عند المحطة الأهم والأبرز في تاريخ الإسلام، في رسالةٍ أكّـدتها الحشود اليمانية والتي كان مفادها: إذَا كان النبي الأكرم (ص)، ومن خلال الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة، سعى إلى التحرّر من ربقة الشرك والطغيان القرشي، فها نحن اليوم نعيش لحظة الخروج بالدعوة إلى الآفاق الرحبة بدءًا من أرض الإيمَـان والحكمة، وُصُـولاً إلى الجزيرة العربية وما تلاها، فكما مَنَّ الله على أجدادنا اليمانيين الأنصار لحمل هذه الرسالة ونشر هذا الدين في كُـلّ الأصقاع، فجاءت رسالة الهجرة النبوية بأنّ اليمنيين سيحملون على عاتقهم الذود عن الإسلام ونشر وحماية دعوته إلى ما شاء الله.
وفي العاشر من شهر محرَّم الحرام توقف اليمنيون طويلاً عند المأساة الكبرى لسبط الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله، في يوم عاشوراء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهله وشيعته في كربلاء الطَّف، ومكثوا غير قليل يتأملون عمق الحدث والمأساة وعاشوا تفاصيلها لحظةً بلحظة، بحيث حملتهم مظلوميتها عنوةً بأن ترسل حشودهم المتطلعة برسالةٍ أُخرى، مفادها أن دماء المظلومين أقوى فتكاً من سيوف الطغاة والبغاة والمستكبرين، وأن صرخات الإمام الحسين (ع) ومبادئه، ستظل نبراساً يضيء دروبنا في كُـلّ مواجهةٍ وتحد، ودافعاً لا تراجع فيه عن البذل والعطاء، والتضحية والفداء، والمواجهة والجهاد، مهما كانت العواقب وبلغت التحديات.
وفي الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام، حطت بنا الرحال مع إمام الأئمة المجاهدين وقُدوة الثائرين، وحليف كتاب رب العالمين الإمام زيد بن علي (ع)، الذي نال شرف الجهاد وحضي بوسام الاستشهاد في الخامس والعشرين من شهر المحرم سنة 122هـ عن عمرٍ لم يتجاوز الـ 46 عاماً.
توقفنا هُنا.. دون أن ننوحَ ونولولَ، ولم نلطم خداً ولم نندب حَظاً، كما يحلو لمرضى النفوس توصيفنا بالأباطيل كذباً وافتراء، ولكننا خرجنا استذكاراً للمناسبة وفي مثل هكذا وضع عدواني، لنستلهمَ من الإمام زيد (ع)، الدروس الإيمَـانية لمواجهة الطغاة والمتجبرين مهما كانت مكانتهم ونفوذهم وقوة ترساناتهم وعتادهم وعديدهم، والتي يدفعنا العدوان الغاشم والحصار الجائر والتكالب الدولي الخبيث والصمت الأممي المشين، لنستذكر الوقائع والأحداث التي عاشها الإمام زيد (ع)، لنعيشها بكل تفاصيلها.
خرجنا في الـ 25 من شهر المحرم، لنؤكّـد في رسالةٍ أُخرى، لكل من عاشوا ويعيشون اليوم في أجواء الضياع الروحي والفراغ الفكري والعملي، بعيدًا عن الخطوط المستقيمة التي تؤدي إلى ساحات الأمان والفلاح، نرسُمُ وكأولويةٍ للمواجهة والتصدي، لكل ما واجه الإمام الشهيد زيد بن علي (ع) من طغيان وانحراف، وهكذا ترجمت حشودنا صرخة الإمام زيد الخالدة، والتي كأنه يخاطبنا كما خاطب أهل زمانه والأزمنة المتعاقبة حتى اليوم: (من أحب الحياة عاش ذليلاً).
نعم من أحب الحياة.. عاش خانعاً مضطهداً.. عاش راكعاً مستضعفاً.. عاش قابلاً لأن يُجلد ظهره ويُسلب ماله.. عاش حقيراً مخذولاً.. عاش عبداً لأمريكا ولدول الاستكبار الغربية.. عاش عميلاً خائناً مرتزِقاً.. عاش تابعاً لبني سعود وغلمان زايد.. عاش جباناً منبوذاً.. عاش راضياً بالظلم والجور والمنكر والباطل.. عاش مجمّداً لكتاب الله وآياته، عاش متنازلاً عن دينه وكرامته وحريته.. عاش للأسف صهيونياً.
هكذا، نتعلم من الإمام زيد (ع)، في واقعنا اليوم، “البصيرة.. البصيرة”، فمن لا يعتبر التصدي للعدوان أولوية فَـإنَّه يعاني من خلل إنساني ويتعامى عن حجم هذا العدوان وأهدافه، كما أشار السيد القائد في خطاب الذكرى أمس: “في ظل الهُـدنة القائمة علينا ألا نتصور أن الحرب قد انتهت وننشغل بأمور أُخرى، فمن أولوياتنا في ظل الهُـدنة المؤقتة البقاء على درجة عالية من الجهوزية والانتباه إلى كُـلّ مخطّطات الأعداء”.
نعم.. إنها بحق مناسبات أُسطورية خالدة، نستمد منها روح الثبات على المبدأ والموقف، وعزم التصدي والمواجهة والتحدي، ونستحضر فيها الشجاعة والبطولة في أسمى معانيها، ونستلهم منها قواعد الصمود والاستبسال، ونأخذ من دروسها العبرة والعظة من مخاطر التفريط والتهاون، وعواقب الجمود والاستكانة والانحراف.