الهُدنـــةُ ومنهجيةُ القرآن في التعامل مع العدو (2-2)
يؤكّـد الشهيدُ القائدُ -رضوان الله عليه- حقيقة أن التزامنا بأخلاقيات ومبادئ معينة والتي لا يمكن تجاوزها لا يأتي من منطلق الضعف أَو الخوف من العدوّ وإنما من بدافع حرصنا على أن نتمسّك بهدى الله وأن لا نضُرب كما ضُرب بني إسرائيل:
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قليلًا مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (المائدة: ١٣). هذه فيها عبرة لنا، عبرة للناس، المسلمين بشكل عام بأن عليهم أن يأخذوا بهدي الله بقوة كما قال مع بني إسرائيل {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} (الأعراف من الآية: ١٧١)؛ لأَنَّ ما أخذه على بني إسرائيل هو أخذه على الناس، وإلا فقد تكون النتيجة هكذا، هم عندما نقضوا ميثاقهم كما قال: {لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} لم يعودوا يتأثرون بشيء مما يسمعونه مهما فهموا، مهما تبينوا، مهما تجلى لهم؛ لأَنَّه عندما يوجه الناس إلى أن يكونوا ملتزمين -في صراعهم مع الآخر- بالمبادئ التي وجههم إليها، مبادئ قرآنية، وليست أفكار أُخرى، أَو مبادئ يأخذونها من عند آخرين، أَو من داخل مواثيق أُخرى يصنعها آخرون، مبادئ قرآنية، أنه أَيْـضاً هو يعلم الآخرين تماماً، يعرف بأنهم هكذا: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قليلًا مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
الدرس الحادي والعشرون _دروس رمضان.
لا يمكنُ أن يتوقَّفَ العدوُّ حال الهُدنة
في فلسطين عندهم أن [حركة حماس] هي التي تثير إسرائيل [وحركة الجهاد] هي التي تثير إسرائيل مع أنهم قد قدموا براهين من عندهم، هم عملوا هُدنة وتوقفوا عن العمليات الاستشهادية تقريبًا أربعة أشهر فلم تتوقف إسرائيل، خلالها اتجهت لاغتيال قاداتهم والشخصيات البارزة فيهم. هل انسحبت إسرائيل خلال الهُدنة خلال استعدادهم أن لا يقوموا بأي عملية وتنسحب؟ ما انسحبت.
الدرس السادس- دروس رمضان.
بنودُ هُدنة بدت قاسيةً أنتجت فتحاً حقيقياً
بعضُ الناس يسيءُ الظن بالله، وهذا حصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية١٠) عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعب كما حكى الله عنهم في [سورة الأحزاب]: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} (الأحزاب: ١١) كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (الأحزاب: من الآية١٠) بدأت الظنون السيئة. عندما يدخل الناس في أعمال، ونكون قد قرأنا قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج: من الآية٤٠) فيمر الناس بشدائد إذَا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله سبحانه وتعالى، وتنـزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك: [أنه ربما نحن لم نوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا، أَو بأن ينصرنا وَيؤيدنا] أَو ابحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم، ربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح، تعتبر مفيدة جِـدًّا في آثارها. وقد حصل مثل هذا في أَيَّـام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الحديبية، عندما اتجه المسلمون وكانوا يظنون بأنهم سيدخلون مكة، ثم التقى بهم المشركون فقاطعوهم فاضطروا أن يتوقفوا في الحديبية، ثم دخل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مصالحة معهم، وكانت تبدو في تلك المصالحة من بنودها شروط فيها قسوة، لكن حصل في تلك المصالحة هُدنة، هُدنة لعدة سنوات كأنها لعشر سنوات تقريبًا. لاحظ ماذا حصل؟ بعد ذلك الصلح الذي دُوِّن وفيه بنود تبدو قاسية، وظهر فيه المسلمون وكأن نفوسهم قد انكسرت، كانوا يظنون بأنهم يدخلون مكة، ثم رأوا أنفسهم لم يتمكّنوا من ذلك فرجعوا، بعد هذه الهُدنة توافدت الوفود على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من مختلف المناطق في الجزيرة العربية واليمن وغيرها، وفود إلى المدينة ليسلموا، فكان ذلك يعتبر فتحاً، وكان فتحاً حقيقيًّا في ما هَيَّأ من ظروف مناسبة ساعدت على أن يزداد عدد المسلمين، وأن يتوافد الناس من هنا وهناك إلى المدينة المنورة إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليدخلوا في الإسلام، فما جاء عام الفتح في السنة الثامنة إلا ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قد استطاع أن يجنِّد نحو اثني عشر ألفاً، الذين دخلوا مكة.
