الإمامُ الهادي.. عَلَمٌ مشرِقٌ في تاريخ اليمن .. بقلم/ دينا الرميمة
من المعروف لدينا مدى ارتباط اليمنيين بالدين المحمدي والنبي الكريم، ارتباطاً وثيقاً منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية بل لنقل أنه من قبل ذلك بكثير حين قرّرت قبائل “الأوس والخزرج” اليمنية الاستقرار في يثرب انتظاراً للنبي المرتقب ظهوره في شبه الجزيرة العربية، وما أن ظهر “صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله” وصدح بالدعوة حتى دخلت هاتان القبيلتان في الإسلام وكانتا هما الأُمَّــة التي استبدل الله بها قريش التي أعرضت عن الإسلام وحاربته واضطرت النبي ليهاجر بأصحابه ودعوته إلى المدينة!
بعدها أختار النبي الإمام علي -عليه السلام- كمبعوث إلى اليمن تكريماً لهم لعلمه مَا الذي سيضيفه اليمنيون من قوة في حال دخلوا الإسلام وبدورهم رحب اليمنيون بدعوة النبي الكريم ودخلوا في دينه جماعات وأفواجاً وأحبوا الإمام علي وتولوه تولياً صادقاً وظل ولائهم قائم لآل بيته على مدى الزمن، متمسكين بثقافة آل البيت والمنهج المحمدي الأصيل وليس الإسلام الأموي المحرف ما تسبب في جعل اليمنيين عرضة لأذية الأمويين ومن بعدهم العباسيين الذين ناصبوهم العداء وقاتلوهم وارتكبوا فيهم أبشع الجرائم وعملوا على بث النزاعات والفرقة بين أبناء القبائل اليمنية، بالإضافة إلى أنهم سعوا إلى تدجين عقولهم بالثقافات المغلوطة واستبدال ثقافة آل البيت بالثقافة الأموية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وعاشت اليمن فترة سيئة تحت حكم الدولة العباسية والقرامطة.
صادفت هذه الحقبة من تاريخ اليمن الأسود عهد الإمام الهادي (يحي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين علي عليه السلام) الذي بشر به النبي المصطفى بأن الله سيحي به الدين وأشَارَ باتّجاه اليمن!!
وقد عرف الإمام الهادي منذ صغره بذكائه وعلمه وشجاعته مما جعله مقدماً منذ صغره في إمامة الناس والفصل بينهم في كثير من المسائل الدينية والاجتماعية!!
من هنا فقد ساء اليمنيون وضعهم المزري هذا ما جعلهم يلجؤون إلى الإمام الهادي يستنجدونه لإصلاح ما أفسده حكام بني أمية فيهم ويطلبونه إنقاذهم من ظلم القرامطة والعباسيين.
وبدوره لبى نداءهم استشعاراً للمسؤولية المناطة بآل البيت -عليهم السلام- في إصلاح حال الأُمَّــة، ومن فوره وانتقل من مقر إقامته في الرس إلى اليمن ليستقر به الحال في صعدة.
وتحت مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مسجده الذي أنشأه في مدينة صعدة عمد أولاً إلى إصلاح ذات البين وحل الخلافات بين القبائل ونشر روح السلام والإخاء بينهم، ومن ثم عمل على فتح المدارس الدينية وبدأ يُعيد للقلوب الروح الإيمَـانية اليمانيّة التي كادت أن تموت، ومن ثم بدأ بتكوين دولة يمنية موحدة وأصلح منظومة القضاء التي هي أَسَاس لإقامة العدل الذي ينشده الجميع، واختار العاملين على المدن اليمنية ممن يثق بصلاح حالهم.
وتميزت فترة وجوده باليمن بالرخاء الاقتصادي واستطاع بعلمه الغزير أن ينتزع تلك الثقافات المنحرفة من عقول اليمنيين وألَّفَ الكثير من الكتب العلمية والدينية تحوي الكثير من علوم آل البيت التي هي نجاة للذات البشرية من مغبات الثقافات الدخيلة على الإسلام!!
ومن بعدها انطلق إلى الجهاد ضد أعداء الله مُسطراً أروع البطولات ومجسداً روح الجهاد وإحياء معالمه في قلوب أهل اليمن الذين كانوا له خير سند ولقى فيهم القبول والعون والاستجابة، وظلوا على عهدهم له بأن يكونوا له عوناً وسنداً كما هو لهم المنقذ ومصدر النجاة من الانحراف والتقلب.
وبرغم المحاولة المستميتة من تغيب سيرته التي نرى الكثير من يجهلها، حَيثُ من الملاحظ لمن يراجع المناهج الدراسية التي ظلت وزارة التربية والتعليم في اليمن تدرسها لأجيال سيجد كيف لم تتطرق ولو بجزء بسيط من ذكر الإمام الهادي وسيعرف كيف أن القائمين على هذه المناهج تحملوا من الوزر الكثير لما احتوته هذه المناهج من ثقافات زائفة وتضليل لمجريات الأحداث الدينية والتاريخية وكيف احتوت على سير مغلفة بتمجيد وتعظيم لشخصيات كانت أكبر خطراً على الإسلام وجعلونا نبجلهم ونعتبرهم في قائمة الشخصيات الدينية والتاريخية ونشأنا نحمل الكثير من العرفان للدولة الأموية وخلفائها الذين صوروهم لنا من الفاتحين والناشرين لدين الله، وأصحاب البطولات بينما غيبت سيرة أئمة آل البيت -عليهم السلام- وتاريخهم الحي المليء بالبطولات والدروس والعبر التي تمثل منهجاً للأُمَّـة الإسلامية!!
ولأن التاريخ لا يموت فقد تناقل الناس الواعون الحقائق كما هي وأرخها من كان يحمل الفكر السليم والعقيدة الصحيحة.
حتى جاء زمن الصحوة بفعل المسيرة القرآنية المباركة وجعلتنا نقلب في الكتب القديمة وعرفنا الكثير من تلك الحقائق والوقائع الغائبة ولعل أبرزها وأهمها كانت حادثة كربلاء، حَيثُ كان الأغلبية لا يعرف عنها إلا رؤوس أقلام.
وتعرفنا إلى أئمة آل البيت وأعلام الهدى من ضمنهم “الإمام الهادي” الذي أصبحنا نتطلع بشغف كبير إلى القراءة عنه وأصبح الناس يبحثون عن مؤلفاته وعلومه التي تُمثل إحياء لدين الله وسنة جده المصطفى وسنتناقلها جيلاً بعد جيل ولن يستطيع أحد أن يُغيب أمثال هؤلاء العظماء والذي أنا شخصيًّا أعترف أني حتى وقت قريب لم أكن أعرف عنه إلا اسم ينسب إليه مسجده في مدينة صعدة التي كانت مستقراً له.
ومن هنا نستنتج أن الحقيقة التي لا بُـدَّ أن ندركها أنه مهما حاولوا وبدلوا فلن يستطيعوا أن يزيفوا التاريخ وَشخصياته فلكل زمن أعلام هدى من آل البيت -عليهم السلام- يحيون في الأمم سير الصادقين وحقيقة الأولين ويعيدون للإسلام مجده ويقدمون دين اللَّه كما ينبغي أن يكون في زمن أصبح المتآمرين عليه كثر والمتمسكين به قلة، ولكن يأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون.