ثقافةٌ مغلوطة وعقيدةٌ باطلة.. ها هو الصراط المستقيم..بقلم/ أحمد العماد
سورة الفاتحة التي يقرأها المسلمون كُـلّ يوم أكثر من سبعَ عشرة مرّة، توجد فيها آية مهمة تتكرّر بتكرار السورة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ…) وهي آية مهمة وعظيمة، وضرورية لكل إنسان يريد أن يهتدي إلى طريق الحق.
ولكن.. الكثير من المسلمين يعتقدون ويؤمنون أن الصراط هو جسر أَو طريق وضعه الله فوق نار جهنم وكلّ إنسان لا بدّ أن يمر عليه يوم الحساب!
وكلّ إنسان يمر حسب إيمَـانه وأعماله، فمنهم من يمشي هرولة، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من يتلكع حتى يكاد أن يهوي إلى النار، وهو-أي الجسر-أرق من الشعرة وأحد من السيف، المؤمن يعبره حتى يصل إلى الجنة، والكافر يهوي إلى نار جهنم..!
هذه في الحقيقة هي ثقافة مغلوطة، وعقيدةٌ باطلة، تحول بين الإنسان وبين الاستعداد لذلك اليوم (يوم القيامة).
وأنا هنا لا أتجنى على المفسرين، أَو أريد التقليل من شأن من رووا مثل هذه الثقافة، ولكن.. أريد أن نعود إلى القرآن الكريم، لكي نصحح ثقافتنا وعقائدنا من خلاله؛ لأَنَّ آيات القرآن توضح بعضها بعضاً، ويفسر بعضها البعض الآخر، وأحسن التفسير هو: تفسير القرآن بالقرآن.
لذلك.. إذَا تأملنا في هذا التفسير المغلوط لمعنى الصراط المستقيم، فَـإنَّ الذي نتخيله في أذهاننا، أن يوم القيامة أشبه ما يكون بمسابقة رياضية كتلكم التي نشاهدها في البرامج المسابقاتية على القنوات الفضائية، فالإنسان الذي يقرأ هذا التفسير ترتسم في مخيّلته صورة عن يوم القيامة تتلخص في:
أن هناك طابوراً كبيراً من الناس، يوجد أمامهم ذلك الجسر، ويتصور في خياله أن النار عبارة عن حفرة كبيرة يمتد فوقها ذلك الجسر، ويتخيل أن الجنة أَيْـضاً حفرة في الطرف الآخر يصل إليها من يتمكّن من العبور فوق الصراط، ويتخيل الإنسان أنه ينظر إلى شخص يعبر الصراط قبله، وهو ينتظره إما أن يصل إلى الجنة أو يسقط في جهنم، وهو على تلك الحالة ينتظر دوره هو، ومِن خلفه طابور وكل واحدٍ منهم ينتظر دوره لعبور ذلك الجسر، وهكذا… كُـلّ تلك الصور التي يتخيلها من يؤمن بتلك العقيدة، ليست كالصورة التي رسمها القرآن الكريم ووضحها في كثير من آياته التي تتحدث عن أهوال ذلك اليوم الشديد، تلك الصورة التي تجعل الإنسان يتحَرّك في هذه الحياة بكل جدٍّ وينطلق في الأعمال التي تقيه من أهوال ذلك اليوم، ذلك اليوم الذي قال الله عنه: (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا)، ويقول عن الخوف والخضوع والخشوع الذي يصل إليه الناس: (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ، وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا)، ويصف حال الملائكة أَيْـضاً فيقول: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا، لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا)، وكثير من الآيات التي تتحدث عن ذلك اليوم-سواءً عن مرحلة البعث أَو الحساب أو الجزاء-حديثاً عظيماً يرسم في مخيلة الإنسان صورةً صحيحة عن أهوال ذلك اليوم ومهابته وجلاله، فتجعل الإنسان ينطلق في الأعمال التي توصله إلى أن يكون من أولياء الله الذين قال عنهم: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقال عنهم: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ…) وقال عنهم: (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ).
ولكي نصحح تلك الثقافة المغلوطة، يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، فبعد أن تحدث الله عن مرحلة البعث والحساب، وتسليم الكتب في كثير من الآيات، يبين أن الناس وبعد استلامهم الكتب، يتميزون إلى فريقين، كُـلّ فريق منهم يميّز ضمن الفئة التي سيكون معها: (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) وبعد أن تنتهي عملية الحساب والفرز ويحدّد مصير كُـلّ فريق منهم، يأمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأن يأخذوا كُـلّ فريق إلى مصيره الذي حدّد له، قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا.. ) والزمر تعني الجموع الكبيرة من الناس، وهذا ينفي مسألة أن الناس يدخلون النار واحداً واحداً، (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) وهنا يتضح أن دخول الناس إلى جهنم-والعياذ بالله-ليس بالسقوط من على ذلك الجسر، بل بواسطة أبواب تفتح من قِبل خزنة جهنم، وهي أبواب متعددة كما قال تعالى: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ…) أَيْـضاً يتبين أن الدخول يكون دخولاً جماعياً وليس كُـلّ شخصٍ بمفرده، وهذا الحديث القرآني ينفي أن يكون هناك جسر فوق جهنم.
كذلك أصحاب الجنة: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا، حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) وهذه الآية تبين أن طريقة دخول الجنة هي أَيْـضاً جماعية، كذلك هي توحي أن هناك تكريماً لأهل الجنة، باستقبال الملائكة لهم، والتسليم عليهم، والترحيب بهم، وليس دخولاً مخيفاً كما يبدوا من تلك الثقافة المغلوطة التي تقدم أهل الجنة بأنهم يمرون من فوق جهنم مباشرةً عبر ذلك الجسر ثم يصلون إلى الجنة.
أما معنى الصراط المستقيم الذي هو صراط الذين أنعم الله عليهم، فقد بين الله ذلك في سورة مريم، بعد أن قدّم قائمةً من الأنبياء، بدءًا بنبي الله زكريا، ويحيى، وعيسى، وإبراهيم، وموسى وهارون وإسماعيل، وإدريس، بعد أن تحدّث الله عنهم، قال بعدها: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) أُولئك هم الذين أنعم الله عليهم، وأُولئك هم من ندعو الله دائماً في سورة الفاتحة أن يهدينا إلى صراطهم المستقيم، الطريق الذي سار عليه أُولئك الأنبياء العظماء، وهو طريق له امتداده إلى يوم القيامة.