في مملكة “السيفُ الشيطاني”.. 33 معتقَلاً مهدَّداً بالإعدام
المسيرة | وكالات
وصل الإجرامُ السعوديّ هذا العام إلى مستوى قياسي مقارنة مع الأعوام الماضية، ففي الوقت الذي يخترع المناسبات والاحتفالات والمهرجانات على مختلف أشكالها ويرفقها بالقوانين المُدينة لأيِّ استهزاء بالسياحة، يدأب على مواصلة سياساته القمعية والعنيفة من خلال إصدار أحكام بالاعتقال تتعدى العشرين عاماً وتصل لحدود الـ35، بتهم التعبير عن الرأي سلميًا.
ومنهم: الشاب عبد الله الدرازي
محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة في السعوديّة أصدرت في 9 آب/أغسطُس 2022، حكمًا بقتل الشاب عبد الله الدرازي (8 تشرين الأول/أُكتوبر 1995م) تعزيرًا، بعد محاكمة هزلية افتقرت لأبسط شروط العدالة، كما أصدرت النيابة العامة حكمًا بالإعدام بحق المعتقل في سجن المباحث في الدمام مهدي المحسن، ليصبح العدد المعلن عنه 33 مهدّدا بالإعدام في مختلف درجات التقاضي في السعوديّة.
وكشفت المنظمة الأُورُوبية السعوديّة لحقوق الإنسان أن عبدَ الله الدرازي مكث لمدة ثلاث سنوات في السجن الاحتياطي قبل بدء محاكمته في أواخر آب/أغسطُس 2017، ولفتت إلى أنَّه على الرغم من إخباره للقضاة – أثناء سير المحاكمة – أنَّ الاعترافات التي قدمتها النيابة العامة كدليل ضده اُنتزِعت منه تحت وطأة التعذيب في فترة التحقيق التي حُرِم فيها من الاستعانة القانونية، أصدروا حكمًا بقتله تعزيرًا بعد عدة جلسات استغرقت قرابة 6 أشهر (شباط/فبراير 2018)، دون أن تقدم النيابة العامة أي دليلٍ ماديٍ على ارتكابه الجرائم المزعومة ما عدا الاعترافات التي طعن في صحتها.
وأوضحت المنظمة الحقوقية أنَّه “في 27 آب/أغسطُس 2014م، اعتقلت عناصر من مركز شرطة جزيرة تاروت عبد الله الدرازي من وسط الشارع بعد الانهيال عليه بالضرب الشديد، وكان عمره حينها ثمانية عشر عاماً وعشرة أشهر”.
وبيَّنت أنَّه خلال مكوث الدرازي في مركز الشرطة تعرَّض للضرب وشتى أنواع التعذيب، بغية إرغامه على الإقرار باعترافات محدّدة له من قبل المحقّق. وعندما رفض ذلك، تحايل عليه أحد الضباط وهو مغمض العينين؛ مِن أجلِ إقناعه بضرورة التبصيم على أوراق إطلاق سراحه بعد إيهامه بثبوت براءته لهم.
وتابع تقرير المنظمة: “تفاجأ الدرازي بتحويله إلى سجن المباحث العامة في الدمام، وفيما بعد اكتشف أنَّ الأوراق التي تم تبصيمه عليها هي اعترافات كتبها المحقّق بيده”.
وأشَارَ التقرير إلى أنَّه “طوال فترة السجن الاحتياطي التي بلغت ثلاث سنوات لم يمكن الدرازي من حقه الأَسَاسي في الاستعانة القانونية، ما يشكل انتهاكا صارخًا للأنظمة المحلية والقوانين الدولية”.
عُزِل الدرازي في زنزانة انفرادية لمدة ستة أشهر، وخلالها مورس بحقه التعذيب الجسدي والنفسي بغية إجباره على التوقيع على الاعترافات، وخلال الثلاثة الأشهر الأولى لاعتقاله، كانت عائلته تجهل مصيره؛ بسَببِ إخفاء الأجهزة الأمنية السعوديّة مكان تواجده وعدم إبلاغهم عن ذلك.
وأكّـد التقرير أنَّ التعذيب الممارس بحق الدرازي من قبل عناصر من المباحث العامة تسبب بحروق حول العين وتكسر في الأسنان، بالإضافة إلى آلام في الركبة وفي الأذن، ما أَدَّى إلى نقله إلى المستشفى أكثر من مرة.
