العدوّ يرجعُ إلى سلوك ما قبل الهُــدنة: لا وقودَ للتمديد الحالي
مراسلاتٌ تكشفُ تواطؤ الأمم المتحدة مع تحالف العدوان في عملية احتجاز السفن
المتوكل: استحقاقاتُ المرحلة الراهنة من التهدئة لم يصل منها شيءٌ إلى ميناء الحديدة
تحذيراتُ الرئيس المشاط على واجهة المشهد..
المسيرة | خاص
يواجهُ الشعبُ اليمني أزمةً جديدةً في المشتقَّات النفطية؛ بسَببِ إقدام تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على تشديد إجراءاتِ الحصار الوحشي المفروض على البلد، ومنعِه وصولَ أية سفينة وقود إلى ميناء الحديدة منذ إعلان التمديد الأخير للهُــدنة، الأمر الذي يتجاوز مستوى “خرق” الاتّفاق الإنساني، ويعتبر انقلاباً كاملاً عليه، لا سِـيَّـما أن الجزءَ الأكبرَ منه كان يتعلق بدخول السفن وتسيير عدد من الرحلات الجوية، وهو ما يعيد إلى الواجهة التحذيرات الأخيرة للقيادة الوطنية والتي أكّـدت أن الهُــدنة ستكون “في مهب الريح” إذَا استمر احتجاز السفن.
شركة النفط اليمنية أعلنت، السبت، اضطرارها لبدء العمل بخطة الطوارئ؛ بسَببِ الاختناق التمويني الناتج عن عدم وصول أية سفينة وقود إلى ميناء الحديدة منذ مطلع أغسطُس المنصرم، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان وضع ما قبل الهُــدنة، عندما كانت طوابير السيارات تمتد لعدة كيلومترات أمام بعض محطات الوقود للسبب نفسه.
وكانت شركة النفط أوضحت أن عدد السفن المحتجزة من قبل التحالف وصل إلى 9 سفن، بينها سفينة مازوت تتبع قطاع الكهرباء في محافظة الحديدة التي تعيش موسم حر شديد هذه الفترة.
وبحسب متحدث الشركة، عصام المتوكل، فَـإنَّ استحقاقات التمديد الأخير للهُــدنة من سفن الوقود لم تصل أبداً، وأن آخر ما وصل إلى الميناء كان من سفن التمديد السابق، ما يعني أن تحالف العدوان لم “يمدد” الهُــدنة من جانبه، عمليًّا، بل عاد مباشرة إلى الوضع السابق لها.
وأشَارَ المتوكل إلى التناقض بين الوضع القائم وادِّعاءات المبعوث الأممي هانز غروندبرغ، المتكرّرة حول “تدفق الوقود” إلى ميناء الحديدة، والتي يقدمها دائماً في إحاطاته أمام مجلس الأمن في سياق عملية التضليل المتعمدة التي يمارسها لتشجيع دول العدوان على الاستمرار بانتهاك الاتّفاق وتحويله إلى غطاء للمساومة ومقايضة المِلف الإنساني بمكاسبَ عسكرية وسياسية.
وكان مدير عام شركة النفط، عمار الأضرعي، كشف جانباً من تفاصيل تواطؤ الأمم المتحدة مع دول العدوان في تشديد إجراءات الحصار على البلد، حَيثُ نشر الأضرعي نص رسالة موجهة من جانب آلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة إلى السفن المحتجزة، تبلغها بالوصول إلى إحداثيات معينة وانتظار “تعليمات من سفن التحالف”، برغم من أن السفن المحتجزة تحمل مسبقًا تصاريح الوصول إلى ميناء الحديدة من قبل آلية التفتيش الأممية نفسها.
وتشير هذه المعلومات بوضوح إلى أن آلية التفتيش التابعة للأمم المتحدة قد أصبحت تتبنى إجراءات الحصار التعسفية التي يمارسها تحالف العدوان وتعتبرها “روتيناً” طبيعياً، وهو ما يُعتبر “شرعنةً” فَجَّةً لقرصنة السفن واستخدامها كورقة تفاوض وابتزاز، كما يعني ذلك أن الحديث عن “تدفق الوقود” إلى ميناء الحديدة لم يكن منذ البداية سوى دعاية تضليلية للتغطية على واقع الهُــدنة والنوايا المشبوهة التي يحملها تحالف العدوان والأمم المتحدة لاستغلال الاتّفاق.
وكان الرئيس المشاط أكّـد قبل أَيَّـام قليلة خلال العرض العسكري “وعد الآخرة” أن العودة إلى احتجاز السفن والتهرب من التزامات الهُــدنة يعرض الهُــدنة للخطر ويجعلها في مهب الريح.
