ثورةُ شعب وسيادةُ أُمَّـة..بقلم/ منتصر الجِلِّي

 

بالتحديد التاسع من أغسطس 2014م، ما زلنا نتذكر تلك اللحظات جيِّدًا، والجميع في استعداد للعاصمة، بعد دعوةٍ للسيد القائد ليتدارك بها ما تبقى للشعب من رمقِ عيشٍ، إثر حكومة المحاصصة، ورفع الجرعة، خرجنا في ثلاثة مطالب فشاء الله دونها الكثير من النصر المتصاعد، الذي واكب مسيرة الثوار، وفي كُـلّ يوم والشعب ينتقل إلى العاصمة صنعاء، في اعتمادٍ على الله قل نظيره، أفواجاً أفواجاً، ويتجدد الخطاب من السيد القائد، وترتفع معه وتيرة التصعيد الثوري، في مشهدٍ تصاعدي، حرك دول العالم، تعالت الصيحات المندّدة، هم أنفسهم الناهبون لثروات الشعب، من أوصياء، وسفراء، وفي جلسةٍ مغلقة طارئة لمجلس الأمن حتم فيها موقف بالتدخل الفوري لإنقاذ أذناب العمالة المرتهنة.

كبرت أَيَّـام الثورة، ليأتي يوم النصر المشهود، لتفرَّ الحكومة وتسقط عمالة الخارج، لم يفُت الأمر حتى يُعلِنَ العدوان من أبراج البيت الأبيض، بقيادة أمريكا، تنفذه أدواتها العربية بقيادة السعوديّة، والتي شاءت وأدُ طِفل الثورة، ولكن كَبُر ونما، ليتربع المدرعة، ويقود المُسَيّرَ ويرفع النشيد الوطني على صواريخ النصر الموعود.

لتظهر الدولة والشعب والقيادة، يظهر النصر، بعد الصبر، والفجر بعد ليلاً دامس، تنفس صباح سبتمبر في الحادي والعشرين منه، صباحاً مشرقاً، كبرت أجيال الثورة عانقت السماء بصبرها ومجدها، لم يكن في حُسْبان العدوان أن المنازل التي قُصِفت والمراكز التي دمّـرت والأطفال التي مُزقت، صارت صواريخ تضربه، وشظايا تُحرقه، صنع من “حافلة أطفال ضحيان” حاطم، وسعير، صنع من أجسادهم بركان ومندب، صواريخ ما شاء الله أن تكون، ترافقها لبنات العز اليماني، من مُسَيَّرات قلبت الطاولة وسارع العدوان إلى الوساطات الدولية، حرب أراد لها العدوّ السعوديّ والإماراتي بلغة السياسة العسكرية أسبوع وإن كثر فشهراً، فكان عهد الله ميقات رسمه لشعبنا وقيادتنا، في تلاشٍ لأحلامهم، كبرت المعادلة، ومع تغير العالم آحادي القطب تبلورت نتائج الثنائية، أن أمريكا مقدور عليها، قضية استشعرها شعبنا في اليوم الأول من قصف العدوان للعاصمة صنعاء.

تتجدد الثورة لتظهر هذا العام بِحُلَّةِ ثمانِ سنوات من الجهاد والصبر، ثمانٍ من الويل والحرب المتنوعة التي أخذ العدوان يمارسها ضد أبناء شعبنا، خطوط حمراء تجاوزها بشكلٍ جعل كُـلّ حُرٍّ يعرفُ حجم العدوّ، وحتمية مواجهته، ظهرت الثورة اليوم في عرضها الختامي العسكري الذي جعل دول الجوار وأتباع الربيع العربي حسب الزعم، أن يعيدوا حسابات ثوراتهم التي تلاشت في المستعمرات الدولية والأممية وتضييع الهُــوِيَّة الوطنية للشعوب العربية.

جاءت العروض في رمز لما انبثق من ذلك الفجر السبتمبري، حرّر السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الإنسان قبل المكان، حرّر الفكرة وأطلق العنان للإنسان اليمني أن ينطلق ليعرف هدفه وما يراد منه، والعدوّ يتربص به.

جاء السيد والقرآن كطالوتٍ في قومه منقذاً لهم في الرمس الأخير، حينها كان الشعب يمر على سِكَّة الموت البطيء، عبر الخلايا الإجرامية والعبثية والناعمة والتفجيرات والسحل والذبح، جاءت الثورة لتصحح المسار وتعيد قوام ما اعوج من المؤسّسات والوزارات، جاءت تبني الإنسان اليمني إيمَـانياً، ليعلم دوره في بناء وطنه وأرضه ومجده وقضيته وأمته.

تدمع الأعيُن وهي ترى آيات الله ومعانِي التولي الصادق لأولياء الله والمعادة لأعداء الله، جاءت الثورة لتجعل من الصعب سهلاً، ومن الحلم حقيقةً، وَمن اليمن دولةً ذات سيادة، ومن الموقع تميزاً وقوة، جاءت لترسم خارطة الوطن الكبير الذي حلم به كُـلّ يمني، أسرةٌ واحدة، ألمٌ واحد، يدٌ واحدة، جسدٌ واحد، جاءت تصحح المسار الثوري لثورة 26 سبتمبر، والتي تلاشت في دهاليز السياسة الحمقاء والشجرة الملعونة، جاءت تنتج واقع القضية الجنوبية، وحلولها العادلة، تضع موازين العدل لذلك الجنوب المحتلّ اليوم الذي لا يفقه من الأمر سوى الخنوع للغزاة الإماراتيين وغيرهم من ذوي الأطماع البغيضة، فكانت وما زالت السعوديّة حربة الشر التي يُحرٍّكها الكيان الإسرائيلي والأمريكي، من خلفه، لضرب جبهة المقاومة على امتداد جغرافيتها.

تربع شعبنا بفضل الثورة والقيادة والمنهج، مكاناً عليًّا، مقامات النضال التحرّري لقضايا الأُمَّــة، وأصبح يُمثل الدور الأبرز والأَسَاس في أية معركة قادمة مع كيان العدوّ الإسرائيلي، توحدت الرؤى وأُنتجت الخبرات وتكاتفت الأيدي، بفضل ثورة 21 سبتمبر، أصبح الشعب اليمني في مقدمة الحراك الثوري والإنساني في أي قرارٍ يمس الأرض الفلسطينية، وقواها المقاومة في الداخل الفلسطيني.

شاءت الإرادَة الإلهية والحكمة للقيادة الربانية، أن لا تنحصر عين الرحمة على تحرير الأرض اليمنية وحسب، بل امتد حبل المسؤولية على عاتق الثورة إلى المحاور العامة والأهداف الرئيسة للأُمَّـة، بهذا خمدت جذوة العدوان صغر حجمه وقدرته، ولم تعد مواجهته إلا على هامش الملفات اليوم، في حين تجسدت المسؤولية على شعبنا أن يصنع النصر على كُـلّ ربوع الأُمَّــة، وأن يعيد بسمة الربيع إلى كُـلّ أرضٍ عربية، ذاقت سعير التمزق وفجوة الانقسام وبطش الأمم الصغرى.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com