وأوضح التقرير أنَّ النيابة العامة وجَّهت للدرازي عدة تهمٍ بعضها يعود لفترة الطفولة، وليس منها ما يصنف كجرائم جسيمة، من بينها: الاشتراك في تكوين خلية إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن الداخلي في البلاد واستهداف رجال الأمن، المشاركة في المظاهرات والمسيرات، الاعتداء على الممتلكات العامة وإتلافها والقيام بأعمال التخريب والفوضى وإعاقة الطريق والسعي لإحداث الفتنة والفرقة والانقسام في البلاد، الاعتداء على رجال الأمن عبر رميهم بالزجاجات الحارقة (المولوتوف)، تعطيل الطريق على المارة بحرق الإطارات، ترديد الهتافات المناوئة للدولة، المشاركة في تشييع أحمد المطر وتوزيع الماء أثناء ذلك، تنظيم التشييع.
33 حالةً على لائحة الإعدام
وعلى الرغم من انعدام الشفافية في تعامل الحكومة السعوديّة مع ملف الإعدام، تمكّنت المنظمة الأُورُوبية السعوديّة لحقوق الإنسان من رصد 33 حالة لمعتقلين يواجهون مطالب وأحكاماً بالقتل في السعوديّة، أغلبهم لم توجّـه لهم اتّهامات بارتكاب جرائم جسيمة، ستة من بينهم وُجِّهت لهم تهم في فترة الطفولة، هم عبد الله الحويطي، جلال اللباد، يوسف المناسف، سجاد آل ياسين، حسن زكي الفرج، مهدي المحسن.
ثلاثة من العدد الكلي (33) قد تقتلهم السعوديّة في أية لحظة بعد مصادقة المحكمة العليا على أحكامهم، واثنان آخران أيَّدت محكمة الاستئناف أحكام قتلهما، علاوة على القاصر عبد الله الدرازي.
عبدُ الله الحويطي
في 8 أيار/مايو 2017، داهم رجال أمن ملثمون منزل أسرة الطفل عبد الله الحويطي (18 يوليو/تموز 2002)، الذي كان عمره حينذاك 14 عاماً، وقاموا باعتقاله وأخيه عبد العزيز واقتيادهما إلى مركز شرطة محافظة ضباء.
وفور وصوله وُجِّهت له تهم بارتكاب جريمة سطو مسلح على محل مجوهرات وقتل عسكري بسلاح ناري في محافظة ضباء في 6 أيار/مايو 2017. وبحسب مذكرات للطفل عبد الله قامت والدته بنشرها على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، والتي دوّن فيها الإجراءات التي اتخذت معه منذ اللحظة الأولى لاعتقاله حتى حين مصادقته على الأقوال التي كتبها المحقّق، تعرض الحويطي لظروف مرعبة أجبرته على المصادقة على أقوال لم يكتبها بيده، وعلى حوادث لم يكن متورطًا فيها.
في مذكراته، قال الطفل عبد الله إنَّه أُجبر على الوقوف لساعات طويلة في مركز شرطة ضباء، كما تعرض للشتم والإهانات، وحينما تم تحويله إلى البحث الجنائي في مدينة تبوك بدأ مسلسل التعذيب الجسدي والنفسي يتصاعد؛ مِن أجلِ إرغامه على الاعتراف بارتكاب الجريمة، على الرغم من أنَّ كاميرات منصوبة في كورنيش مدينة ضباء أظهرت تواجده هناك وقت حدوث الجريمة.
يُذكر أنه في 27 تشرين الأول/أُكتوبر 2019 أصدرت المحكمة الجزائية بمنطقة تبوك شمال السعوديّة، حكمًا يقضي بقتل الطفل عبد الله الحويطي حدًا، وبعد أن نقضت المحكمة العليا الحكم الأول بإعدامه لعدم صحة اعترافاته، حكمت محكمة تبوك الجزائية بالإعدام قصاصًا على الحويطي.
إضافة إلى ذلك، تُشدّد المنظمة الأُورُوبية السعوديّة لحقوق الإنسان على أنَّ حكم الإعدام الصادر بحق الحويطي ينتهك اتّفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السعوديّة عام 1996، كما ينتهك قانون نظام الأحداث المحلي الذي ينص صراحة على منع إصدار أحكام الإعدام بحق الأطفال (دون 15 عاماً)، ويستبدلها بعقوبات أُخرى (المادة 15).