وينص اتّفاق الهُــدنة على السماح لسفن الوقود بالوصول إلى ميناء الحديدة وتسيير رحلات جوية من وإلى مطار صنعاء وفتح الطرق والمعابر في تعز، إلى جانب وقف إطلاق النار، لكن تعنت تحالف العدوان قد قلص مفاعيل هذا الاتّفاق المحدود وحصرها في دخول بضعة سفن ضمن سياسة “تقطير” خبيثة، وتسيير عدد محدود جِـدًّا وأقل مما تم الاتّفاق عليه من الرحلات الجوية، وهو ما يجعل احتجازَ سفن التمديد الأخير خروجاً كاملاً عن الاتّفاق، وليس مُجَـرّد خرق له.
ويرى مراقبون أن دول العدوان تحاول “خفض” سقف مطالب صنعاء الإنسانية للتمديد، والتي تتمثل برفع الحصار والوصول إلى آلية لصرف رواتب موظفي الدولة من إيرادات النفط والغاز التي يتم نهبها بالكامل، وهو الأمر الذي كانت الأمم المتحدة قد تعهدت بالعمل لأجله، كما أرسل تحالُفُ العدوان وسطاء دوليين وإقليميين لمنحه فرصة؛ مِن أجلِ تحقيقه.
وفي محاولة مكرّرة ومكشوفة للتهرب من تداعيات الانقلاب على اتّفاق الهُــدنة، دفع تحالف العدوان بحكومة المرتزِقة لإصدار بيان وقح ينفي احتجاز السفن، ويتهم صنعاء بافتعال الأزمة، على الرغم من أن صنعاء قد كشف معلومات وإحداثيات السفن المحتجزة للتحقّق منها.
وتشير هذه المحاولة بوضوح إلى أن دول العدوان تريد إعادة الأمور إلى نقطة الصفر على طاولة مفاوضات الهُــدنة، وهو ما تؤيده سلوكياتها خلال الفترة القصيرة الماضية، حَيثُ جاء تشديد إجراءات الحصار متزامناً مع محاولات تصعيد عسكري نفذها المرتزِقة في تعز، إلى جانب رفضهم للمشاركة في الجولة الثالثة من مناقشات عمّان.
وتستخدمُ دولُ العدوان المرتزِقة كواجهة للتنصل عن الالتزامات والمسؤوليات المتفق عليها، على الرغم من أن المرتزِقة لم يكونوا طرفاً في الاتّفاق، وهو ما يمثِّلُ مؤشراً واضحاً وثابتاً على تمسك تحالف العدوان بأُسلُـوب المراوغة والغدر.
لكن العودةَ إلى نقطةِ الصفر ستعني بالضرورة عودة التصعيد العسكري الذي فَـــرَّ منه تحالف العدوان إلى الهُــدنة؛ بسَببِ تداعياته المزلزلة، حَيثُ تسببت ضربات “كسر الحصار” العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة قبل الهُــدنة بخسائر كبيرة للنظام السعوديّ وهدّدت مصالح رعاته في الغرب، ما دفعهم إلى رفع راية التهدئة.
وكانت صنعاءُ قد أعلنت أن فترةَ التمديد الحالية ستكون “الأخيرة” في حالةِ عدم الوصول إلى اتّفاق واسع يتضمن صرف المرتبات ورفع الحصار، مؤكّـدة أن عودةَ التصعيد ستكونُ “بمعطيات أكبر”، وهو ما يعني أن محاولات تحالف العدوان لابتزاز صنعاء قد ترتد عليه عكسياً بصورة صادمة إذَا انتهى هذا الشهر بدون تغيير في السلوك.
ووجّهت صنعاء عدةَ رسائلَ عسكرية قوية وغير مسبوقة لدول العدوان خلال الفترة الماضية، وتضمنت تلك الرسائل الكشف عن صواريخ بحرية جديدة ونوعية، وعن إجراء تجارب ناجحة عليها، وهو ما اعتبره محللون إنذاراً بالتوجُّـه لكسر الحصار البحري عسكريًّا إذَا استمر تحالف العدوان بتعنته.
ويرى مراقبون أن تحالُفَ العدوان يحاولُ خلطَ الأوراق للحصول على تمديد إضافي بدون توسيع للمزايا الإنسانية، أَو بتحسين طفيف بدون التزام حقيقي.
ووجّه نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي، تحذيراً جديداً للمجتمع الدولي على خلفية احتجاز سفن الوقود، حَيثُ أكّـد أن “الاستمرار في دفع صنعاء للتخلي عن حكمتها عمل سيء ومكلف للغاية”.
وأوضح العزي أن السنوات الثمان الماضية من عمر العدوان تكفي للتأكيد على حقيقة أن الحصار المفروض على اليمن والذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية جريمة يجب أن تدان وتتوقف.