غموضُ المجتمع الدولي من عملية السلام في اليمن.زبقلم/ عبد القوي السباعي
على مدى السنوات السبع الماضية، خرج تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي الصهيوني على اليمن، عن نطاق السيطرة القانونية والأخلاقية والإنسانية الدولية والأممية، إذ دمّـرت آلياته العسكرية القتالية وترساناته الحربية مُدناً بأكملها، وأتت غاراته الجوية على معظم البنية التحتية ودور العبادة والمستشفيات والمرافق الصحية والمدارس والمصانع والمزارع وآبار المياه ومواقع التراث والآثار، ومجالس العزاء وصالات الأفراح، بل كانت وكأمرٍ شائع جِـدًّا لدرجة أنها لم تُثْر القلق الدولي، وحتى تلك العناوين الرئيسية العرضية الطويلة من قوائم الوفيات العنيفة والإصابات شبه اليومية، لم تكن هي الأُخرى أكثر غموضاً على المجتمع الدولي، من المحنة والمعاناة اليومية للشعب اليمني، جراء هذا العدوان والحصار.
اليوم ولاعتباراتٍ خَاصَّة بالحرب الروسية الأوكرانية، وبعد مرور خمسة أشهر ونصف شهر من عمر الهُــدنة الأممية الإنسانية والعسكرية، غالبًا لم نعد نرى أَو نسمع عن زحوف تكتيكية مكثّـفة، ولا نيران قناصة أَو قصف جوي ومدفعي، فقط تتدلى الفواكه الطازجة فوق عربات الخضار ومن نوافذ المتاجر، وعمال المطاعم يتنافسون في صنع أطباقاً ضخمة من الأرز والدجاج واللحوم المختلفة أمام زبائنهم، وتنطلق في شوارع المدن والقرى والأحياء همهمات ضاحكة مع صخب لطيف، ولكن تحت قشرة الحياة الطبيعية القاسية، حَيثُ يوجد نفس الاختناق الاقتصادي الهائل، والضائقة المعيشية المؤلمة التي يمكن أن تراها في أفقر المجتمعات النائية والمطحونة حرباً.
ومع ارتفاع الأسعار لمختلف السلع الغذائية الضرورية والمعروضات الدوائية والخدمات الصحية، ناهيك عن المستلزمات الحياتية الأُخرى المنتشرة في كُـلّ مكان، والتي تشكل تحدياً إضافياً يتعين على أغلب الأسر تحمل تكاليفها، كما يشكل السائقون والمزارعون طوابير طويلة في محطات الوقود لشراء حاجتهم من الوقود الذي قد يأتي بأسعارٍ باهظة، لكنهم مضطرون لكي يتمكّنوا من الاستمرار في العيش، حتى وإن تقاطرت عليهم السفن المحتجزة، إلا أن البعض هُنا ربما ينفق آخر ما لديه من مدخر العشاء لتلك الليلة.
إن الافتقار إلى العمل، وانقطاع المرتبات، مع تواصل ارتفاع الأسعار بشكلٍ جنوني، وتزايد عمليات القرصنة على سفن المشتقات النفطية، وتضييق الحصار، وصعوبة الحصول على المآكل، وعلى المياه الصالحة للشرب، والرعاية الصحية المناسبة، يشكل تهديداً لحياة كثير من أبناء الشعب اليمني، ولن يُعفى المجتمع الدولي من تبعات هذه المأساة، بل ويتحمل كامل المسؤولية عن تداعيات الطوفان العابر للحدود، إذَا ما انفجر بركان الغضب اليمني، الذي تحرّر من أسر الشعارات البراقة ووعود السراب الزائفة، ومن الشائعات التي كانت واحدة من أهم أسلحة الحرب عليه وأكثرها توظيفاً هذه الفترة كما كان في السابق.
لقد بات الجميع يعلم علم اليقين أنهُ ولأكثر من سبع سنوات، عملت واشنطن ولندن والمجتمع الدولي بكل منظماته على تأجيج أوار الحرب بدلاً من إيقافها والتدخل الصادق للحلحلة والتوجّـه نحو السلام الدائم والحقيقي، بل وقدم التسهيلات وشرعن تدفق الأسلحة والتمويل، وعمل على تغطية الكثير من الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب، وغير ذلك من أشكال الدعم العسكري والسياسي للتحالف الكوني على اليمن، بل وشجعه على السعي إلى تحقيق نتائج أفضل في ساحات المعارك مما يمكنه الحصول عليها على طاولة المفاوضات.
ففي الوقت الذي يحث فيه المسؤولون الأمريكيون على خفض التصعيد والتهدئة، ويعترفون بأن تحالفهم لا يمكن أن يسود في ساحة المعركة، يسعون إلى تبني سياسة العصا والجزرة، ويظهر مبعوثهم داعياً إلى المحافظة على الهُــدنة من الانهيار، لكن الزخم أخذ في التحول، بالنسبة لحسابات المصالح والمكاسب الأممية، وبالنسبة لتحالف العدوان ورعاته الدوليين، فَإنَّ المعاناة اليومية للشعب اليمني مُجَـرّدة تماماً، وغير ذات صلة بالأهداف السياسية والاقتصادية لهم.
ندرك تماماً، لو كان المجتمع الدولي يأبه لمسألة أن هُنا شعبٌ يتجرع أقسى أنواع العذاب والمعاناة، ويكابد أفظع مرارات البؤس والحرمان، فسوف يسعى لوقف هذه الحرب وهذا الحصار بشكلٍ كامل، كمنطقٍ واضح؛ كونهُ معني في المقام الأول إلى تحويل بنود هذه الهُــدنة إلى بنود سلام شامل وعادل، لكنه لم يتهيأ بعد لهذا الاستحقاق؛ لأَنَّ الناس في اليمن ليسوا كالشعب الأوكراني، والذي أقاموا الدنيا عليه ولم يقعدوها قلقاً وشجباً واستنكاراً ودعماً ومن يومهم الأول.
عُمُـومًا، تظل النوايا والجهود المفترضة من المجتمع الدولي غامضة، ومهما تكشفت عن هذه الهُــدنة من حقائق ومتطلبات ونوايا قد تساعد في تحقيق طموح السلام، تبقى جدية دعم عملية السلام، ودفع عجلة فك الحصار وإيصال الحرب إلى نهايتها في المستقبل القريب، بالنسبة للمجتمع الدولي، غامضة ومبهمة، أما بالنسبة للناس هُنا وفي كُـلّ مكان من اليمن لا يمكن أن يأتي ذلك اليوم قريباً، ما لم ينتزع هذا الطموح انتزاعاً، شاء المجتمع الدولي أم كره، ولله عاقبة الأمور.