ورأت المنظمة أنَّ سبل الانتصاف في قضية الطفل الحويطي، تتمثل في إسقاط حكم الإعدام عنه والتحقيق في كافة مزاعم التعذيب التي تحدث عنها، ومعاقبة المسؤولين عنها.
حسن الفرَج
يواجهُ الشابُّ حسن زكي الفرج، مواليد 19 نيسان/أبريل 1997، خطر الإعدام تعزيرًا، بتهم عدة بينها ما حصل حين كان قاصرًا، في دلالة على زيف ادِّعاءات المملكة الترويجية لوقف إعدام القاصرين. ومن بين سلسلة التهم التي وجهتها النيابة العامة إلى الفرج، المشاركة في مداهمة حصلت في نيسان/أبريل 2015.
كان الفرج يبلغ من العمر حينها 17 عاماً و11 شهرًا، كما أن من بين التهم علاقة مع أحد المطلوبين قبل ست سنوات من الاعتقال، وهذه التهمة حصلت حين كان عمر الفرج 14 عاماً. بالتالي فَـإنَّ النيابة العامة تطلب الإعدام بحق الفرج على الرغم من كون التهم تعود إلى الوقت الذي كان فيه قاصرًا.
وكانت قوات الأمن السعوديّة قد اعتقلت الفرج في 28 تشرين الأول/نوفمبر 2017 من منزله بشكل عنيف، وعمدت إلى إطلاق النار واعتقاله بعد ضربه مع اثنين من إخوانه. وتعرض حسن وإخوته للتعذيب الشديد، ليطلق سراح الأخوة لاحقا، ويبقى هو معتقلا في سجن مباحث الدمام
منذ لحظة الاعتقال، تعرض حسن الفرج للتعذيب الشديد، من بين ذلك الضرب والصعق الكهربائي، ما أَدَّى إلى نقله للمستشفى عدة مرات. ولا زال يعاني حتى اليوم من آلام في القدمين؛ بسَببِ التعذيب، وأجبر على التوقيع على اعترافات.
بقي الفرج في السجن الانفرادي لمدة 3 أشهر تقريبًا منذ لحظة الاعتقال، لم يتمكّن خلالها من التواصل مع عائلته. وبعد خروجه من السجن الانفرادي تمكّنت عائلته من زيارته، ولا زال يحصل على زيارات لكنها غير منتظمة.
خلال ثلاثة أعوام من الاعتقال منعت الحكومة الفرج من الاستعانة بمحامٍ. وفي العام 2020، أحيلت قضيته إلى المحكمة الجزائية المتخصصة. بعد انعقاد الجلسة الأولى في الرياض في تشرين الأول/أُكتوبر 2020، تمكّن من تعيين محام. منذ بداية محاكمته حضر الفرج جلستان فقط؛ لأَنَّه لم يتم إحضاره إلى بعض الجلسات بحجج مختلفة.
وُجّهت إلى حسن الفرج تهم عديدة، فإلى جانب التهم التي بينت التواريخ أنها تعود إلى وقت كان فيه قاصرًا، وجَّهت له النيابة العامة تهمًا بينها الانضمام إلى مجموعات عبر برامج الهاتف وحيازة صور محظورة، حيازة أسلحة، والانضمام إلى تنظيم إرهابي وإيواء مطلوبين ومساعدة جرحى، طالبت النيابة العامة بتطبيق حَــدّ الحرابة بحق الفرج، وفي حال دُرئت الحرابة عنه طلبت قتله تعزيرًا.
وتطالب النيابة العامة بالإعدام على الرغم من تأكيده خلال جلسات المحكمة أن الاعترافات التي تستند لها القضية انتزعت منه تحت التعذيب، وعلى الرغم من عدم وجود أدلة أُخرى، إلى جانب كون التهم لا تتضمن ما يعد من الأشد خطورة أَو تهما عنيفة.
جلالُ حسن اللباد
في 24 حزيران/يونيو 2019، طالبت النيابة العامة في المملكة العربية السعوديّة بإيقاع حَــدّ الحرابة بحق جلال حسن اللباد (3 نيسان/أبريل 1995)، على خلفية خليط من التهم اشتملت على التظاهر، وبعضها يعود لفترة كان فيها قاصرا.