معنى التّسبيح.
المؤمنُ يزدادُ إيمَـاناً مع الشدائد
إذا كان الإنسانُ ضعيفَ الإيمَـان، ضعيفَ الثقة بالله، ضعيفاً في إدراكه لتنـزيه الله سبحانه وتعالى قد يهتز عند الشدائد، إما أن يسيء الظن في موقفه: [ربما موقفنا غير صحيح وإلا لكنا انتصرنا، لكنا نجحنا…] تحصل ربما، ربما.. إلى آخره، أَو يسيء الظن بالله تعالى وكأنه تخلى عنا، وكأنه ما علم أننا نعمل في سبيله، وأننا نبذل أنفسنا وأموالنا في سبيله: [لماذا لم ينصرنا؟. لماذا لم..؟]. الإنسان المؤمن، الإنسان المؤمن يزداد إيمَـاناً مع الشدائد: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَـاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: ١٧٣)؛ لأَنَّ الحياة كُـلّ أحداثها دروس، كُـلّ أحداثها آيات تزيدك إيمَـاناً، كما تزداد إيمَـاناً بآيات القرآن الكريم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَـاناً} (الأنفال: من الآية٢) كذلك المؤمن يزداد إيمَـاناً من كُـلّ الأحداث في الحياة، يزداد بصيرة، كم هو الفارق بين من يسيؤون الظن عندما تحصل أحداث، وبين من يزدادون إيمَـاناً؟. وهي في نفس الأحداث، أليس الفارق كَبيراً جداً؟. لماذا هذا ساء ظنه، وضعف إيمَـانه، وتزلزل وتردّد وشك وارتاب؟ وهذا ازداد يقيناً وازداد بصيرة وازداد إيمَـاناً؟! هذا علاقته بالله قوية، تصديقه بالله سبحانه وتعالى، وثقته بالله قوية، تنزيهه لله تنزيه مترسخ في أعماق نفسه، يسيطر على كامل مشاعره فلا يمكن أن يسيء الظن بالله مهما كانت الأحوال، حتى ولو رأى نفسه في يوم من الأيّام وقد جثم على صدره [شمر بن ذي الجوشن] ليحتزَّ رأسَه كالإمام الحسين (صلوات الله عليه).
معنى التّسبيح.
عدمُ تحقّق جميع الأهداف لا يعني ذلك حدوثَ حالة الشك والارتياب
حادثة كربلاء ألم تكن حادثة مؤلمة جداً؟ كانت كلمات الإمام الحسين فيها تَدُلُّ على قوة إيمَـانه، كمال وعيه، كمال يقينه، بصيرته، كان همه من وراء كُـلّ ذلك أن يكون لله فيه رضا، ما دام وفيه رضا لك فلا يهمني ما حصل. وهذه هي نفسية المؤمن، نفسية المؤمن هو أن ينطلق في أعماله يريد من ورائها كلها رضا الله. رضا الله هو الغاية.. وإن وضع له أهدافاً مرحلية، وداخلية، هي ليست كُـلّ شيء لديه، ليست كُـلّ شيء لديه، فإذا لم يتحقّق ذلك شك وارتاب، أن يجنّدوا أنفسهم لمعركة ما مع أعداء الله ثم ينهزمون، أَو يرون أنفسهم مضطرِّين إلى أن يتصالحوا صُلحاً مؤقتاً، فيرجعون بنفوس مرتابة لماذا؟. ألم نسمع أن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية٤٠) لماذا، لماذا؟! المؤمن هدفه هو أن يحصلَ على رضا الله، وأن يكسب رضا الله، وأن يكون في أعماله ما يحقّق رضا الله، وأن النصر الذي يريده، النصر الذي ينشده هو نصر القضية التي يتحَرّك؛ مِن أجلِها، هي تلك القضية التي تتطلب منه أن يبذل نفسه وماله، فإذا كان مطلوب منك أن تبذل نفسك ومالك فهل ذلك يعني بالنسبة لك نصراً مادياً شخصياً؟ الذي يبذل ماله ونفسه فيقتل في سبيل الله، هل حصل نصر مادي له شخصي؟ هو انتصر للقضية، هو حصل على الغاية التي ينشدها، حتى وإن كان صريعاً فوق الرمضاء، ألم يصبح شهيداً؟ حظي بتلك الكرامة العظيمة التي وعد الله بها الشهداء، دمه ودم أمثاله، روحه وروح أمثاله، أليست هي الوسيلة المهمة لتحقيق النصر للقضية؟.
معنى التّسبيح.
والعاقبــــــةُ للمتَّقيـــــــــن.