ثورةُ 21 سبتمبر والفشلُ الأمريكي في اليمن..بقلم/ مالك الغنامي
بعد التجربةِ التي خاضها شبابُ ثورة 11 فبراير والتي تم الاستحواذُ عليها من الأطراف الخارجية وعانت من الوصاية الشديدة حسب توجّـهات الخارج، والالتفاف عليها من خلال إدخَال العناصر التابعة للنظام آنذاك والعمل على تجنيد شباب الثورة لصالح وزارة الدفاع والداخلية كُـلّ هذا؛ مِن أجلِ إخماد الروح الثورية والمعنوية للثوار الذين كان حلمهم الوحيد تحقيق الحرية والاستقلال، لكنه ظل حلماً لم يتم تفسيره في تلك الثورة.
لم يعمل النظام الحاكم آنذاك على تلبية طموحات وآمال ومتطلبات شباب ثورة 11 فبراير، بل عمد على التجاهل، وإبقاء الساحة اليمنية للانفلات الأمني والفوضى والاغتيالات للكوادر الوطنية والتفجيرات والجرائم بحق المواطن اليمني، ورضخ النظام العميل للإملاءات الخارجية لتفكيك وتقسيم البلد من الداخل برعاية المبادرة الخليجية التي تديرها أمريكا من خلف الكواليس، كذلك صعد النظام الفاسد آنذاك من وتيرة الأزمة إلى تجويع الشعب من خلال الجرعة التي أثقلت كاهل المواطن ودفعته والعوامل السابقة إلى التفكير الإيجابي بضرورة وحتمية اقتلاع هذا النظام الفاسد العميل بثورة حقيقية تحقّق وتضمن لكل أبناء الشعب العيش الكريم والحرية والاستقلال التام.
قرّر شعب الصمود وأسود ثورة 21 من سبتمبر خوض تجربة جديدة مستفيدين من الأخطاء التي حصلت في ثورة 11فبراير، تحَرّك الشعب حينها بعزيمة ثاقبة وإرادَة صلبة وبصيرة عالية، وأخلاق ومبادئ وقيم قل نظيرها في ما عداها من الثورات، خرج الشعب مستمداً نضاله الثوري وصموده من موروثه الإيمَـاني التليد وحكمته الأصيلة وقيادته الثورية الممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- والذي كان أهم عامل رئيسي لنجاح الثورة المباركة بعد الله سبحانه وتعالى.
سلمياً كان الزخم الثوري، وداخلياً كان التمويل المالي، وأخلاقاً كان خطابها الثوري، وبصيرةً كان التحَرّك العملي، عبّر فيها الشعب عن إيمَـانه وتجلى مصداق “الحكمة يمانية” في وعيه وسلوكه، قدم الشعب المطالب النقية والصادقة والمنصفة كإلغاء الجرعة وإسقاط حكومة الفساد وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، غير أن هذه المطالب قوبلت بالقمع وإطلاق الرصاص الحي على سلمية الثوار في أغلب الساحات في طوق العاصمة وأمام وزارة الداخلية ورئاسة الوزراء سقط العديد من الشهداء، وتبين الوجه الآخر لمليشيات الإصلاح التي كان يتم إرسالها من قيادة الفرقة الأولى مدرع بقيادة (علي محسن الأحمر) لقمع سلمية الثورة وقتل الثوار، فكانت الدماء الزكية بارق أمل على حتمية سقوط النظام المجرم الباغي.
واصل الشعب نضاله وصموده بمعنويات وصبر وثبات وتضحيات واستمرارية حتى أذن الله بالنصر، فلم تصمد أمامه قوى العمالة في الحكومة الفاسدة، ولم تصمد الفرقة الأولى مدرع أمام صدور مدرعة بالعزة والكرامة والحرية.
تفاجأ السفيرُ الأمريكي والإدارةُ الأمريكية في صنعاء بسُرعةِ الحسم الثوري؛ لأَنَّهم لم يكونوا يتوقعوا النجاح لهذه الثورة، فسرعان ما توسطوا للخروج بوساطة عمانية، تاركين ورائهم مشروعاً تدميرياً واستعمارياً ظلوا يبنون فيه لعشرات السنين، فكان قرار رفض الوصاية الخارجية والتدخل الخارجي -بكل أنواعه- الحصن المنيع لهذه الثورة، والتي شقت طريق الحرية الحقيقية من بين أنياب الوحوش المتنمرة إلى بر الأمان.
بعد الانتصار قدمت الثورة أرقى نماذج التسامح بين مكونات هذا الشعب ناسيةً ومتجاهلة للماضي، ثورة لم تعرف الإقصاء ولا التهميش ولا النظرة الدونية أَو الشخصية أو تصفية حسابات، وكان التركيز على المستقبل في بناء الدولة العادلة والتي سيشارك فيها الجميع، فنتج عنها الاتّفاق السياسي المشهور والمعروف بـ”السلم والشراكة”، وعم الأمن أرجاء اليمن في صورة مبشرة بالخير لكل أبناء الشعب.
ستة أشهر بعد انتصار ثورة 21 من سبتمبر، فرصة اتخذها الأمريكي للتخطيط في القضاء على هذه الثورة، فلم يلق له عميل إلا السعوديّة بحكم جوارها، لكن من الغباء أن يعقل أن تكون الحرب سعوديّة -كما يزعم البعض- والتصريح والإعلان كان من واشنطن، ستة أشهر أرادوا من خلالها ابتلاع الثورة وإنهاء الوضع لصالحهم في أَيَّـام معدودات حسب خطتهم، لكنها ستة أشهر وثمان سنوات عجاف عاشها ويعيشها العدوّ الأمريكي في تيه وتخبط محاولاً القضاء على هذه الثورة وعدم تمددها وتمكّنها من الحكم للبلد، إلا أنه فشل فشلاً استخباراتياً في تقديراته وحساباته للشعب اليمني نظراً؛ لأَنَّه لم يحسب حساب الروح الثورية والهُــوِيَّة الإيمَـانية والصمود الأُسطوري والقيادة الحكيمة والمنهج العظيم، لهذا فشل فشلاً ذريعاً.
تنامت القدرة العسكرية والتصنيع الحربي بشكل لم يشهده اليمن سابقًا على الإطلاق، وبناء الجيش على أسس صحيحة وعقيدة قتالية تدافع عن هذا البلد عكس ما بني له سابقًا، في حين كان يعمل النظام العميل على تدمير القوة العسكرية والدفاع الجوي والقوات الجوية والبحرية بشكلٍ كامل، وما نشاهده اليوم من العروض العسكرية خير دليل أحقية وصوابية ثورة 21سبتمبر، فمن استطاع أن يواجه دول العدوان يستطيع أن يبني مؤسّسات الدولة ويصل بالشعب إلى الاكتفاء الذاتي في كُـلّ المجالات.