المادةُ الخام للنهوض الحضاري؟!..بقلم/ أمة الملك قوارة
لم تكن الزراعة على مرِ العصور مُجَـرّد حرفة أَو مجال لا يتداخل مع المجالات الأُخرى، بل كانت ولا زالت هي الأَسَاس في نهوض الشعوب والحضارات المختلفة، وقديماً قامت حضارات وازدهرت وحقّقت نهضة كبرى معتمدة بذلك على هذا الجانب، بل إن عنصرَي الماء والأرض الصالحة كانا الأَسَاسَ لتأسيس حضارة وازدهارها، وهَـا هي الحضارات الضاربة بجذورها في عمق التاريخ كحضارة بلاد الرافدين، حضارة وادي النيل وحضارة اليمن القديم الذي ذكرها القرآن: “بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ” خير شاهد على ذلك، وحديثاً ها نحن نرى أغلبية الدول التي تصدرت إلى مسمى الدول العظمى إنما سبب نهوضها هو الجانب الزراعي محقّقة بعدها النهوض الشامل في مختلف الجوانب ومصدرة منتجاتها الزراعية للسوق العالمي لتصبح مسيطرة عليه وعلى الشعوب المعتمدة عليها ومستخدمة زراعتها في إنتاج المواد الخام التي تحتاجها في صناعاتها المختلفة..
يحدث أن هناك مقارنات عجيبة تحصل بين دول مختلفة تمتلك نفس الموارد إلا أن الفارق في كفتَي الميزان بينهما كبير وقد تكون إحداهما دولة نامية أَو فقيرة والأُخرى دولة عظمى؟! إن السبب في ذلك يعود إلى أن إحدى تلك الدولتين قرّرت أن تستثمر مواردها الطبيعية وهدفت إلى أن تصل إلى الاكتفاء بذاتها والأُخرى أحبت أن تكون متكلة على غيرها هادرة طاقاتها وفاتحة أبوابها لتجعل من نفسها سوق لمنتجات دول أُخرى تمتلك نفس مميزاتها؟ وهذا ما يحصل في الكثير من الدول العربية التي تمتلك كُـلّ مؤهلات النهوض الزراعي ابتداءً من توفر الأيدي العاملة المساعدة والأراضي الصالحة والأنهار والآبار الكثيرة إضافة إلى المخزون الجوفي الوفير إلا أن تلك الدول تقع في ركاب الدول المتخلفة وأبسط تأثير في الساحة الدولة يؤثر على لقمة عيشها.
لقد تساقطت الأمطار في بلادنا ولا زالت مُستمرّة بحمد الله تعالى بعد فصول من الجفاف، وتشبعت الأرض بالمياه وبقي الدور الأخير على الإنسان ليأخذ بالأسباب، ولكي يبدأ في تحقيق الاكتفاء الصغير لذاته، فمن الأراضي الزراعية في الأرياف إلى المدن الممتدة والتي تحوي بين أزقتها وأحشائها وعلى امتداد أطرافها أراضي صغيرة إلى متوسطة صالحة للزراعة، كُـلّ ذلك يعني أن نبدأ في الزراعة ونستنهض قوانا وأن نتجه للزراعة الفعلية، فعلى سبيل المثال: إن فناء البيت والأرض المجاورة نستطيع أن نجعل منهما سلة غذائية للأسرة، لتحوي محاصيل الخضروات والفواكه والتي قد تغنينا عن شراء تلك المنتجات من السوق، وحينها قد نكون حقّقنا أشياءً بسيطة قابلة للتطوير مع الوقت في حين توفر الاهتمام وأصبحنا نمشي نحو الاكتفاء الذي لو بادرت إليه كُـلّ أسرة لحقننا اكتفاءً على مستوى شعبنا وفي غضون فترة قصيرة.
إن ما نطمح إليه موجود بين أكفة أيدينا وحين تتوفر الموارد ويهيئ اللّه جميع الأسباب ذلك يعني ألا نتوانى في تحقيق أهداف تضمن لنا الاحتفاظ بكرامتنا وتجعلنا في ركاب الدول المتقدمة، ولن يحصل ذلك دون تكاتف الجميع، ووعيهم بأهميّة الأُس الحقيقي في النهوض الحضاري الشامل، ألا وهو الجانب الزراعي ويحدث ذلك في حين تم غرس أهميّة الزراعة والاهتمام بها وتنميتها من قبل الجميع على مستوى المناطق الريفية والمدينة أَيْـضاً، كما أن قيام الحكومة بفتح معاهد وكليات لتدريب كوادر فعالة تختص بإنعاش الجانب الزراعي وتطويره وتشجيع البحث العلمي حول هذا الجانب، والاتّجاه بالاستثمار نحو الزراعة، وزراعة الأراضي الشاسعة التي تحتضنها بلادنا، كُـلّ ذلك قد يحقّق نهوضا زراعيا يعقبه نهوض اقتصادي شامل وهذا ما نطمح إليه جميعاً وكل العوامل المهيأة تدفعنا لذلك، فهل سنستغلها ونستفيد مما منحنا الله إياه من نعمٍ لننتقل إلى مراحل أُخرى ولنحقّق تنمية مستدامة؟!