اُعتقِل جلال اللباد في 23 شباط/فبراير 2017، بعد أن داهمت القوات الأمنية منزل أسرته الواقع في مدينة العوامية. ولم تُبرز الفرقة التي نفذت المداهمة مذكرة اعتقال، كما لم يُسْتَدْعَ قبل ذلك.
وتعرض جلال اللباد لظروف اعتقال مروعة منذ اليوم الأول، من بينها عزله عن العالم الخارجي في زنزانة انفرادية لمدة تسعة شهور ونصف، توزعت على فترتين، وحرمانه من حقه في الاستعانة بمحامٍ، كما أنه اُخضِع لتعذيب شديد وضروب أُخرى من المعاملة السيئة الحاطة بالكرامة الإنسانية، وذلك في فترة التحقيق الواقعة بين شباط/فبراير وكانون الأول/ديسمبر 2017، بغرض إرغامه على الإدلاء بأقوال محدّدة.
عُرِض جلال على المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض بعد عامين وخمسة أشهر على اعتقاله. ووجَّهت له النيابة العامة مجموعة من التهم، من بينها، المشاركة في المظاهرات حينما كان عمره 15 عاماً وتشييع الضحايا الذين قتلتهم القوات الحكومية بنيرانها، بالإضافة إلى ذلك المساعدة في معالجة مطلوبين مصابين، تستره على مطلوبين، المشاركة مع عدد من المطلوبين أمنيًّا في قضية القاضي في محكمة المواريث والأنكحة بالقطيف الشيخ محمد الجيراني الذي تم خطفه وقتله، من دون الإشارة إلى دوره في هذه القضية، كما اتهم بإطلاق النار ورمي زجاجات المولوتوف على العساكر.
سجّاد آل ياسين
وُلد في 26 تشرين الأول/أُكتوبر 1997 واعتقل في 30 آب/أغسطُس 2017. يواجه عدة تهم منها المشاركة في المظاهرات وترديد الشعارات والدعوة للمشاركة في المظاهرات وإطلاق النار على رجال الأمن والتخطيط لاستهداف الحكومة وإقامة علاقات مع المطلوبين. ومن بين التهم المشاركة في تظاهرات عامي 2013 وَ2014، حَيثُ كان سجاد آل ياسين يبلغ من العمر 16 عاماً.
ورغم أن التهم ليست من الأشد خطورة، وعلى الرغم من كونه كان قاصرا وقت بعض التهم، تطالب النيابة العامة له بالإعدام تعزيرا.
يوسف محمد المناسف
ولد في 8 أيلول/سبتمبر 1996 واعتقل في 16 نيسان/أبريل 2017، حدثت بعض التهم التي يواجهها عندما كان قاصرًا.
وبحسب قائمة التهم، واجه يوسف عدة تهم منها المشاركة في مظاهرات وتجمعات وجنازات، والانضمام إلى تنظيم إرهابي، والمشاركة في إطلاق نار، وإلقاء قنابل مولوتوف، وترويج المخدرات. ومن بين التهم الموجهة إليه، بحسب النيابة العامة، مشاركته في جنازة عام 1432 هجرية عندما كان يبلغ من العمر 16 عاماً. تعرض للتعذيب؛ بهَدفِ انتزاع اعترافات منه وأكّـد ذلك أمام القاضي ولكن لم يتم التحقيق في هذه المزاعم. لم يحصل على محام إلا بعد بدء المحاكمة. على الرغم من هذه الانتهاكات ومن كون الجرائم ليست من الأشد خطورة تطالب النيابة العامة له بالقتل تعزيرًا.
يُذكر أنَّه بعد 14 شهرًا على إعلان هيئة حقوق الإنسان في السعوديّة عن أمر ملكي يُنهي كافة أحكام الإعدام بحق القاصرين، وفي 15 حزيران/يونيو 2021، أعدم آل سعود القاصر مصطفى آل درويش.
إعدام آل درويش نسف الوعود المتتالية التي كانت السعوديّة قد قدمتها، وكذّب الترويج لقانون الأحداث والأمر الملكي وغيرها، وبالتالي أكّـد مضي النظام السعوديّ في تنفيذ وإصدار أحكام الإعدام تعزيرًا بحق القاصرين وانتهاكه للقوانين المحلية والدولية. ومع إعدام درويش وصل عدد القُصَّر الذين تم إعدامهم في عهد سلمان بن عبد العزيز إلى 12 قاصرًا.